الله يستركم أفونسي للاريار ''اصبروا شوية نزيد بلاصة ونديماري ''، ''خويا أدنا شويا برك خليه يوقف قدامك''، ''واش مازال مانروحوش رايحين نباتوا هنا''، '' إذا ماعجبكش الحال احكم طاكسي وحدك''.. هذه ليست لقطات من فيلم الطاكسي المخفي لمخرجه بن عمر بختي، بل هو واقع يعيشه الملايين من الجزائريين يوميا خلال استقائهم وسائل النقل العمومية وخاصة حافلات نقل المسافرين. كان يوم خميس عندما خرجت من البيت متجها نحو موقف الحافلات، كانت الساعة حوالي العاشرة صباحا، ورغم أن يوم الخميس هو يوم عطلة لأغلب الجزائريين إلا أن موقف الحافلات كان تقريبا مملوء عن آخره ولاتكاد تجد موضعا لقدم.. انتظرت قليلا قبل أن أشاهد موجة بشرية تجري في اتجاه واحد، والكل يحاول الوصول أولا إلى حافلة نقل المسافرين التي لم تكد تتوقف حتى كان البعض قد التصق بالباب، في مشهد لم نكن نراه سابقا سوى في الأفلام الهندية التي كانت تبث بالأبيض والأسود... كان عليا انتظار حافلة أخرى من أجل الظفر بمكان فيها.. لم يدم وقوفي كثيرا بعد ذلك لأنه من حسن حظي توقفت الحافلة الموالية أمامي، لم أشعر حتى وجدت نفسي بداخلها ولم تمض سوى لحظات قليلة على توقفها حتى قام السائق بغلق الباب دون أن يكلف نفسه حتى عناء الاعتذار لبقية الأشخاص الذين كانوا يمنون النفس بالظفر بمقعد أو حتى الذهاب واقفين سيما وأن الكثير منهم قد من الجلوس تحت أشعة الشمس الحارقة. مواقف مخزية في الحافلات الجزائرية لم تكد عجلات الحافلة تتحرك حتى التفت السائق نحو القابض ''تقدر تزيد تشرجي ماكانش الباراج فالطريق، وزيد كاين لي يهبط في لاري الجاي'' كلمات كانت كافية لإعادة فتح الباب مرة ثانية أين أضحى بعدها عدد الواقفين أكثر من الجالسين ! ساد بعض الصمت في البداية، لأنه من عادتنا نحن الجزائريون أن لا نتحدث كثيرا خاصة مع الأشخاص الذين لم تكن لنا معرفة سابقة بهم، لكن فجأة انبعثت إحدى أغاني الراي، ليس من مذياع الحافلة، وإنما من أحد الهواتف النقالة الذي رفعته إحدى الفتيات كانت تبدو وكأنها استيقضت على عجلة من أمرها لأن ملامحها كانت توحي بأنها تعبة بوجه غير صباحي، يبدو أنها غسلته على عجلة وخرجت إلى الشارع دون أن تكلف نفسها عناء ترتيب ملابسها... ردت صاحبته والتي كان يبدو من خلال حديثها أنها لا تعير أي اهتمام لمن حولها ''واش موح وين راك، يخي مانسيتش راني فالترنسبور جاية، واحد النص ساعة نتلاقاو كي العادة'' لكن يبدو أن المتصل بها حاول الاعتذار وهو ما بدى جليا من خلال طريقة حديثها ''علاه ما عيطتليش البارح خليتني حتى خرجت من الدار وتقولي ما تجيش، ولا عينك على حاجة وحدة أخرى وزيد درتهالي ديجة من قبل''، وواصلت حديثها الذي أثار انتباه الجميع ''نقولك حاجة انتوما كامل هكذا كي توصل للصح تبداو تديروا فالسبايب كي نتلاقاو نفريها هذا الخطرة''، وما إن أنهت المكالمة حتى طالبت من السائق إنزالها في أقرب محطة وشرارة الغضب تتطاير من وجهها. لم تكد تضع رجلها الثاني خارج الحافلة حتى انطلقت التعليقات من قبل بعض الركاب ''يخي جنس يخي، لا حياء ولا حشمة علابيها كلش غلا، بكري مكناش هكذا كانت المرأة تحشم حتى باه توقف قدام الباب وضرك عادت متصجناش معاهم الهدرة'' قال أحد الشيوخ الذي راح ينعتها بأبشع الصفات وهنا عادت بي الذاكرة إلى قصة حقيقية رواها لي أحد الأصدقاء عن أحد جيرانه، والذي لم يكن سوى شيخا بلغ من العمر عتيا ويقيم بإحدى المدن الداخلية، والذي كان ذات مرة جالسا في الطريق رفقة ثلة من الأشخاص قبل أن يلمح فتاة قادمة من بعيد، ليطلق العنان لتعليقاته القاسية عنها واصفا إياها بعديمة التربية والأخلاق، وأنها لم تجد من ''يحكم فيها''.. والفتاة تقترب رويدا رويدا نحوه، وفجأة توقف عن الكلام والشتم.. لأنها لم تكن سوى ابنته التي لم يتعرف عنها من بعيد، فما كان منه سوى طأطأة رأسه والانصراف قبل أن يحزم بعد ذلك أمتعته ويغادر دون رجعة... أسرار العائلات تذاع داخل الحافلات بعد مدة من الزمن وصلنا إلى محطة بومعطي، وهي المحطة التي ارتبط اسمها سابقا بعصابات قطاع الطرق التي عاثت فيها فسادا أين وصلت عملياتهم الاستعراضية في بعض الأحيان إلى توقيف حافلات بكاملها وتهديد ركابها بالأسلحة البيضاء وسلبهم هواتفهم النقالة والأموال، وهي المشاهد التي زالت في المدة الأخيرة. وقفت بانتظار الحافلة المتوجه إلى ساحة الشهداء، والمفارقة الغريبة التي وقفت عليها أنه رغم وجود الكثير من المسافرين في المحطة إلا أن ذلك لم يحرك السائقين ساكنا الذين ربما يتمتعون بمشاهدة زبائنهم وهم يتدافعون من أجل الظفر بمقعد في الحافلة. وبعد مدة من الانتظار ''تكرم'' علينا أحدهم والذي ما إن ركن حافلته حتى نزل منها تاركا الركاب يتصارعون ويتسابقون من أجل الظفر بمكان.. جلست في منتصف الحافلة إن صحت عليها هذه التسمية، بالنظر لكمية الغبار التي كانت تتصاعد منها مباشرة بعد انطلاقها والتي تمنح لك الانطباع أنك داخل ورشة بناء تتحرك، وهو ما يؤكد أن راحة المسافر هي آخر ما يفكر فيه بعض أصحاب وسائل النقل عندنا، والذين لا هم لهم سوى ما يقبضونه عن كل راكب وفقط. كانت أمامي امرأة تبدو في الثلاثينيات من عمرها بوجه مرسوم عليه قهر السنين وغدر الزمان، كانت تجلس رفقة زميلة لها تبدو هي الأخرى في مثل سنها ويبدو أنهما لم يلتقيا منذ مدة، بدليل أن صوتها اخترق بعض السكون الذي كان يخيم على الركاب ''تبدلتي بزاف راكي تباني عيانة تع الصح وقيل مزالك مع المشاكل فالدار''، وأضافت ''كايفاش راكي دايرة مع عجوزتك مازالت تمرض فيك كيما بكري''، لم تكد إحداهما تكمل سؤالها حتى انطلقت الأخرى في شتم حماتها ووصفتها بأقبح الصفات، والأكثر من هذا لم تترد في ذكرها بالاسم وذكرت حتى اسم زوجها، ''خليني منها كل يوم، مرضتني تقول ما نعرف واش درتلها كل ما يدخل وليدها للدار حتى تبدا تعمر فيه وهو حاط راسوا وساكت''، وأضافت ''كي ينوض من عندها يولي يشوف فيّ تقول شيطان قدامو أنا كرهت هذ لمعيشا الله غالب جاوني الذراري فالطريق برك كان راني وليت بكري لدارنا''، وأضافت بنوع من المرارة كمن يخبئ بداخله الكثير من هموم الدنيا، ''كل يوم نفس لحكاية تتعاود، كرهت هذ لمعيشة واش بقالي نطمع في هاذ الدنيا''، كانت مرافقتها تستمع إليها باهتمام شديد حيث كانت تحرك رأسها في كل مرة كإشارة منها على موافقتها في كل كلمة تقولها.. الله يستركم تقدموا إلى الخلف..! توقفت الحافلة بمحطة ''لاڤلاسيار''، أين صعد بعض الركاب والقابض مازال يترجى الركاب الواقفين ''الله يستركم افونسيو للاريار'' أي تقدموا إلى الخلف، مصطلح تسمعه بمجرد صعودك حافلة في الجزائر، وهو يعكس واقع الكثير من القطاعات في الجزائر التي قطعت خطوات عملاقة في التقدم ولكن للأسف إلى الخلف... لم يكد القابض ينهي كلامه حتى انتفض أحد الأشخاص من الخلف ''واش راك تشوف فينا سردين السخانة هذي وراك غير تشارجي لصقتنا في بعضانا كامل''، وما إن انخفض صوته حتى تعالى صوت آخر ''واش نباتوا هنا كل دقيقة تحبس ساعة رانا مشغولين ديماري يرحم باباك''، وفيما كان البعض ''يغلي'' بسبب تماطل السائق في الإقلاع مجددا كان البعض الآخر منشغلا بأمور أخرى، من بينهم شابان كانا يبدو من خلال حديثهما أنهما يعشقان كرة القدم حتى النخاع. وفي الوقت الذي كان يطغى فيه الحديث عن الأندية في السنوات الماضية بسبب غياب الفريق الوطني عن المنافسات الدولية والقارية لمدة من الزمن جاءت النتائج الجيدة للخضر في التصفيات الافريقية المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2010 لتعيد الفريق الوطني إلى الواجهة بدليل أن الجزائر عاشت أجواء خاصة في ولاياتها ال48 بعد فوز المنتخب الوطني أمام مصر وزامبيا على التوالي أين عاد الأمل لعشاق الرياضة الأكثر شعبية في بلدنا لرؤية المنتخب في نهائيات كأس العالم التي غاب عنها منذ مونديال المكسيك سنة 1986.في البداية انطلق الحديث بين صديقين حول نجوم المنتخب الوطني، أين انصب الكلام بينهما حول الوجهة المرتقبة لبعض اللاعبين وفي مقدمتهم كريم زياني بعد إعلان ناديه مارسيليا أنه لا يدخل ضمن استراتيجة المدرب الجديد ''ديشان''، أين أبدى ''محمد'' تذمره من هذا القرار الذي لم يكن منتظرا على الاطلاق بالنظر للمستوى الذي قدمه القلب النابض للخضر الموسم الماضي مع مارسيليا: ''ماتفهم والو زياني العام لي فات جبد حتى كره مع مارسيليا ومبعد يلقى روحو خارج لحساب'' قال محمد وعلامات التعجب والحيرة بادية على وجهه، قبل أن يجيبه صديقه ''ما تحيرش نورمال استنى كلش من عندهم''، وأضاف بنوع من التفاؤل ''بلاك كي يروح من فرانسا خير على خاطر لي خرجوا من ثمة كامل نجحوا ما شفتش بوڤرة العام لي فات واش دار من ڤلاسڤو راهو كي لمعلم ثم وكان بقى في فرانسا بلاك راه يترامى في كاش فريق تاع القسم الثاني''، وهو ما شاطره فيه أحد الاشخاص الذي كان واقفا إلى جانبهما الذي دخل في الحديث في الموضوع دون أن يستاذنهما ''الشامبيونا تاع فرانسا مكاين والو وزيد زياني راهو رايح لبطل المانيا وهذا أكبر دليل على أنه يملك مستوى اكبر من مارسيليا''، ليتشعب بعد ذلك الحديث تقريبا بين أغلب الركاب الذين انصب حديثهم بعد ذلك تقريبا على المنتخب الوطني، ويبقى أطرف تعليق هو ذلك الذي أطلقه أحدهم والذي يبدو من خلال كلامه من المتعصبين جدا للخضر ''نقولكم حاجة يروحو يلعبوا في فرانسا ولا في لالمان ولا حتى فالهند المهم يكاليفو لكاس العالم وخلاص كرهنا كل خطرة نشجعوا في منتخب رانا قريب نوليو أنصار متعددي الجنسيات''. لم نكد نصل إلى ساحة الشهداء حتى نسيت تقريبا الموضوع الذي تنقلت من أجله إلى هناك.. صورة تعكس الواقع المر الذي تعاني منه شريحة واسعة من الجزائريين يوميا في وسائل النقل الجماعية والتي يفرض فيها أصحابها منطقهم في الكثير من الأحيان