انطلقت الامتحانات الاستدراكية في أغلب الجامعات وسط إقبال معتبر في بعض منها، ما جعل المختصين يدقون ناقوس الخطر حول مستوى الطلبة في بعض التخصصات في ظل غياب نظرة مستقبلية قد تؤثر على عالم الشغل. عاد مشهد الطلبة الملتفين حول أجهزة التصوير المطابق للأصل من جديد قبل انطلاق الموسم الجامعي، بعدما فشل كثيرون في تحصيل معدّل يؤهلهم للإنتقال إلى السنة الموالية، وهو ما رصدناه في بعض الجامعات بعدما اصطّف بعض الطلبة في طابور من أجل الحصول على بعض الدروس التي تساعدهم في اجتياز تلك الامتحانات الاستدراكية. خلال زيارة قادتنا لبعض الجامعات على غرار كلية الحقوق أين وقفنا على حجم الإقبال على الإمتحانات الإستدراكية ما دفعنا للبحث عن الأسباب الكامنة وراء ذلك. الطالب المسؤول الأول عن نجاحه أو فشله أرجع بعض الأساتذة ارتفاع عدد الطلبة المجتازين للإمتحانات الاستدراكية إلى إهمال الطلبة، كثرة التغيّب وعدم التزامهم بالدروس حيث يكتفون بالأعمال التطبيقية فقط، وهو ما لا يكفي من أجل فهم واستيعاب عدّة مقاييس من تخصص الحقوق، فأغلب الطلبة لا ينظرون بجديّة لأهمية تلك الدروس ما يقودهم إلى الإمتحانات الشمولية وحتى الاستدراكية، وهو نفس ما وقفت عليه “زهية .ن” أستاذة بالكلية ذاتها والتي علّقت في الموضوع قائلة: “إن الطلبة في هذه الجامعة لا علاقة لهم بالدراسة فهم يهتمون باللباس والموضة، التجوال أو حتى الجلوس في بهو الجامعة أو المطاعم وقاعات الشاي وغيرها من التصرفات الطائشة، ومن يرى بعضهم لا يمكن أن يصنّفهم ضمن الطلبة الجامعيين فهم يفعلون أيّ شيء غير الدراسة”. الغياب عن دروس المحاضرات كانت واحدة من أهّم النقاط التي طرحها بعض الأساتذة، وقالوا أنّها السبب وراء ظاهرة فشل الطلبة في اجتياز الدورة العادية، مؤكدين أن الأمر لا يقتصر على كلية الحقوق بل يشمل كثيرا من المعاهد. وفي السياق ذاته أوضح ميلودي، أستاذ بكلية العلوم الإقتصادية والتسيير أن مستوى الطلبة الجامعيين ينبئ بكارثة وهو ما يؤثر مستقبلا على عالم الشغل، ما يستوجب منّا الوقوف للتأمل فيحقيقة مستوى الطلبة في الجامعات الجزائرية. في ظل غياب الوعي ونظرة أكثر جديّة يتبع كثير من الطلبة خلال تلك الإمتحانات العامة والاستدراكية خاصة طرقا احتيالية من أجل ملء أوراق الإجابات، خاصة أنها فرصتهم الأخيرة للإنتقال وتكفيك جولة واحدة ببعض كليات التابعة لجامعة الجزائر خلال أيام امتحانات الإستدراك لتقف على آخر ما استحدث في عالم الغش. هذا وانتقد كثير من الأساتذة ظاهرة بيع الدروس التي تكون في العادة ناقصة أو مختلفة من حيث صحّة المعلومات المقدمّة، وهو ما يؤثر على مردود الطالب، وعن هذا يقول تواتي أستاذ بجامعة الجزائر، أن أغلب الطلبة الذين يعتمدون على المطبوعات دون الدروس يكونون من الفاشلين في تحصيل نقاط المقياس لأن كثيرا من بائعي تلك المطبوعات يجلبونها من هنا وهناك، وغالبا ما تختلف المعلومات التي تحويها مع المعلومات التي قدمّها الأستاذ أثناء الدرس، كما أن أغلبها تكون محشوّة بالمعلومات الرئيسية وحتى الإضافية ما يجعل عملية الاستيعاب والفهم صعبة جدا. لامبالاة الأستاذ في تصحيح الإجابة مشكل يطرحه أغلب الطلبة الطلبة بدورهم حاولوا ايجاد أكثر من عذر لفشلهم مبررين غيابهم عن دروس المحاضرات بمستوى الأساتذة في التدريس من جهة، وعدم إلتزامهم بتصحيح أوراق الإجابات كما ينبغي من جهة أخرى، فكم من طالب كانت إجابته صحيحة ولكن علامته كانت متدنيّة ما يجعل يطرق باب الإمتحانات الإستدراكية رغما عنه. “أحلام” واحدة ممن اعترفن بأنّهن السبب في ما تتكبدنه خلال الإمتحانات الإستدراكية فهي لم تدخل المحاضرات طوال السنة الجامعية الفارطة. “قليلا ما كانت تطأ رجلي الجامعة فأنا كنت أعمل ولا أبالي كثيرا بالدروس”، بهذه العبارات اختصر لنا اسحاق، طالب في كلية الحقوق اجتيازه للإمتحانات الإستدراكية في أغلب المواد، أما خديجة طالبة بكلية العلوم السياسية والإعلام، فتؤكد أنها تفضّل المكوث في البيت خاصة في أيام الشتاء، فهي تدرك أن مآلها هو الدورة الاستدراكية ككل عام. طلبة آخرون أرجعوا سبب فشلهم إلى مستوى بعض الأساتذة وعدم قدرتهم على إيصال المعلومة كما ينبغي، وحسب بعض الطلبة بكلية العلوم السياسية فإن من الأساتذة من يكتفي بتقديم محاور الدروس طالبا شراء المطبوعات أو بعض الكتب الخاصة، وهو ما جعل كثير من الطلبة يستعينون بدروس زملائهم قبل الإمتحانات عوض حضورها. “إن الشاطر من يستطيع أن يخرج المقياس دون أن يكون قد حضر الدروس أو حتى حفظها”، هذا ما أكّد لنا بعض طلبة الكلية السابقة بعدما جربوا الأمر أكثر من مرة، فمنهم من يتفاخر بعدم الإكتراث بالدراسة إلى أن ينجح في آخر الدورة.الإكتظاك في المدرجات من أهم الذرائع التي قدمّها البعض، وهو ما جعل كثير من الطلبة يفرّون منها يؤثر كثيرا على مستواهم خاصة وأنهم يكتفون بساعتين أوثلاث في الأسبوع الخاصة بالأعمال التطبيقية ولا يقرأون خارج تلك الأوقات. وعن انعكاسات هذا تقول بلحاج، استاذة بجامعة الجزائر “كثيرا ما يكون المتغيّبون عن المدرجّات أكثر الفاشلين لأنهم ينقلون معلومات بطريقة غير صحيحة من غيرهم”، تضيف في الصدد ذاته: “نحن كأساتذة يمكننا معرفة الطالب الجاد من غيره من خلال ورقة الإجابة، فالطالب المجتهد تكون إجاباته مرتبّة وبتعبير واضح. أما غيره فيضيعون أغلب الوقت في التأمّل وينتقلون من سؤال إلى آخر دون ترتيب أو تنظيم، وهو ما يؤثر على نتائجهم التي تجرّهم إلى الامتحانات الاستدراكية وأحيانا حتى لإعادة السنة”. وفي ردّها على مستوى الأساتذة تضيف المتحدثة ذاتها أن المحاضرات على اختلاف التخصص ذات أهمية قد لا يدركها الطلبة من حيث المعلومات التي تقدم، وأغلب من يلقون المحاضرات في الجامعات هم من الاساتذة الحاصلين على دكتوراه. اجبارية المحاضرات أهم الحلول إن عدم اجبارية المحاضرات من أهم الأسباب التي أدّت إلى عدم الإهتمام بها كما ينبغي، والتركيز على الأعمال التطبيقية لا لشيء لأن التغيّب المتكرر وغير مبرّر يؤدي حتما إلى اقصاء الطالب، كما أن بعض الطلبة الجامعيين يفتقدون للرغبة في الدراسة خاصة أنّ منهم من يدرس في تخصّص لا يرغب فيه. هذا وأكّد بعض الأستاذة أن أغلب الطلبة المتلزمين بتلك المحاضرات من الإناث، ولكن وبالمقابل نجد عددا هائلا منهن وحتى الذكور من يجرون الإمتحانات الإستدراكية، وهو ما تعوّدوا عليه خلال سنوات دراستهم بالجامعة، لذا دعى البعض إلى البحث عن حلول وسبل نتمكّن من خلالها من توطيد العلاقة بين الطالب والدراسة ولو اضطرهم ذلك إلى فرض اجبارية المحاضرات.