عد مرور ثلاثة أيام على اختطاف المقاول، المدعو "بلويس" محمد، المعروف باسم "موح أوباباس"، البالغ من العمر 58 سنة، تنقلت "النهار" إلى مسكنه العائلي الوجود على بعد 20 كلم جنوب مدينة تيزي وزو. عند وصولنا لمنزل الضحية، كانت الأمور غير عادية من خلال جموع الرجال، الشباب والشيوخ، ولم نكن نتوقع أن نحظى بالاستقبال الحار وسط ذلك الواقع المر. كان البيت ذو الثلاثة طوابق مكتظا بالأقارب، الجيران وبالأخص النسوة اللائي حضرن لمواساة العائلة في الفاجعة التي ألمت بها دون سابق إنذار، حيث كان الحزن، الأسى والحيرة والدموع وسيدة الموقف. المقاول متزوج وأب لخمس بنات وستة ذكور، معروف وسط محيطه بحسن سيرته وأخلاقه. في البداية اقتربنا من الابن مقران 18 ربيعا، الشاهد الوحيد الذي كان رفقة والده لحظة الاختطاف المشؤوم مقران سرد علينا رغم مظاهر الصدمة البادية على وجهه وعيونه الزرقاوين مغرورقتين بالدموع لحظة انتزاعه من أحضان والده بدون رحمة ولا شفقة، مازالت جاثمة على مخيلته تفاصيل الحادثة تعود إلى عشية الأحد المنصرم تحديدا على الساعة الرابعة وعشر دقائق، وبالطريق الولائي رقم 147، على مستوى منعرج "بشير قاسي واعلي"، حيث كان المقاول عائدا من مدينة تيزي وزو متجها إلى منزله على متن سيارته الخاصة من نوع رونو بارتنر، رمادية اللون، وأثناء سيره استوقفه حاجز مزيف بدون ممهلات ولا متاريس، تقوم بمراقبته عشرة عناصر، ثلاثة منهم من الجهة اليمنى وأربعة على اليسار، أما البقية فتوزعوا على حافة الطريق. كان البعض يرتدي صدريات تابعة للأمن الوطني، وسراويل الجينز وأحذية رياضية، والبعض الآخر كان يرتدي الزي العسكري كاملا، مدعمين بأسلحة من نوع كلاشينكوف، وهم شباب في الثلاثينات. وعن شكلهم يقول مقران أنهم طويلو القامة، نحفاء الجسم، ذوو بشرة سمراء ويتحدثون باللغة العربية، كانت حركة المرور جد عادية، بحيث لم يستوقفوا إلا سيارة الضحية وهنا يتوقف محدثنا للحظات ثم يواصل: تقدم أحدهم، كان يرتدي الزي العسكري، ويحمل شوارب، طالبا منه وثائق السيارة ثم رخصة السياقة، وبكل هدوء سلمها لهم المقاول ظانا منه أنه حاجز أمني، بعدها طلبوا منه النزول لفتح الأبواب الخلفية قبل أن يدفعوه بقوة إلى الداخل.. تنهد مقران أمام حدة الوقائع وعنفها.. وقاموا بسؤالي إن كنت ابنه، لكني أمام هول الصدمة أنكرت ذلك، ليطلبوا مني الانصراف، لتنطلق السيارة بسرعة فائقة وعلى متنها أربعة عناصر، كان يقودها صاحب الزي العسكري، والضحية يتوسطهم، بحيث لم تصدر منه أي مقاومة، أما الباقون فقاموا بالفرار سيرا على الأقدام باتجاه غابة أمجومن المجاورة. مقران الذي لم يكن يدري بما جرى من حوله، قام باستوقاف شاحنة متجها إلى البيت ليخبرهم بالنبأ الصاعقة. الضحية اتصل مرة لتنقطع أخباره ووالدته لا تعلم بعد باختطافه المأساة لم تتوقف عند هذا الحد بل تصاعدت حدتها، فعلى السادسة تماما اتصل الضحية بواسطة هاتفه النقال بشقيقه الأكبر "حمد" ليخبرهم أنه بخير، وأنه بالعاصمة في إطار العمل، كما اطمأن إن كان مقران قد وصل سالما إلى المنزل، كما طلب منهم الذهاب لاسترجاع السيارة. وحسب شقيقه "حمد"، فإن المكالمة دامت حوالي ثلاثين ثانية، وصوته كان عاديا، لينتقل فيما بعد ابن شقيقه لاسترجاع السيارة التي كانت راكنة في ذات المكان، لكن بالاتجاه المعاكس المؤدي لمدينة تيزي وزو، وفي حدود السادسة والنصف مساء أكدت لنا العائلة أنه وفي الوقت الراهن لم يعلن عن أي طلب للفدية.