مسؤولون رضوا بالمبيت في العراء وحجاج سخطوا وطالبوا بفنادق في منى جزائريون يفسدون حجهم... جهلا وآخرون تكاسلا كشفت آخر الإحصائيات، أن الحجاج الجزائريين يعدّون من أكثر الحجاج جهلا مقارنة بباقي حجاج الدول الإسلامية، وقد وصلت الأمور في بعض الأحيان إلى ذهاب حجاجنا وعودتهم من دون أداء الركن الخامس على أكمل وجه، حيث يرفثون ويهملون بعض الفرائض بدون قصد منهم بسبب الجهل والتعمد في مرات أخرى.. كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن موسم الحج وطرق الإستعداد له، وعن الإمكانات البشرية والمادية التي سخرها ديوان الحج للسهر على راحة الحجاج في البقاع المقدسة، لتكون النتيجة في النهاية وككل المواسم الفارطة، شكاوى وحديث عن الإهمال، وكأن البعض يريدها أن تكون رحلة سياحية يطالب فيها بالرفاهية بدل الحرص على آداء مناسك الحج والعودة منه كما ولدته أمه، لأن الحج في أساسه مشقة. يستعد المسلمون اليوم لاستقبال الركن الخامس من أركان الإسلام الذي فرضه الله عز وجل على كل من كانت له طاقة بذلك، سواء من الجانب المادي أو الصحي، حيث قال صلى الله عليه وسلم في حديثه عن أركان الإسلام: ''.. وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا''، فربط التكليف بالإستطاعة بخلاف باقي الأركان الأخرى التي يقوم عليها ديننا الحنيف.وللحج فضل كبير في حال استوفى الحاج كل أركانه وواجباته واستوفى شروطه التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة، بأن يجتنب الرجل الرفث وهو الوقوع على زوجته، وكذا عدم الفسوق الذي قال العلماء إنه الوقوع في المعصية بشتى أنواعها كالسباب، وكذا الإبتعاد عن الجدال والخصام الذي ينتج عن اللغو والحديث بالكلام الذي لا فائدة منه، كما قال بعضهم إنه تَعَمُدْ إغضاب المؤمنين ولو بهدف المزاح. حجاج يفسدون حجهم... جهلا وآخرون تكاسلا ومن أجل تسليط الضوء على هذه الأمور وكذا التطرق لبعض التصرفات التي يقع فيها حجاجنا والتي من شأنها أن تفسد الحج، ارتأينا التقرب من بعض الحجاج وكذا القائمين على خدمتهم، من الذين كانوا ضمن البعثات المرافقة للحجاج خلال السنوات الفارطة، هؤلاء رصدوا تصرفات غريبة صدرت عن حجاج جزائريين بالبقاع المقدسة، وكذا التطرق لحالة بعض الحجاج في حياتهم اليومية بعد عودتهم من الحج.وأكد أعضاء من البعثة الجزائرية ل''النهار''، أنه تم رصد عدة حالات غريبة وسط الحجاج الجزائريين، خاصة في مجال تأدية المناسك والأركان الخاصة بفريضة الحج، حيث يهمل الكثير من حجاجنا بعض الفرائض والواجبات التي تؤدي إلى بطلان الحج أو يترتب عنها كفارة، يتجاوزها هؤلاء سواء لجهلهم بما يترتب عنهم فعله أو تكاسلا منهم وخمولا.ويقول في هذا الصدد أحد أعضاء البعثة، إنه ''وفي اليوم الذي يتوجب على الحجاج المبيت في منى، رأيت في الصباح الباكر حاجا جزائريا بالفندق لم يقم بواجب المبيت بمنى، فسألته عن سبب تأخره عن هذا الواجب، فقال إنه حَضَّر للأمر مع أحد أصدقائه من أجل أن يقضي الليلة مكانه كما أنه سلمه المال من أجل أن يذبح مكانه أيضا''، ''راني متفاهم مع صاحبي يبات في بلاصتي ومديتلو الدراهم ثاني باش يذبح في بلاصتي... راني عيان وما نقدرش نبات ثما..''، محدثنا بدا مستغربا جدا مما ذكر الحاج على مسمعه، وقال إنه ما كان ينتظر أن يكون بعض من حجاجنا بهذا الجهل وأنه كان حريا بعائلات حجاجنا ومسؤولينا تخصيص على الأقل حلقات لتنوير الحجاج وإعلامهم بسبل الحج الصحيحة...رواية أخرى ليست أقل سوءا من الأولى، ربما يقول البعض إننا نكشف أخطاء راغبين في تبييض صفحات حياتهم، ولكن نحن نقول إنها رسالة للإعتبار لأن الحج ركن مقدس وعلينا على الأقل معرفة الطرق الصحيحة لأداء مناسكه للحصول على الثواب. يغادر الحرم وقت الآذان... ليشتري هدايا لفلان وعلان! يقول بعض من محدثينا الذين رفضوا الإفصاح عن هويتهم تجنبا للفتنة، أن حاجا جزائريا كان خارجا من الحرم في الوقت الذي كان يُؤَذَّن فيه لصلاة العشاء، قال: فقلت له إلى أين فقال: أريد المحل لشراء الهدية الفلانية، يقول فقلت له: صلي ثم اذهب، فقال: أخاف أن يقفل وكأن أولويات هذا الحاج في البقاع هي الهدايا، وليس الحرص على أن يقبل حجه والعودة من الحرم بالحج المبرور الذي بشر النبي صاحبه بمغفرة ما تقدم من ذنبه.. هذا الحاج هو الآخر في ذهنه قائمة بأسماء العائلة والجيران ومطالبهم من الشرق إلى الغرب إلى الجنوب فلكل منهم ''لازم فال''، بالرغم من أن دعوة على قبر النبي عليه أزكى الصلاة والسلام خير من مال الدنيا وما فيها.. الغريب في أمر حجاجنا الميامين تقبل الله منهم أنهم يذهبون محملين بالأموال والقوائم من أجل التبضع، وكثيرا ما يتعرضون إلى السرقة فيصابون بالصدمة، كونهم لا يعرفون المنطقة فيضطر المحسنون إلى جمع المال لهم ويصبحون في مشقة هم في غنى عنها، في وقت تقوم بعثة الحج بالتكفل بهم إلى حين العودة إلى أرض الوطن.. ضايقوه في رمي الجمرات... فرجمهم ب''الحجرات'' وفي صورة غريبة يضيف أحد العائدين من البقاع، سرد قصة حاج جزائري تضايق من شدة الزحام الذي تشهده عادة ساحة رمي الجمرات وهذا طبيعي لكثرة الحجاج الوافدين فبدل أن يجتهد في رمي تلك الجمرات، راح يصب جام غضبه على من حوله من الحجاج، وأخذ في رجمهم بالحجر. بعضهم جعل الحج رحلة... لا يجوع فيها ولا يعرى عقلية ''الزيط والتفرعين''، لم تخل من يوميات زوار بيت الله الحرام، يقول آخر، بالرغم من أن الفنادق محجوزة والأماكن محددة، غير أن من حجاجنا من يطالب بفنادق 5 نجوم للإيواء، حيث يتم الحرص على التجهيزات أكثر من الحرص على مدى قربهم من الحرم، باعتباره المقصد الأول من فريضة الحج، ذلك أن هذا الأمر سيعين الحاج على تأدية مناسكه على أكمل وجه، ومن دون الحاجة إلى استقلال حافلات وغيرها، فيدخلون في ملاسنات مع المسؤولين لأسباب وهمية قد تفسد عليه حجه.ظاهرة أخرى، أصبحت تنغص أيام حجاجنا بالبقاع المقدسة، هي ظاهرة ''السلفيين المتطرفين''، وهم من بين الحجاج الذين يحترفون التحريض على العصيان وخلق البلبلة في أوساط الحجيج، خاصة منهم أولئك الذين سبق لهم أداء المناسك من قبل سواء في الحج أو في العمرة، من خلال حمل البقية على عدم النزول في فندق ما أو غيره بحجة أنه غير لائق، وغير مريح وكأن هذا الحاج جاء في رحلة سياحية يبتغي من ورائها الرفاهية.وأكد من جهة أخرى، إمام خطيب بأحد مساجد ولاية ميلة، أنه كان بالبقاع المقدسة بغية أداء مناسك العمرة، وشاء القدر يقول، أن أقام في شقة مطلة على الحرم المكي رفقة شاب جزائري ذهب هو الآخر ليعتمر، فيروي الإمام أن ذلك الشاب لم يكن يصلي صلاة الجماعة في الحرم إلا نادرا، لا لشيء سوى أنه كان يفتح التلفاز على المسلسلات والأغاني بينما يرفع الآذان، وحين أحمله على النزول يقول سأصلي في الغرفة أنا متعب. ومنهم من يريد الحج.. ويدرك أن فيه مشقة وتطرق محدثو ''النهار''، إلى حالات أخرى مشرفة لبعض الحجاج الجزائريين، توحي بمدى وعيهم وإدراكهم لقيمة الحج، سواء في طريقة المعاملة أو المثابرة والإجتهاد في الطاعات والمسابقة بالخيرات. ومن ذلك، ما حدث مع بعضهم ممن يهمهم قرب الفنادق من أماكن العبادة والمناسك، بدل البحث عن الرفاهية ووسائلها، حيث أشار محدثنا إلى أنه حدث في أحد مواسم الحج أنه حاول بعض الشباب التحريض على أعضاء البعثة، عندما راح يحثهم على عدم الإنصياع لأوامرهم والنزول عند الفندق الذي اختاروه، فما كان من بعضهم إلا أن نزلوا وتبينوا الفندق، عادوا إلى البقية وحملوهم على النزول بدل إشعال الفتنة، ذلك أن الفندق ليس كما يصفه ذلك الشاب. ومن الوقائع التي تثبت وعي بعض الحجاج الجزائريين على خلاف البعض الآخر، ما يحدث في ''منى''، حيث يضطر بعضهم إلى المبيت خارج الخيام ويدركون أن الأمر خارج عن سيطرة أعضاء البعثة، باعتبار توافد أزيد من ثلاثة ملايين حاج إلى منى، في حين تتسع هي لما لا يزيد عن مليون حاج، فيحدث ازدحام ومشقة تتطلب تحملها لأنها من واجبات الحج.وأشار ذات المتحدث، إلى أن كثيرين هم الذين تضطرهم مشقة الحج إلى المبيت على ''الكرتون'' خاصة في منى، ولم يقتصر ذلك على حجاج البعثة فقط وإنما شمل بعض المسؤولين وشخصيات سياسية على غرار مراد مدلسي وزير الخارجية يقول محدثنا، وهو الذي قضى ليلته في العراء تحت إحدى الجسور بمنى، في الوقت الذي كان بإمكانه أن يكون بإقامة خاصة تتكفل بها السلطات السعودية.. الوزير اقترب منه أحد المسؤولين ووجهه كغيره من الحجيج إلى الغرف، فرد مدلسي: ''جئت لأحج لا للسياحة واتركوا مكاني لمن لا مكان له..''، وبالفعل فقد قضى الوزير ليلته تحت القنطرة على ''الكرتون'' إلى أن أشرقت شمس اليوم الموالي..ويروي مقربون من الممثل الشخصي للرئيس، عبد العزيز بلخادم، الذي أصبح يحج ويعتمر دوريا، أن هذا الأخير لا يسير في الرواق المخصص للمسؤولين والشخصيات ويأبى إلا أن يؤدي المناسك رفقة الحجاج البسطاء تجنبا للرياء، بلخادم ليس الوحيد في الطاقم الحكومي بل وزير الشؤون الدينية أيضا. ..كيف يعيش بعض حجاجنا بعد عودتهم من البقاع المقدسة سئل أحد العلماء، كيف يعرف الحاج إن كان حجه مقبولا ''مبرورا'' أم لا؟ فأجاب: يدرك ذلك بالرجوع إلى حياته اليومية بعد الحج، فإن تغير إلى الأحسن، بالزيادة في الطاعات والتورع عن ارتكاب المعاصي والإبتعاد عن الشبهات فقد قبل حجه وسجل مع الأبرار، وإن بقي على حاله لا يتورع عن ظلم الناس والغيبة وما شابه ذلك فليعلم أنه لم يحج.ويتجسد ذلك لدى الكثير من حجاجنا الميامين، فمنهم من يفيض على محيطه من بركات الحج ويعلم الناس أنه قد عاد كيوم ولدته أمه فعلا، فلا تراه إلا آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، يعرف الناس قدره في مجالسهم لما أعطاه الله من وقار وهيبة الرجل المؤمن، فلا يجرؤ أحد أن يغتاب في حضرته أو يتخاصم اثنان وغيرها من البركات التي منحها الله له بحجه هذا.