كل واحد منّا يفكر قبل الزواج في نصفه الآخر، يطرح العديد من الأسئلة مثل : من هو؟ كيف سيكون؟ وكيف ستكون حياتي معه؟ هل ستنجح العلاقة؟ هل سنرزق بأولاد؟ إناث أم ذكور؟ ومنّا من يضع الشروط، ولو كان من حقه ذلك، مثل الجمال والمال والنسب والدين، وأعقلنا يقول سأضفر بذات الدين. ...بين كل هؤلاء هناك رجال ونساء، لا يختارون على أساس المال ولا النسب ولا الجمال، فكل هذا لا يهمهم، وإنما يختارون النصف الآخر على أساس أنه محتاج إليهم، فيقفون معه وقفة رجل أو امرأة، ويقررون عدم تركه والوقوف إلى جانبه ومساعدته، ولو كلفهم ذلك حياتهم بما فيها، إنه نوع غريب من البشر لا يشبهوننا، وكل همهم في هذه الدنيا هو مساعدة الآخر وفعل الخير، يبحثون عما نفر نحن منه، ويتمنون ما نتفاداه، لا يهمهم لا كلام الناس ولا متاع الدنيا، ولا حتى وعد الشيطان الذي يعدهم الفقر والخوف، لست أدري إن كانوا هم الغرباء أم نحن ؟! يسكن في منطقة تعرف عندنا بالدوار، وكلنا نعرف هذا النوع من الأماكن الموجودة في البوادي، تتميز بقسوة العيش، نقص الإمكانات، الفقر، نقص التعليم، ومنهم من ليس لديه حتى وثيقة التعريف، ويعرفون بفلان ابن فلان ابن فلان وكل واحد منهم يعرف الآخر، يؤمنون بالله ويحفظون القرآن ويعيشون نمط حياة أصيل لم تغيره الأيام ولا الظروف، من بينهم شاب يبلغ من العمر 25 سنة، يعمل في الفلاحة رفقة أبيه، بقي وفّيا لهذه الحرفة التي ورثها عن أجداده، ولم يشأ أن يفارقها، لأنها تمثل بالنسبة إليه أكثر من عمل، وإنما عادة أو عبادة لأن من لا يعمل لا مكان له بينهم، ومن لا يستيقظ باكرا يذهبون عند المساء لعيادته، كونه مريض دون أدنى شك، بقي عبد الرحمان على عهده يعيش في سعادة تامة ملؤها العمل والعبادة والرحم والهواء النقي والمواد الطبيعية، بعيدا عن صخب المدينة وازدحامها ومشاكلها، لكن يبدو أن المدينة احتاجت إليه فاستدعته بطريقة جد غريبة نكتشفها في رسالته... ''أحببت إحدى بنات الدوار، لم أكلمها يوما ولم أقترب حتى منها، كوننا نحن الرجال ممنوعون عن التجول في الجهة التي تستسقي فيها النساء، مما يعرف عندنا بالبركة أو العنصر كما يسميها البعض، كنت أراها تمر من حين لآخر تحمل الماء أو الغسيل رفقة بنات المنطقة، أصبحت تمثل بالنسبة لي دافعا قويا لكي أعمل، أو بالأحرى صرت أخلد إلى النوم باكرا لكي أستيقظ باكرا وأراها، مع مرور الأيام لاحظت أنها لم تعد تظهر كالمعتاد، قلقت بشأنها وبقيت أنتظر ظهورها يوما بعد يوم لكن ولا خبر ...تعبت من كثرة الانتظار حتى مرضت والتزمت الفراش لمدة أيام، كان بقائي في البيت فرصة لأكلم الوالدة بشأنها وسألتها عنها، لكن أمي سرعان ما كلمت الوالد رحمه الله، فقرروا أن يتقدموا لخطبتها من أهلها، بقيت أنتظر في البيت ما إن قالت نعم أو لا، عند المساء رجعت النسوة من بيتها وأخبروني بأنها مريضة في حالة خطيرة، وبأن أباها ينتقل بها في المدينة من مستشفى إلى آخر، وكان مرضها خبيث أصابها على مستوى الدماغ، مما تسبب لها في شلل عضوي، بالرغم من ذلك وافقت دون أن أفكر وأقمنا الخطوبة وقرأنا الفاتحة، وعرضت على أبيها المساعدة في علاجها، أصبحت أتنقل من حين لآخر إلى العاصمة ومناطق أخرى من أجلها، تارة لوحدي وتارة أخرى رفقة أبيها وأمها عندما تكون هي معنا، لكن للأسف اكتشفنا أن مرضها أخطر مما كنا نظن، ويستدعي علاجا في الخارج، لم يكن لدي المال الكافي لكي أعالجها فقررت استعمال ما لدي من مال، من أجل الذهاب إلى الخارج والعمل هناك والبحث عن طريقة لعلاجها في أقرب وقت، سنحت لي الفرصة لم تكن شرعية، لكن كنت مرغما على ذلك، ذهبت إلى إسبانيا ونجحت في الوصول سالما بعد المرور على حافة الموت، بقيت أعمل هناك لمدة أكثر من ثلاثة أشهر، جمعت من خلالها بعض المال ثم تحولت إلى فرنسا، بقيت أعمل هناك وأجمع المال وأرسله إلى أهلها، وفي نفس الوقت أبحث عن مستشفى يستقبلها بما لدي من مال، ومن فرنسا انتقلت إلى بلجيكا وعملت هناك لمدة أكثر من سنة ونصف، بقيت خلالها أعمل وأرسل المال إلى أهلها حتى يوم وصلني خبر بأن حالتها ازدادت سوء، وبأنها تطلب مني الرجوع إلى أرض الوطن، لم أجد من حل أمامي سوى تسليم نفسي للشرطة فسجنوني لبضعة أيام ثم حولوني إلى أرض الوطن، عند وصولي إلى الجزائر أخبرت الشرطة بما يجري وبأني أنا من سلمت نفسي للشرطة البلجيكية، وبأن زوجتي مريضة فأطلقوا صراحي ، توجهت مباشرة نحو طريق العودة إلى الدوار، وعندما وصلت وجدت الناس جالسون عند باب منزلهم، تعرفت على البعض والبعض الآخر لم أتعرف عليه، لكن هم لم يتعرفوا علي جميعا بعد سنتين ونصف من الغياب، وما لفت انتباهي هو وجود بعض الكراسي أمام الباب، اقتربت منهم فتعرفوا علي وسألتهم عن سر ذلك التجمع، فأول كلمة سمعتها كانت ''عظم الله أجركم''، جلست على ركبتي ثم سجدت على الأرض وبكيت كما لم أبك يوما، بعدها أردت الدخول من أجل التأكد فرأيتها، وكأنها لم ترد الموت وانتظرتني، لكن يبدو أني تأخرت عنها، خرجت واتجهت نحو منطقة خالية، وبقيت هناك وصليت عليها الجنازة في الصف الأخير، وكذلك مشيت خلف جنازتها وبعدها انطلقت دون رجعة للوراء... الرد : هذه رسالة وصلتنا عن طريق البريد، لست أعرف النهاية مثلي مثلكم، لكن أنا واثق من أن هذا الرجل ليس هو الغريب، وإنما نحن الغرباء، وواثق كذلك من صحة قراراته، ولو أنه ترك القصة معلقة، ولم يخبرنا بالنهاية ولا ماذا قرر أن يفعل بعد ذلك، لكن ثقتي كبيرة في رجولته، وبأنه سيواصل مسيرة حياته لأن الدنيا التي نعيش فيها بحاجة لأمثاله، في عالم يفر أهله من المرض والفقر، ولم يبق فيهم مكان للأحاسيس وطغت عليهم المادة وحب النفس والنفيس، ولك القصيدة يا أشهم عريس. قصيدة الغريب سافرت فالغربة طوّال وغلبني وحش أهلي وناسي قصدت أو قلت نجيب المال نداوي بيه حبيبتي مالمرض القاسي قعدت عوام مغموم في واحد الحال من بلاد لبلاد نخبّي في راسي نخدم ليالي ونهارات طوال باش نحط هذاك الدورو في كاسي نخدم او مابين عينيا غير خيال حبيبتي وكي نرقد تطلعلي فنعاسي وكي نروح نسقسي يقولولي مزال العملية غالية شوف واش تواسي حتى واحد النهار التعب مني نال قلت لازم نهبط ندير معاها عرسي قصدت مول الشّي وقلتلو شحال ولتم رفدت حوايجي وحطيت فاسي فالحقيقة غلبني وحش الغزال الّي كيفي أكيد راه علّيا يقاسي نولّي لحبيبي عليه نسال لا يحسب نسيتو ومنو قطعت ياسي جابلي خبرو هاتف جوال بلي بنت الدوار راي عليا تسقسي قالولي اهبط فاقرب الآجال صابتها علّة يا خويا وما تحصي كيف راح ندير وحلها يا حلاّل ياربي دبّر عليا كيف نواسي غير فكرة وحدة الي جاتني فالبال اني نسلم روحي لواحد بوليسي هبطوني في مركب فبلادي جوال قاصد بيت لحباب وماني ناسي قطعت الويدان لغيّب والجبال رايح ليها وهي قريبة ساكنة راسي لحقت للدّار لقيت رجال قاعدين عند الباب مستّفين كراسي لتّم قلبي كلمّني وزاد عليه الحال كلّي واحد الحاجة ضربتني في راسي قريت السلام على هاذوك الرّجال زربت وسكتت وما بغيتش نسقسي نطق كبيرهم ليا وقال أتفضل يا شاب واش راك تواسي قلتلو يا شيخ انايا مالأهل وداخل هاذ الدار عندي ناسي راني خاطب منا بالحلال نشالله برك يكذبني إحساسي راني خايف حتى نطرح السؤال قاللي ياولدي ماكاله تسقسي هي الموت هكذا قضاء وآجال وما يكره الموت من غير العاصي وحتى لبكا فيها ولدي اصلو جهل والموت ماتنساكش لاانت راك ناسي الله يعطيك الصبر على كل حال كبر قلبك والا تكونشي قاسي سالت دمعة من عيني ،بكيت شحال مكتوبي يا الدنيا على قلبي تعفسي ماكان عندي فيك من غيرهذ الغزال ادّيتيه وكأنك بالناّس ما تحسّي مشيت ما تلّفت يمين لا شمال ناس يشوفو فيا ما قدرت نرفد راسي ما ندور ما نحوّس و يريبو لجبال ماتت ومبقاتلي يا ادنيا اخلاصي عمري لا حسبت وشكون الي قال تموت اجمل وردة حطيتها فكاسي وردة شابة تحت التراب تذبال وتخليني فالدنيا غيروحدي نقاسي تأليف فيصل كرشوش كل الحقوق محفوظة