انطلقت مؤخرا امتحانات السداسي الثاني في بعض الجامعات والمعاهد وازداد معها نشاط مكاتب نسخ الدروس التي استغلت عزوف الطلبة عن المحاضرات لتحقيق أرباح من خلال بيع الدروس لمن فاته بعضها أو حتى لمن لم يحضر ولا واحدة منها. خلال جولة أخذتنا إلى كلية العلوم السياسية والإعلام لاحظنا طوابير أمام بعض المكاتب من أجل نسخ الدروس، حيث عمد الكثير من الشباب من طلاب الجامعة إلى تخصيص تلك الأكشاك الصغيرة لتوفير كل ما يحتاج إليه الطالب من كتب ودروس بأثمان منخفضة طوال السنة الدراسية، وعند سؤالنا عن تلك الطوابير المنتشرة في بعض أجزاء الجامعة، أوضح الطلبة أن هذه ظاهرة سنوية وترتبط بموسم امتحانات السداسيين من كل سنة، وهي لا تقتصر على ذات الكلية، بل في أغلب الجامعات، وهو ما أكده "محسن" قائلا "إن الشباب العامل في تلك المكاتب يجني الكثير من الأرباح بفضل بيع الدروس والكتب الجامعية المستنسخة بعد أن اقتنوا الجهاز الخاص بالنسخ المطابق للأصل"، هذا واستحسن الكثير من الطلبة خدمة نسخ الدروس داخل الجامعة واعتبروها الحل الوحيد الذي يمكن الكثير منهم من الحصول على الدروس التي فاتتهم، إلا أن المطبوعة لم تخدم البعض هذا ما اعترفت به "فاطمة الزهراء" قائلة "عادة ما نشتري كل الدروس التي يتم الترويج لها وفي كل المواد، ولكن نتفاجأ أثناء الامتحان أن هذه الدروس لا تخص أستاذ تلك المادة أو أنها موجهة لطلاب في تخصص معين دون آخر وأحيانا تضم تلك الدروس معلومات تختلف عما ألقاه الأستاذ المحاضر". طلبة يبررون الغياب بالملل من المحاضرات وخلال حديثنا مع بعض الطلبة الذين امتنعوا عن حضور المحاضرات، تعددت الأسباب وأرجعها الأغلبية إلى مللهم من المحاضرات، حيث يقولون أن بعض الأساتذة يعودون ويكررون أحيانا نفس المعلومات أو يملون نفس ما هو مكتوب في المطبوعة التي تباع وأحيانا يخرجون تماما عن موضوع المحاضرة، وهذا ما يعتبره البعض تضييعا للوقت لاسيما العاملين منهم أو من يدرسون أكثر من تخصص واحد، فيما أرجع البعض قلة الحضور إلى صعوبة التنقل، خاصة خلال الفترة المسائية ما يتطلب خروج بعضهم مبكرا، بينما يوضح بعض الطلبة أنهم يحضرون دروس مقاييس معينة دون أخرى والتي عادة ما تكون رئيسية في التخصص، ولها معامل نجاح عال أو يكون الأستاذ مشهورا بأسئلته المعقدة، فيما يهملون المواد الأخرى التي يقولون أنها لا تحتاج إلا لشراء المطبوعة والحفظ منها. إن أيام المحاضرات هي في الحقيقية أيام راحة للكثير من الطلبة، إلا أن بعضهم أعرب عن ندمه من شراء مطبوعات والحفظ منها لتكون ورقة الأسئلة مختلفة عما تحتويه المطبوعة. وفي مقابل هؤلاء، يوجد من الطلبة من يحرصون على المحاضرات بصورة متواصلة، يؤكدون أنهم يحققون نجاحا ومنهم "إيمان" التي تقول: "أنا لا أكون مرتاحة إذا تغيبت عن محاضرة واحدة وأحرص على نقلها من عند من يداومون على الحضور، أما المطبوعات فهي بالنسبة لي ما هي إلا معلومات إضافية لا يمكن الاعتماد عليها كلية". وفي نفس السياق أكدت "سعاد.ع" أستاذة مساعدة بكلية العلوم السياسية والإعلام أن قلة إقبال الطلبة على المحاضرات يأخذ حيزا كبيرا من سنة إلى أخرى وفي مختلف التخصصات الجامعية، خاصة الأدبية منها، فيما يمكن أن نجدها أيضا في مختلف الجامعات والمعاهد العلمية ما ينذر بتدني المستوى التحصيلي لدى الطالب على حد قول الأستاذة التي أكدت في سياق حديثها أن الكثير من الطلبة صاروا لا يدخلون الجامعة إلا في الحصص التطبيقية التي تكون مفروضة عليهم، والتي قد يفصلون في حال تغيبوا عنها لأكثر من ثلاث مرات دون تبرير مقنع. أساتذة جامعيون يتخذون تدابير من أجل حضور أكثر في المدرجات ومن أجل استقطاب أكبر عدد من الطلاب خلال المحاضرات حتى في نهاية العام الدراسي، أقدم بعض الأساتذة المحاضرين إلى بعض ما أسماه الطلاب بالحيل من أجل إرغامهم على حضور الدروس ومنها أن يقدم الأستاذ معلومات خلال الدرس وهو يؤكد أنها لا توجد لا في الكتب ولا في تلك المطبوعات التي يقتنيها الطلبة، وهو بالفعل ما يكون يوم الامتحان، حيث أكد بعض الطلاب أن بعض الأساتذة يعمدون إلى إدراج بعض الأسئلة التي لا تكون لها علاقة مباشرة بالدرس وتحتاج إلى ثقافة واطلاع موسّع من أجل تحليل السؤال على شكل مقالة ما يجعل الطلبة ممن تعودا على الغياب من تقديم الورقة بيضاء أو الخروج عن الموضوع، فيما يفرض أساتذة آخرون إجبارية المحاضرات وذلك من خلال تمرير ورقة الحضور ما يجبر العديد من الطلبة على الحضور من أجل ضمان الحصول على نقطة تمنع دخولهم للامتحانات الشمولية والاستدراكية، في الوقت الذي لا يلبث البعض في المدرجات إلا بعض الدقائق الموافقة لتسجيل أسمائهم على تلك الورقة التي يرونها ضمانا لنجاحهم وهو ما اعتبره بعض الطلبة تعسفا في حقهم على حد ما قاله "بلال" خلال حديثه مع "السلام اليوم" "إن الأساتذة يمنحون العلامات انطلاقا من الالتزام بحضور المحاضرات، فماذا يصنع الطالب الذي يعمل ويدرس في نفس الوقت". وإذا كان العمل هو السبب الذي قدمه البعض لتبرير غيابه عن المحاضرات خلال السنة الجامعية، إلا أن الحقيقية التي يقر بها البعض أنهم يفعلون أي شيء خلال ساعات المحاضرات سوى الدخول إلى المدرجات التي يقولون أنها تعج بالطلبة في أيام معينة، ولا تكفي لاحتواء الجميع حسب الشكاوى التي سجلناها حتى أن منهم من يبقى واقفا، تقول "نهاد" "إن أكثر ما أكرهه هو حضور الدروس باستثناء التطبيقية منها"، والأمر نفسه للكثيرين، فمنهم من يفضل الخروج في نزهة أو الجلوس في المقهى، تحت أشعة الشمس أو في قاعات الأنترنت القريبة من الجامعة أو حتى زيارة بعض الأصدقاء في الجامعات والمعاهد المجاورة. المواقع الخاصة بالطلبة سهلت الاستغناء عن المحاضرات هذا ويؤكد بعض الأساتذة أن التغيّب عن المحاضرات عرف هذه السنة تزايدا في الكلية المعنية، والأمر يعود إلى اعتماد الطلبة على المطبوعات التي تكون في بعض الأحيان من تأليف الأساتذة أنفسهم، إضافة إلى وجود الدروس كاملة في العديد من المواقع التي صمّمها طلاب سابقين من الجامعة وبها الدروس وأسئلة الامتحانات، وفي هذا الصدد يقول أحد الطلبة "إن بعض الأساتذة لهم دور في انتشار هذه الظاهرة إلى حد معين، فلو امتنعوا عن إصدار مطبوعات الدروس وامتنع الطلبة ممن يداومون عن الحضور من إعارة كراريسهم لاضطر الجميع إلى الحضور". هذا ويلاحظ على بعض الأساتذة الجامعيين أنهم لا يهتمون لعدد الطلبة الحاضرين، حيث يربطون نجاح المحاضرة بدرجة استيعاب الحضور بغض النظر عن عددهم، حيث يرون أن بعض الطلبة يجلسون في المدرجات جسدا فقط، أما فكرهم وتركيزهم فهو غائب وأحيانا يكون تأثيرهم سلبيا بالتشويش وعرقلة سير المحاضرة ما يضطر الأستاذ المحاضر إلى طلب انصراف عدد منهم حتى يحافظ على الهدوء داخل المدرج. ويعتبر عزوف الطلبة عن المحاضرات خطرا يحذر منه الأساتذة بالنظر إلى تأثيره على مستوى الطالب المتخرج من الجامعة بغض النظر عن التخصص، يقول أحد الأساتذة "يفرض على الطالب الجامعي أن يعتمد على نفسه في الحصول على أكبر قدر من المعلومات ولا يكتفي بما يقدم له، فما بالك إذا كان لا يحضر خلال الدروس ولا يقرأ". أساتذة يقترحون إجبارية المحاضرات ومن أجل الحد من ظاهرة عزوف الطلبة عن المحاضرات، اقترح بعض الأساتذة إجبارية المحاضرات شأنها شأن الأعمال التطبيقية وتبرير الغيابات مع ضرورة إيجاد هيئة تعمل على تطبيق قوانين أكثر صرامة خلال السنوات اللاحقة إضافة إلى تنظيم نشاط أولئك الشباب الذين يعرضون الدروس للبيع، كما أن بعض الأساتذة يحملون جزءا من المسؤولية بسبب منح الطلبة كل الدروس منسوخة، وفي ردها عن تشكيك بعض الطلبة فيما يقدمه بعض الأساتذة المحاضرين، تقول الأستاذة "حواس" من ذات الكلية السابقة الذكر "إن المحاضرين هم دكاترة أو أساتذة، وهم مؤهلون علميا من أجل إلقاء المحاضرات من خلال المعلومات التي يحوزون عليها ويمكنهم أن يفيدوا بها حتى خارج موضوع الدرس"، هذا وأشار بعض الأساتذة أن النظام الجديد "ال.ام.دي" يتميز بحضور معتبر للطلبة في المحاضرات مقارنة مع النظام الكلاسيكي.