يشدّد الفدائي المخضرم "محمود عرباجي"، على مطالبة العائلة الثورية ب "تجريم الاستعمار"، ويقول مفجّر القنابل قبل ستة عقود إنّ المجاهدين القدامى وعموم مكونات العائلة الثورية لن يتراجعوا عن حتمية الوفاء بواجب الذاكرة ومطالبة المحتل القديم بالاعتراف والاعتذار عما اقترفته أيادي الكولونيالية على مدار 132 عاما. في هذا الحديث الخاص ب "النهار أون لاين"، يبرز عرباجي (83 عاما) إنّ رمي فريق من (الجزائريات) الحايك في 13 ماي 1958، كان أكبر نكسة، قبل أن تحيي مظاهرات الحادي عشر ديسمبر1960 الآمال في حلم الجزائر جزائرية الذي تجسّد بعد 6 أشهر. . ما هي المهمة التي كانت موكلة إليكم قبل الدخول ضمن شبكة مفجّري القنابل؟ – قبل أن أكون ضمن شبكة مفجّري القنابل، كلفتنا جبهة التحرير أنا والعديد من المجاهدين بينهم "عمار تشيكو"، "الهاشمي" ،"عبد القادر كليسي"، بتنظيف القصبة من الأوكار والمواخير التي كانت منتشرة على نحو رهيب في أواسط خمسينيات القرن الماضي. . ماذا كان ردكم على التفجير الذي طال منزل "عاشور" في القصبة والذي راح ضحيته 72 شخصا؟ – بعد تفجير منزل "عاشور" رحمه الله، فكّر "السعدي" بالثأر للضحايا الأبرياء، لهذا قام بالاتصال بالمسؤولين وقال لهم"السن بالسن، والعين بالعين"، هنا اتصل بنا "عبد الرحمان عرباجي" مسؤولنا في ذلك الوقت، أين كلفنا بمهمة تفجير القنابل، بعد تفجيري ملعبي "الأبيار" و"20 أوت". . كيف تمكنتم من الحصول على تلك القنابل؟ – ذهبت وصديقي "الهاشمي" إلى صاحب محل بالقصبة يدعى "مانو"، أين طلبنا منه إعارتنا مركبته فوافق، من هناك انتقلنا إلى "طاقارة" عند "بن لامين" وفور نطقنا لكلمة السر "رضوان" قدم لنا حزمة من الجرائد تحوي داخلها القنبلة. أنا والسائق "رشيد" اتجهنا إلى "الأبيار" ولأننا لم نعثر على الشخص الذي كان من المفترض أن نقدمها له، قررنا العودة إلى القصبة أين أعطينا القنبلة إلى "علي قاسي" ليأخذها ل "باب الوادي" عند "محمد شابي"، الذي وضعها في موقف الحافلات، وخلف انفجارها العديد من القتلى والجرحى. . وماذا عن الست قنابل الذي كنت مسؤولا عن تفجيرها؟ – فيما يخص تلك القنابل، قمت بوضع اثنتين تحت سيارة قرب سفارة فرنسا في الفاتح نوفمبر، والباقي في موقف "الألوان الثلاثة" بباب الوادي، وكان شعارنا "تحت كل سيارة قنبلة". . كيف كان وقع إضراب الثمانية أيام على الجزائريين؟ – في الحقيقة إضراب الثمانية أيام أتعب كثيرا الجزائريين، إلا أنه لفت انتباه الأممالمتحدة، أما بالنسبة للمجاهدين فاستشهد بعضهم، ولجأ آخرون للجبال، بينما تم اعتقالي في السادس من فيفري1957. . هل بإمكانكم سرد بعضا من جرائم الاستعمار التي عانيتموها داخل السجن؟ – لقد تفنن الاستعمار في تعذيبنا بأبشع الطرق، حيث أخذونا إلى "حوش" ببئر توتة، أين عذبنا بالكهرباء وبعدة وسائل أخرى للتعذيب، من هناك اقتادونا إلى ثكنة تسمى حاليا ثكنة "علي خوجة" وقاموا باستجوابنا هناك لمدة 7 أشهر. . متى كانت أصعب مرحلة مرت عليكم وكيف بعث فيكم 11 ديسمبر 1960 الأمل؟ – إنّ أشد المعاناة التي أحبطتنا كانت يوم 13 ماي 1958، أين قالوا لنا أن الجزائريات رمينّ "الحايك" وهنّ يرددنّ شعارات مريبة، في ذلك الحين شعرنا أنّ كل ما فعلناه ذهب سدى، أما مظاهرات 11 ديسمبر1960، فبعثت فينا الأمل من جديد حيث شهد ذلك اليوم خروج الشعب الجزائري للتظاهر والمناداة بالجزائر جزائرية. كنت شاهدا على 36 إعداما وحشيا في 3 ولايات . حدّثنا عن ال 36 إعداما التي كنت شاهدا عليها؟ – شهدت تلك الإعدامات في ولايات الجزائر، وهرانوقسنطينة، ومن الشهداء الذين أعترف بشجاعتهم هم "أرزقي لوني"، "عبد الرزاق حاحات" الذي ذهب بمفرده إلى المقصلة، إضافة إلى "سعيد تواتي"، و"بوعلام رحال". والمحكوم عليهم بالإعدام عانوا الكثير خصوصا من التعذيب النفسي، ففي كل صباح يمر الحراس على أبواب زنزاناتهم و يرجّون المفاتيح كإشارة على اقتراب موعد إعدامهم. . كشف "عامر هجرسي" عن وجود مجاهدين غير موقوفين آنذاك حكمت عليهم فرنسا غيابيا بالإعدام، من هؤلاء وأين تمّ ذلك؟ – إنّ السجون التي كان يتم الحكم فيها بالإعدام هي: قسنطينة ، وهران، والجزائر العاصمة، ومن بين هؤلاء المجاهدين: بوعلام عبازة، بوعلام عطالي، عمار بلوزي، لحسن حواسين، جيلالي بوهون، رضوان بناني، وغيرهم. . كيف تتعاطون مع مطلب تجريم الاستعمار؟ – لا زلنا نطالب فرنسا بالاعتراف بجرائمها ولن نتراجع عن ذلك، وما صرح به "ماكرون" لا يكفينا، فهو لم يف بوعوده في حملته الانتخابية، واقتصر على المزيد من الوعود الفرنسية بشأن ثالوث "التأشيرة، الشراكة والذاكرة"، بمقابل "تغييب" أي نقاش جوهري بشأن مستقبل علاقات ثنائية يُفترض أنّها تقوم على أساس الربح المتبادل والندية، وكذا المسائل ذات الصلة بالجيو-الإستيراتجيا. للأسف، زيارات ساسة "الإليزيه" خدمت مصالح فرنسا فقط، وجرى اختزال زياراتهم إلى الجزائر في "التلويح بتحرير حركة التنقل ومنح التأشيرات"، دون أي فائدة للجزائر وكرّست التبعية للمحتل القديم. ولا يزال أفق معاهدة الصداقة بين الجزائروفرنسا، مكسوا بالضبابية عقب "إحباط" المشروع الذي أطلقه الرئيس الفرنسي الأسبق "جاك شيراك"، مثلما أنّ باريس كرّست منطقها دون تسجيل أي تقدم في مجال "الذاكرة"، رغم إقرار قائد الإليزيه بالطابع الظالم للنظام الاستعماري لكنه ينأى في كل مرة عن الاعتراف. . كلام كثير أثير بشأن وقوف جماعات نافذة تقف وراء إخفاء أرشيف الثورة، ماذا هناك تحديدا؟ وهل من خفايا لثورة نوفمبر؟ – أرى من الوهم الاعتقاد باقتصار الحقيقة على ما هو كائن في أرشيف مصالح الدولة، فمن المؤكد أنّ الحقيقة مغيّبة في دهاليز الأرشيف العسكري الفرنسي، والشرطة والعدالة والدبلوماسية والإليزيه ومؤسسات أخرى في فرنسا تعد مصادر هامة يمكن اضافتها إلى مصادر أخرى بما يسهم في معرفة أكبر للتاريخ المشترك. ومن الواضح أيضا أنّ الجرائم المقترفة عموما لا تنسب إلى فاعليها في مثل هذه التقارير، والكذب يمكن تضمينه كذلك في الأرشيف وينبغي إيجاد إرادة سياسية والخوض بشكل صريح في "التعذيب" الذي مورس إبان الاحتلال الفرنسي. وأعلمكم أنّ هناك أرشيفا موجودا في بئر مراد رايس، وآخر في فرنسا، والزمن كفيل بإظهار التاريخ كله. . كلمتكم لجزائريي 2017؟ – هذا الجيل هو أولادنا وأحفادنا، جاهدنا وضحينا ليعيشوا، والآن نحن نبكي لأجلهم، أملنا أن يعيش فلذات أكبادنا أفضل، وأنصحهم بالتعاون والتآزر، ونطالب الحكومة بالتكفل السريع بالشباب.