الجزائر مهددة بفترة ظلام مجهولة المدة شدّد الخبيران الاقتصاديان «بشير مصيطفى» و»محجوب بدة» أمس، على أنّ انقطاعات الكهرباء التي تكاثرت بشكل رهيب إبان شهر رمضان الحالي كبّدت الجزائر خسائر بالملايير وتداعيات رهيبة على البنية التحتية للاقتصاد الوطني، وألّحا كل من مصيطفى وبدة على كون اختلالات منظومة العرض والطلب وراء الانقطاعات الكارثية للكهرباء عبر مناطق الوطن. وفي تصريحات خاصة ب «السلام»، حمّل الخبيران المسؤولية إلى مصالح بوطرفة، تبعا لضعف إنتاج واستثمارات مجمع سونلغاز، حيث لا يزال الإنتاج في القاع بنحو 3 بالمائة، في وقت يصل إجمالي الطلب الوطني إلى 7 بالمائة. سوء توزيع ونقائص بالجملة أكّد الخبير الاقتصادي بشير مصيطفى، أن السبب الرئيسي وراء الانقطاعات الكهربائية المتكررة والكثيرة التي طالت العديد من ولايات الوطن مؤخرا هو الخلل الكبير في معادلة العرض والطلب، حيث أوضح أنّ العرض المتمثل في إنتاج مجمع سونلغاز لم يستجب للطلب المتمثل في استهلاك العائلات والمؤسسات، خاصة في السنوات الأخيرة أين وصل مقدار الطلب على الطاقة الكهربائية إلى 9 آلاف ميغاوات سنويا، في وقت تنتج فيه سونلغاز 11 ألف ميغاوات سنويا، ما يوحي بعدم وجود مشاكل. لكن سونلغاز تلتزم بنظر مصيطفى - بتوزيع أقل من حجم الطلب على حد تأكيد المتحدث، الأمر الذي خلق نوعا من العجز خاصة في فترات الذروة المتمثلة في فصل الصيف، أين يتجاوز الطلب أحيانا معدله المعتاد، في ظل الأعطاب المتكررة التي تشهدها خطوط التوزيع التي تبقى بعيدة عن الصيانة الدورية والفعالة. ارتفاع نسبة السكان وتكييف الاستهلاك مع تكنولوجيا الكهرباء هذا وركّز المتحدث على أنّ أزمة الكهرباء متصلة بزيادة حجم النمو الديمغرافي في الجزائر، حيث ارتفع بنسبة 2.6 بالمائة في السنوات الأخيرة وهي نسبة كبيرة مقارنة بباقي دول العالم، ويبرز مصيطفى ما سيترتب عن استحداث 2 مليون سكن جديد من زيادة الاستهلاك، وكذا سكنات القطاع الخاص المجسدة لبرنامج الترقية العقارية المدعم من طرف الحكومة دون إحصاء السكنات الفوضوية، الوضع الذي زاد حتما من حجم الطلب على استهلاك الكهرباء بحكم العتاد والأجهزة المصاحبة للسكنات والتي تختلف من عائلة إلى أخرى. كما نوه المتحدث بعامل نمط استهلاك العائلات التي باتت تعتمد على الأجهزة الكهربائية بشكل رهيب في ظل تحسن قدرتها الشرائية ما جعلها تعتمد وسائل وتجهيزات كانت شبه غائبة وقليلة الاقتناء في الماضي القريب على غرار المكيفات الهوائية وأجهزة التدفئة ومختلف التجهيزات الكهرومنزلية الكهربائية، وعليه أصبح السلوك الاستهلاكي متكيفا مع تكنولوجيا الكهرباء - على حد تعبير المتحدث -. الجزائر مهددة بفترة ظلام مجهولة المدة أبدى «بشير مصيطفى» تخوفه الكبير من إمكانية تعرض الجزائر لما يعرف بظاهرة «البلاك أوت» والتي تعني فترة الظلام الطويلة، موضحا أنه مع استمرار وتيرة الاستهلاك الخالية للطاقة الكهربائية مع النمو الديمغرافي المتزايد، في ظل ضعف استثمارات المجمع الطاقوي سونلغاز الذي يمكن أن يعجز عن مجاراة الطلب المحلي يمكن للبلاد أن تدخل في فترة ظلام قد تدوم لأسابيع، مثلما حدث في الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث أدى تضاعف الاستهلاك وبعض الأعطاب التقنية إلى انقطاع التيار الكهربائي عن أغلب ولايات أمريكا لمدة تعدت الأسبوع، مشيرا إلى أنّ تعرض الجزائر لمثل هذا السيناريو قد يدمّر الاقتصاد الوطني دون شك - على حد جزم المتحدث - ويدخل البلاد في أزمة مجهولة العواقب. خسائر بالملايير خلفتها الانقطاعات المتكررة وأكد مصيطفى أستاذ الاقتصاد في جامعة الجزائر، أنّ الانقطاعات المتكررة للكهرباء والتي تمتد في بعض المناطق إلى يومين على التوالي قد خلفت خسائر بالملايير، مشيرا إلى تصدر القطاع التجاري لقائمة القطاعات الأكثر تضررا، تليه الصناعة بأقل درجة بحكم امتلاك أغلب الناشطين فيه لمولدات خاصة تخفف عنهم حدة التضرر. في السياق ذاته، عرّج المتحدث إلى المبالغ المالية الكبيرة التي خسرتها البنوك إن صح القول جراء عملية الدعم التي وجهتها مؤخرا لفائدة الخبازين الذين استفادوا من مولدات جديدة باهظة الأثمان على مستوى كل ولايات الوطن. وقال أنّ مثل هذه الأموال كان من الأجدر استغلالها في استثمارات جديدة تدر بالفائدة على الاقتصاد المحلي، بدلا من توظيفها في ترقيع أخطاء التسيير المسجلة على مستوى مجمع سونلغاز. كما لم يستبعد الخبير الاقتصادي إمكانية مبادرة الجزارين أيضا بحركة احتجاجية ليطالبوا هم أيضا بدعم يمكنهم من اقتناء مولدات كهربائية تعفيهم من الخسائر المتكررة التي يتعرضون لها، فضلا عن هذا حذر مصيطفى من خسائر أكبر سيما مع احتمال هروب المستثمرين من البلاد نظرا لعدم توفر مناخ العمل الملائم الذي تعتبر الكهرباء أبرز معالمه وتغيير الوجهة نحو بلدان أخرى، أو تغيير وجهة نشاطاتهم نحو قطاعات أخرى لا تعتمد بصفة كبيرة على الطاقة الكهربائية. كما لم يستثني مصيطفى الخسائر التي يمكن أن تنجر عن الاحتجاجات المتكررة التي يبادر بها عدد من المواطنين في بعض ولايات الوطن أين أقدموا على تحطيم عدد من المرافق العامة وحرق عدد من فروع سونلغاز، الأمر الذي كبد الخزينة خسائر جسيمة. الحل في تفعيل عجلة الاستثمار وتفعيل الطاقات البديلة شدّد مصيطفى على ضرورة دفع عجلة الاستثمارات في مجمع سونلغاز التي تبقى ضعيفة مقارنة بالاستثمارات التي يبادر بها بصفة دورية مجمع سوناطراك - على حد تعبير المتحدث - الذي أبرز ضرورة مبادرة سونلغاز بتشييد محطات توليد جديدة في عدد من الولايات والبلديات الكبيرة التي تفتقر لها خاصة الجنوبية منها. وأكد المتحدث أن الوقت قد حان للتخلي على الكهرباء التقليدية كما وصفها والولوج في عالم الطاقة المتجددة الذي يختلف كليا عن القطاع التقليدي في تقنيات العمل والتجهيزات والمناخ الملائم الذي تعتبر الجزائر من أكثر البلدان ملائمة لتجسيد مثل هذه المشاريع، الأمر الذي سيسمح وفقا لمصيطفى بتحقيق الإنتاج المستدام الذي سيخرج هذا القطاع من مشاكله تدريجيا. واقترح مصيطفى في هذا الصدد برمجة مشروع مشترك بين كل من مجمعي سوناطراك وسونلغاز لاستحداث منابع جديدة لتوليد الطاقة الكهربائية ورفع معدلات إنتاجها من خلال تبني سياسة الطاقة المتجددة، حيث قال أن الأمر ليس بصعب على أكبر مؤسستين للطاقة في إفريقيا تملكان كل الإمكانيات المادية والبشرية الكفيلة بإنجاح هذه المشروع، مستدلا في ذلك بالمملكة المغربية التي تبنت هذا النهج وحققت نتائج جد إيجابية، في وقت تمتلك فيه الجزائر ضعف إمكانيات المغرب في هذا المجال. الجزائر في المؤخرة في سياق ذي صلة كشف مصيطفى عن احتلال الجزائر لمراتب جد متدنية في ترتيب البرنامج المعروف باسم جودة الحياة في تقريره الأخير سنة 2001 الذي يشرف خبراء عالميون على جمع إحصاءاته ومعلومات تسمح لهم بترتيب بلدان العالم وفق مقياس موحد فيما يخص الظروف المعيشية تندرج ضمنه عدة معايير من بينها جودة الطاقة الكهربائية التي عززت من تأخر الجزائر في الترتيب، فضلا عن معايير أخرى كالتعليم والصحة والقدرة الشرائية وغيرها. محجوب بدة: ضعف إنتاج سونلغاز وراء أزمة الكهرباء من جانبه، أرجع «محجوب بدة» الدكتور في الاقتصاد سبب الانقطاعات الكهربائية المتكررة التي تشهدها العديد من ولايات الوطن مؤخرا إلى ضعف إنتاج واستثمارات مجمع سونلغاز، مبرزا الخلل الكبير في منظومة إنتاج المجمع الذي مازال مستقرا في نسبة 3 بالمائة في وقت يتراوح الطلب المحلي ما بين 5 و7 بالمائة. نسبة ضياع الكهرباء وصلت إلى 17 بالمائة وقال بدة في حديث خاص ب «السلام»، أنّ سونلغاز تعيش حالة شبه إفلاس بسبب الديون الكبيرة المترتبة عليها والتي تحفظ المتحدث بشأن الكشف عنها مؤكدا انهه تتجاوز رقم أعمال المجمع الذي صار مهدد في أي لحظة بالانهيار - على حد تعبير المتحدث - الذي كشف أن نسبة ضياع الكهرباء على مستوى كل فروع المجمع تتراوح ما بين 12 و17 بالمائة، منوها إلى أن أكثر من 10 بالمائة منها مصيرها السرقة. كما لم يخفي بدة الدور الكبير الذي تلعبه ثقافة الاستهلاك الغائبة في المجتمع الجزائري في مثل هذه الحالات، مستدلا ببعض الحالات أين تستعمل العائلات ثلاث مكيفات هوائية وأكثر من ذلك في منزل واحد، هذا فضلا عن التلفاز وبعض التجهيزات الكهربائية الأخرى الأمر الذي يضاعف الضغط على المولدات الكبيرة التابعة لسونلغاز بشكل يؤدي حتما إلى انقطاعات تغيب وفقا للمتحدث في فصل الشتاء بحكم انخفاض الاستهلاك العام للكهرباء. وخلافا لمصيطفى، نأى بدة بالاقتصاد الوطني عن التأثر بمثل هذه الانقطاعات بحكم ظرفيتها - على حد تعبير المتحدث - واقتصارها على عدد ليس بالكبير من الولايات كما أنها لا تدوم لفترات طويلة، مؤكدا أن أغلب ركائز الاقتصاد المحلي في إشارة منه إلى المؤسسات الكبيرة المهيمنة على القطاع لها منابع طاقة كهربائية خاصة على غرار المولدات العالية التوتر الكفيلة بتغطية انقطاعات سونلغاز وأكثر. في السياق ذاته أوضح بدة أنّ المتضرر الوحيد و لو بدرجات متفاوتة يبقى الحرفيون وأصحاب المؤسسات الصغيرة التي تعتمد بشكل كبير على التيار الكهربائي خاصة منها التي تزاول النشاطات المرتبطة بالتبريد على غرار الجزارين وموزعي الحليب ومشتقاته، هذا إلى جانب المواطن العادي الذي يكون عرضة لتلف وفساد العديد من المنتوجات الاستهلاكية الموجهة للحفظ. إيقاف المعضلة مرهون بتنويع مصادر التوليد الكهربائي يرى الخبير الاقتصادي محجوب بدة أنّ تشجيع الدولة للاستثمارات وخاصة المحلية منها كفيلة بتخفيف وطأة هذا المشكل من خلال تخفيض التسعيرة وإعادة رسكلة سلطة الضبط، مناديا بضرورة تنويع مصادر التوليد في ظل توفر المصادر المساعدة على ذلك بالجزائر على غرار السدود وبعض الشلالات لرفع منسوب الإنتاج.