قلت بالأمس أن القلوب التي تفيض بالحب والتسامح والخير تستلهم نهجها هذا من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم. إن كتب الحديث والسيرة الموثوقة المعتمدة لدى المسلمين وغيرهم تعطينا إضاءات كثيرة عن شخصية نبي الإسلام في كل مراحل حياته، وكلها تؤكد بما لا يدع مجالا للشك إنه الأسوة الحسنة والمثال الرائع الذي يجب أن يحتذي به كل إنسان عاقل في هذه الدنيا. كان محمد بن عبد الله رسول الله وخاتم النبيين كريما يعطي بسخاء، وقد روى عبد الله بن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان. وقال أنس بن مالك: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه، قال: فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة. وأضاف أنس معلقا: إن كان الرجل لا يسلم، ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها. وقال جابر بن عبد الله، وهو من مشاهير صحابة النبي: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال لا. وقد رأى العرب صنيعه بعد حنين وأعطياته الجزيلة لأبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية والحارث بن كلدة ومالك بن عوف وآخرين. كان نبي الإسلام مضرب المثل في الجود والكرم مع عامة الناس، ولكنه لم يكن يستخدم المال العام للإنفاق على نفسه والصرف على رغبات أهل بيته، حتى أنه كان يمر الشهر والشهران من دون أن توقد نار لطبخ الطعام في بيت النبي. قالت عائشة أم المؤمنين تحدث عروة ابن أختها: والله يا ابن أختي إن كنا ننظر إلى الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار. قال عروة: يا خالة، فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان، التمر والماء، إلا أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار وكانت لهم منايخ (مواشي، إبل أو غنم)، وكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقينا. كانت حياة النبي كلها كفاحا من أجل نشر عقيدة الإيمان بالله الواحد، وتبليغ رسالة الله للناس أجمعين. وكان قلبه دائما متعلقا بالآخرة، فهي الحياة الحقيقية الدائمة، والتعلق بها يعطي الحياة الدنيا وزنها الحقيقي فلا يبيع الإنسان قيم الخير والفضيلة من أجل مكسب صغير من مكاسبها الوقتية الزائلة. التواضع كان سمتا أصيلا في خلق نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم. طلبت امرأة من عامة الناس أن تحدثه في أمر يهمها دون أن يسمع كلامها بقية الناس فأجابها إلى طلبها وسمع منها قولها في مكان على الطريق العام حتى فرغت من عرض مسألتها. وللذين يتكبرون على من يخدمونهم ويظنون أنفسهم من طينة أرفع من طينة البشر قصة تحرجهم من سيرة النبي رواها أنس بن مالك. قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال لي أفا قط، ولا قال لي لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا. وأواصل الحديث عن أخلاق صاحب الخلق العظيم غدا إن شاء الله تعالى.