أعاد اختطاف جديد طال فتاة في منطقة القبائل ومصرعها إثر ذلك مؤخرا، الهواجس وموجة القلق مجددا من شبح الاختطافات سيما وسط فئة الأثرياء، ويعيش الشارع القبائلي حالة من الذعر والترقب، خصوصا وأنّ الحادث هو ال89 من نوعه في منطقة القبائل لوحدها، ويعدّ السادس خلال فترة وجيزة. تسبّب تفاقم ظاهرة الاختطافات في إرباك سكان ولايات تيزي وزو، بومرداس، بجاية والبويرة، سيما فئة الأثرياء وتحديدا التجار ورجال الأعمال، ما دفعهم إلى الاستنجاد بحراس شخصيين وتقليص تحركاتهم إلاّ للضرورة القصوى، في وقت يشدّد مراقبون على أنّ (موضة) الاختطافات، ليست عملية عارضة، كما أنّها ليست صادرة عن مجموعات من المنحرفين يريدون ابتزاز المال فقط، بل هي -بحسبهم- مخططات معدّة بعناية تتولّى عصابات محترفة تنفيذها، ويستدلّ هؤلاء بالأساليب والأدوات والتقنيات التي توظّفها هذه العصابات، ويبدو أنّ الأمر خرج من زاوية الإرهاب الضيّق إلى نطاق الجريمة المنظمة. وتشير بيانات رسمية حصلت "السلام" على نسخة منها، إلى وقوع 144 عملية اختطاف خلال السبعة عشر شهرا المنقضية، كان آخرها اختطاف تاجر على مستوى ولاية بومرداس، مع الإشارة أنّ مجموعة مسلحة مجهولة، اختطفت قبل ذلك نجل تاجر كبير بمنطقة القبائل، وقبلها بفترة لقي أحد المقاولين المصير نفسه بولاية جيجل، وسط تعاظم الاستفهامات بشأن ظاهرة أخذت بعدا مخيفا، وصارت أسلوبا جديدا للاسترزاق من طرف شبكات مسلحة مجهولة استفادت من عامل تراجع الأمن، وأعمال العنف التي دأب ما يسمى (تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) على تنفيذها. وتدعو إحصائيات رسمية لمصالح الأمن إلى قرع أجراس الإنذار، فالمعدلّ وصل إلى خمسة عشر حالة شهريا، كما سجّلت 87 عملية اختطاف بعاصمة جرجرة لوحدها ما بين أوت 2007 وجوان 2012، جنى الخاطفون في أعقابها أموالا ضخمة زادت قيمتها عن 50 مليار دينار. وتشير تحقيقات إلى أنّ المناطق النائية المعزولة تعدّ المسرح المفضّل للخاطفين، بينما يذهب محللون إلى أنّ مجموعات التمرّد، خصوصا القاعدة التي تتخذّ من منطقة القبائل معقلا لها، تكون قد تبنت الاختطاف كتكتيك للحصول على المال، بعد تفكيك معظم خلاياها الداعمة. اللافت أنّه على الرغم من النهايات "السعيدة" لمعظم حلقات الاختطافات، بعودة الضحايا إلى أهاليهم، إلا أنّ السلطات عجزت عن الحيلولة دون وقوع اختطافات جديدة، مع أنّه جرى إقرار عديد التدابير الصارمة لمواجهة هذا (البعبع)، بينما يرمي البعض بالمسؤولية على العوائل التي ترفض تبليغ الجهات المعنية خوفا من إصابة ذويها بأذى. يشار إلى أنّ السلطات اتخذت تدابير جديدة بغرض الحدّ من ظاهرة الاختطافات المتفاقمة في البلاد، وأوضح وزير الداخلية دحو ولد قابلية في زيارته الأخيرة لمدينة تيزي وزو، أنّه جرى إقرار إجراءات ردعية صارمة من شأنها الحدّ من آفة شملت مقاولين وأطفال ورعايا أجانب، بينهم الطفل ياسين بوشلوح (4 سنوات) الذي وجد جثة هامدة، فضلا عن المهندس المصري أمجد وهبه (26 عاما) الذي جرى تحريره بعد أشهر من اختطافه في ربيع 2008، علما أنّ ذاك الاختطاف شكّل سابقة أولى من نوعها في مسار الإرهاب في الجزائر، حيث لم يسجل من قبل أن تعرّض أي من العرب أو المصريين ل(آلة) الاختطاف. ولم يكن إعلان الجزائر بحر الصائفة الماضية، عن إيقافها المسمى (ر. ر) المكنّى "زكريا"، الذي وصفته بكونه المنفذ المفترض لعمليات الاختطاف التي تمت في الفترة الماضية بمنطقة القبائل، ليوقف من تنامي الاختطافات، وللدلالة على البعد الذي أخذته هذه (الموضة) يكفي الاستعانة بإفادات مصادر أمنية وقتئذ، وكشفها أنّ زكريا ابتزّ لوحده أموالا زادت قيمتها عن 450 ألف يورو من ضحاياه العديدين. اختطاف الأطفال.. الوجه الآخر للمأساة في شق متصل، تعدّ ظاهرة "اختطاف الأطفال" التي تفاقمت على نحو مريب العام الماضي وأوائل السنة الجديدة، الوجه الآخر لمأساة اغتصاب البراءة في الجزائر، بهذا الصدد، تقول كشوفات اطلعت "السلام" عليها، إنّ 841 طفل تعرّضوا للاختطاف منذ العام 2001، وتتراوح أعمار الضحايا بين 4 و16 سنة. وصار الأمر مفزعا أكثر خلال الأحد شهرا المنقضية، إثر توارد أنباء عن اختفاءات ملغّزة لما يزيد عن 150 طفلا، عُثر على جثث أغلبهم في حال تحلل متقدمة بآبار مهجورة، بينما تعرّض قطاع غير يسير منهم إلى اعتداءات جنسية كانت لها انعكاسات على هؤلاء الذين تعرضوا لصدمات ليست بالهيّنة. والغريب أنّ الاختطافات التي طالت الأطفال، لم تتبناها جهات معينة، وظلت مقترنة غالبا بظروف غامضة، وقليلة هي الحالات التي طالب فيها خاطفون من عائلات ضحاياهم دفع فديات، ويربط محققون أمنيون يشتغلون على الملف، بروز هذه الظاهرة الغريبة عن المجتمع، بما أفرزته آفات المخدرات وشبكات الجريمة المنظمة، إضافة إلى ما نجم عن الفكاك الأسري والإرهاب الذي يجعل من منطقة القبائل أسيرة لمستنقع مزمن.