يفيض القرآن الكريم بالنصوص التي ترعى هذا الجيل وتكرّمه، والسُّنة زاخرة بذلك، والفقه مليء بالتفاصيل وبيان الحقوق والواجبات، والتاريخ الإسلامي صفحة شاهدة على ذلك، ورسولنا الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: ''البركة في أكابرنا''، رواه الطبراني. وقال عليه الصّلاة والسّلام: ''الخير مع أكابركم''، رواه البزار والطبراني في الأوسط. والمسلم الصادق الإيمان يعيش في هذه الساحة الإيمانية، ليؤدي ما عليه من واجبات وحقوق لهذا الجيل الّذي يستحق منه كلّ إجلال وإكبار وإكرام، لأن المسنين هُم بُناة الحياة وأصولها، وهُم بركتها وصلاحها، فمنهم تنحدر أصولنا، وعلى مجدهم تعزف أوتار الحياة أنغامها. وفي هذا السياق، يقول الرّحمة المُهْدَاة عليه أفضل الصّلاة وأزكى التّسليم: ''ما أكرَم شاب شيخًا لسِنِّه إلاّ قَيَّض الله له مَن يُكرمُه عند سنِّه''، رواه البيهقي في شعب الإيمان والطبراني في الأوسط. وقال صلّى الله عليه وسلّم: ''إنّ من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم''، رواه أبو داود. وقال عليه الصّلاة والسّلام: ''مَن لم يرحَم صغيرنا ويعرف حقّ كبيرنا فليس مِنّا''، رواه البخاري. إنّ الهدف الأساس الّذي رسمته الشريعة الإسلامية في نطاق رعاية المسنين والعناية بهم في المجتمعات الإنسانية، هو حماية ما يتمتّع به المسنون أو العاجزون من كرامة إنسانية ميّز الله بها الإنسان عمومًا على باقي المخلوقات، ثم تأتي الكفاية المادية والرعاية الجسدية بالدرجة الثانية كخادمة لتلك الكرامة ولاحقة بها، وخير المحاضن للمحافظة على الكرامة الإنسانية هي الأسرة. ولهذا، جاءت تشريعات الإسلام معمّقة في المحافظة عليها، فهي المناخ الطبيعي الّذي يُنَمِّي تلك الكرامة على الوجه السليم، ثم يأتي دور الدولة والمجتمع كرقيب أو رديف لها. والكرامة الّتي يتمتّع بها المسنون أقوى من أن يخدشها وهن الشيخوخة، أو أيّ مظهر من مظاهر التقاعد والعجز إذا تفيّأت ظلال الأسرة وحمايتها، ثم يأتي بعد ذلك دور تحقيق الكفاية المعيشية طيق ميزان العدالة والإنصاف، قال تعالى: {ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيّبات وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلاً}، الإسراء 07.