طغى ثالوث الأرق والقلق والجنون، على عرض “ماذا سنفعل الآن؛ للمسرح الجهوي لمدينة سيدي بلعباس، في عمل جديد اشتغل على استفزاز الذات ومشاغبة الآخر، ما استقطب جمهورا واسعا بتلمسان سهرة أول أمس، على ركح دار الثقافة “عبد القادر علولة” لجوهرة الغرب، حيث شدّ العرض المشاهدين تبعا لجمالياته وخواصه، وكذا الموسيقى المستخدمة المستوحاة من أفلام الرعب والخيال العلمي العالمية. في عمل كتب نصه هارون الكيلاني، جرى استلهام مقاطع قصيرة ومهمة من روايتي “هوس” لحميدة العياشي و«شهقة الفرس” للروائية سارة حيدر، وجسد شخوص المسرحية عدد من الممثلين، على غرار عبد الله جلاب، موسى لكروت، حسين بن شميسة، محمد بن بكريتي، ياسين جوزي، نبيلة حجازي وجهيدة مسلم، تندرج في خانة المسرح العصري وقد وقع تفاصيلها السينوغرافية المتميّز حمزة جاب الله. وعلى مدار ساعة وربع من الزمن الركحي، ظلّ “ماذا ستفعل الآن؟” سؤالا هاجسا تكرّر على لسان الطفل موسى الشبح القادم من قبره، ليثأر من جاره “جلاب” لنفسه ولأمّه.. سؤال أصبح مصدر أرق وقلق لجلاب الرجل الكهل الذي يراوغ لحظة الوقوف وجها لوجه مع الموت، ويحاول فكّ الحصار المفروض عليه من طرف أصدقائه الأشباح المتمثلين في كل من حسين، البكريتي وياسين.. الذين أحالوه إلى عالم الجنون بأمر من الطفل موسى للتسريع بموته. وعالجت المسرحية قصة “جلاب” الذي حوّل منزله إلى وكر للخمر والصعلكة بعد وفاة زوجته “نبيلة السوداء”، في حين خرجت جارته “جهيدة” لتسوق نفسها للناس ولجارها “جلاب” لأجل رغيف خبز توفره لابنها موسى، حيث أتت جهيدة ذات ليلة إلى جلاب، لتخبره أنّ موسى مريض جدا وتحتاج إلى أن تنقّله إلى المستشفى، فيغلق جلاب الباب في وجهها ظنا منه أنّها تراوغ لأجل السهر. وتأتي سيارة الإسعاف متأخّرة متزامنة مع خروج أصدقاء جلاب سكارى على سيارتهم مسرعين، فيقع الحادث المميت بعد اصطدامهم بسيارة الإسعاف، ويموت الجميع إلاّ جهيدة، وبعد مرور السنوات ورغم الجرح الكبير، تبقى الجارة ترعى جارها جلاب الذي نال التعب، المحنة والجنون منه ومن جسده وعقله، غير أنه يراوغ الموت، ليستسلم في آخر المطاف ويحرق نفسه في الحمام.