الإسلام دين السماحة لم يدع جانب الرعاية للمسنين دون أن يتعرض له، بل لقد أولاهم جل اهتمامه فقال (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما، فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) الإسراء. وهي دعوة تحرص أشد الحرص على توفير العناية والرعاية لكبار السن وتحضنا على أن نتجنب الألفاظ التي تسبب لهم آلاما نفسية وأن نحاول إدخال السرور على نفوسهم، وأن نحسن معاملتهم ونكثر من الدعاء لهم، لأن الاسلام يدرك أنهم في هذه المرحلة يحتاجون إلى القول اللين والوجوه الباسمة، لما لذلك من أثر طيب على نفوسهم فيشعرون بالرضا والسعادة، بل لقد جعل الاسلام هذه الرعاية مقرونة بعبادة الله عز وجل، ولاسيما أن المنهج الاسلامي يحتوي في ثناياه على مبادئ الذوق الرفيع ويصون الحقوق ويدعو للرحمة والألفة والمحبة والتضامن والتكافل، فلم يدع كتاب الله أمرا يهم المؤمنين ويحقق لهم النفع إلا وبينه مصداقا لقوله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) النحل. ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا والرسول صلى الله عليه وسلم حريص على ما يحقق الأمن والسعادة لأمته، فجاء في القرآن الكريم قوله تعالى (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) النور. وهو ما يوضح بجلاء إلى أي مدى يحرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تحقيق التوافق والبر والرحمة بين أفراد أمته ليعلو ويرتفع شأنها، ولقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن نحسن معاملة المسنين وأن نوقرهم، فجاء في الحديث الشريف عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا) رواه ابو داود والترمذي. وهي بلا شك دعوة تتجلى فيها روح الأدب والوقار ونبل الخلق وتنظيم العلاقة بين الكبير والصغير. وفي حديث آخر عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه) رواه الترمذي. لأن الاسلام يحفظ الحقوق ويقدر دور المسنين والآباء في عطائهم، فأوجب على المجتمع توفير الرعاية لهم في فترة ضعفهم. ولقد كان أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما يستنيران برأي الشيوخ حين تختلط الأمور عليهما لثقتهما في خبرة الشيوخ، كما كان أبو بكر رضي الله عنه مثالا للابن البار فلم يجلس وأبوه واقف بل كان يوقره ويحسن معاملته. ورعاية المسنين تعتبر حقا مكفولا لهم ولم يغفله المشرع كما أنه في عنق الشباب والمجتمع حق ودين ينبغي على الشباب والمجتمع الوفاء به، ولقد تضمن قانون الأحوال الشخصية في معظم المجتمعات المتقدمة بعض الحقوق للشيوخ وأوجب على الأبناء والشباب الالتزام بها. ولأن الاسلام يجمع بين الجوانب العبادية الاجتماعية والأخلاقية الخ، فإن رعاية المسنين تعد عبادة وعملاً انسانيا نبيلا لأنه من غير المعقول أن يهمل المجتمع طائفة من الناس قدمت له الكثير في شبابها وعندما يعتريها الضعف يتخلى عنها.