بقلم: عبد القادر حمداوي ولد الشهيد عبد الرحمن طالب يوم 3 مارس 1930م بحي القصبة المدينة العريقة المستخدمة في مبانيها كخلية النحل، ولا يخفى على زائرها أنه يخصص وقتا قصيرا ليعبر بها. فهي نقطة البداية لجولة على الأقدام في وسطها المدينة التي يفوح منها عبق التاريخ ويحيط بها أبوابا وملاحظة السور القديم على خريطة المدينة. نشأ وترعرع في أسرة فقيرة متواضعة، كان الفقر المدقع الطابع الذي فرضه الاستعمار الفرنسي ومع ذلك أدخله أبوه إلى المدرسة بحي الشعبي تولى عنايته ورعايته وبعد أن تدرج في تعليمه والتحق بالثانوية حصل على شهادة الأهلية بالتفوق، وأهلته إلى مواصلة دراسته. تعرض للتميز العنصري كغيره من الجزائريين فانتقل إلى مدرسة التعليم الخاص وأتقن اللغة الألمانية. وكانت علاقته بالطلبة وطيدة، كان يمتاز بالذكاء والفطنة، كان يعرف كيف يتقي المكائد ويتخلص من الورطات التي كان العدو يكنها له. أخذ يمارس تجارب كيماوية بسيطة، وفي عام 1951 عرض عليه أستاذه الذي كان من المعجبين به أن يساعده في الحصول على منحة لاستكمال دراسته في فرنسا لكنه رفض وفضل متابعة دراسته في الجزائر، نال شهادة الليسانس في الكيمياء، وبعد اندلاع الثورة اتصل بمسؤولي الولاية 3، وعرض عليهم خدماته الكيماوية، فوافقوا وأقام مخبرا في القصبة. لم يكن أحد يتصور أن صنع المتفجرات وقنابل المولوطوف يوفرها للمجاهدين، وخلال عام 1956 طور عبد الرحمن طالب عمله ووسعه وأنشأ ورشة لصنع القنابل بقيادة رشيد كواش في الأبيار. ونظرا لحاجة الفدائيين للمزيد من القنابل اضطر أن يتخلى عن دراسته وكرس كل وقته للمخبر، لكن هذا لم يمنعه في التعبير عن تضامنه مع الحركة الطلابية، وشارك في 19 ماي 1956 في الإضراب العام للطلبة في الثانويات والجامعة، فقد تخصص في تحضير المواد الكيماوية وكان يستعمل المواد الأخرى لصناعة القنابل، ونجح في صنع خليط مفجر جديد، كما عالج بعض القضايا السياسية. رغم تورم الأوجاع من هول التعذيب والأهوال، لقد استدرج العدو من قبل جلادين بدرجة التوحش، إن القوة المادية التي استعملت للقضاء على الثورة الجزائرية من قبل فرنسا في الحرب القذرة، فوفرت أضعافا مضعفة من طائرات ويزداد وفرة الهدد واتصال المدد وكل ما تعرفه من الأسلحة والعتاد، لكن الجزائريين يملكون قوة أخرى لا يملكها الفرنسيون، يملكون قوة الإيمان وقوة النفوس الطاهرة والعزم الثابت. المجاهدون يحاربون على حق لطرد العدو من الوطن، ففرنسا كانت تنهب الأموال، وتسلب الأرزاق، وتنشر الخوف والجوع. غادر عبد الرحمن العاصمة والتحق بالجبل، في 11 أكتوبر 1956 وقع انفجار في فيلة الورود وبسبب بعض الأخطاء المرتكبة خلال العمل استشهد رشيد كواس، وكشفت الشرطة الفرنسية الأمر، وعرفت أن القنابل تصنع بالجزائر وأصبح عبد الرحمن مستهدفا. كان نضاله وكفاحه وجهاده من أجل عزة الوطن وكانت القصبة القنطرة المتميزة بقلاعها. صعد إلى الجبل بسرية إلى الولاية الرابعة وأقام مركزا له في الجبل، عاش من أجل الثورة الجزائرية. ألقى عبد الرحمن نظره في سفح الجبل وهو يفترش البساط الأخضر خلال الأشجار المنتشرة المتراحمة مع إخوانه المجاهدين، تنطوي أعمارهم دون أن يخط التاريخ أعمالهم. كان المجاهدون يمتازون بالفضائل كالرحمة ولعدل والإحسان والصدق والوفاء، والذين يقعون في أيدي العدو فتعذيب وقهر وظلم لا رحمة لها. لقد كان الاستشهاد المبكر لعبد الرحمن طالب خسارة فادحة للمنطقة الرابعة آنذاك فكان توسيع نطاق الكفاح المسلح. وفي أواخر عام 1957 تعرفت الشرطة الفرنسية على مقره بسبب وشاية، وهجمت عليه واعتقلته يوم 5 جوان، وبعد شهر ونصف أعلنت جريدة لومند عن خبر اعتقاله يوم 15 جويلية، وسلط الجلادون عليه المزيد من التعذيب في مزرعة بيرين في بوفاريك، وسجن في برباروس ورفض الاعتراف، فحوكم وصدر الحكم عليه بالإعدام 3 مرات، وتم إعدامه يوم 24 أفريل 1958 فرحم الله الشهيد. من الرجال الذين عاشوا لوطنهم وضحوا بأرواحهم من أجل الوطن، أمثالهم كان كبيرا إذ تعلمنا منهم أمرا مهما للغاية...