عشق للمسرح وهيام بالوقوف على خشبته، في مشوار عطاء يقارب عمره العشرون عاما، عاشت خلالها الممثلة نجادي مليكة، أجواء الفن الرابع بين أحضان قصر الثقافة لولاية وهران، ومن ثمة أركان المسرح الجهوي “عبد القادر علولة”، فاكتسبت وبذلت لفن عشقته حتى النخاع عطاءات تبلورت من خلالها تجربتها التي صقلتها بعديد العروض، وبعد هواية نمت وكبرت معها لتمد جذورا في كيانها وذاكرتها صار المسرح المتنفس الوحيد الذي تستطيع بواسطته التعبير عن ذاتها. التقت “السلام” بهذا الوجه المسرحي المألوف للجمهور الوهراني، والذي تبعث رؤيته على استرجاع مواقف من “حمة الكوردوني”، حيث تحدثت نجادي عن بدايتها واصفة أول احتكاكاتها بعوالم أبي الفنون فكان هذا الحوار. كيف ولجت عالم التمثيل المسرحي؟ كانت هواية فأنا عشقت المسرح منذ الصغر وكنت أشاهد العروض المسرحية وأنا طفلة، فصار التمثيل حلم طفولتي تمنيت معه الوقوف يوما على الخشبة، لكنني لم أمارسه بل كانت لي تجارب سبقت الممارسة المسرحية كعارضة للأزياء، ثم ولجت عالم التنشيط في قصر الثقافة، وكنت قبلها أنشط مع جمعية “ابيكو” والقسمة الثانية لجبهة التحرير. كيف ومتى كان أول احتكاك لك مع الخشبة؟ بدايتي الفعلية كانت مع المسرح الحر بقصر الثقافة والفنون “زدور إبراهيم بلقاسم”، والذي شهدت خشبته أول ظهور لي في مسرحية “شارع عبد القادر علولة”، ليخلف بوعامر سنة 1994 ثم تلاه عمل آخر بعنوان “هو وهي” لمنصوري البشير، في عمل ثنائي إلى جانب الفنان “الزهو”، وتلتها أعمال أخرى كمسرحية “التمثال الحي” التي عرضت في كندا سنة 2010 الماضية. من المسرح الاجتماعي، الفكاهي الى المسرح الملحمي كيف كان هذا الانتقال؟ الممثل المسرحي تأتيه فرص وتعرض عليه أعمال شتى، وله أن يختار العمل الذي يتمكن من خلاله إبراز قدراته واكتساب التجارب، وكانت الأعمال المسرحية الملحمية رصيدا جديدا أضيف إلى تكويني المسرحي تعلمت من خلاله أشياء كثيرة. هل لنا أن نعرف بعضا من الأعمال الملحمية التي شاركت فيها؟ هناك العديد من الأعمال أولاها كانت مسرحية “نجمة نوفمبر” للمؤلف المسرحي موسى ملفرعة، والتي عرضت العام 1990 في مدينة تلمسان، ودور مميز في مسرحية “شهيد المقصلة” للكاتب عز الدين ميهوبي، من إخراج الثنائي محمد آدار ومحمد حيمور، حيث أديت دور والدة شهيد المقصلة “أحمد زبانة”، ومسرحيات “عروس الجزائر”، “الشيطان” في التسعينيات والمسرحية الملحمية “سيفاكس” التي أنتجت في إطار تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة العربية. هل من جولات ستشاركين فيها أو أخرى علقت في الذاكرة؟ قمت بجولات داخل الوطن زرت من خلالها وبصفتي عضوا في الفرقة المسرحية كل ربوع الجزائر تقريبا، إلى جانب جولات خارج الوطن قادتني إلى كندا في 2010 وإلى المملكة العربية السعودية مع فرقة “مسرح المدينة”، أين اختيرت مسرحية “حمه الكوردوني” كأول عمل مسرحي عربي مثل وهرانوالجزائر في المملكة العربية السعودية العام 2007. من الخشبة إلى السينما كيف كان هذا الانتقال مع العلم إنهما عالمان متباينان للغاية؟ أعود فأقول بأن الممثل أو الفنان عموما لا يجب أن يحصر نفسه في ميدان معين، بل عليه أن يسعى لتجريب عوالم أخرى واكتشاف ذاته من خلالها، وبالتالي فعندما عرضت علي أدوار سينمائية رحبت بالفكرة وخضت التجربة بكل ارتياح. هلا ذكرت متابعي عروضك بالأعمال التلفزيونية التي قدمتيها” هناك عدة أعمال أذكر من بينها “ناس الحومة”، “حسين شيكاغو” الذي صور في تيزي وزو للمخرج حمزة بلحاج، إلى جانب سكاتشات فكاهية على غرار سكاتش “أجي وأزدم”، “الحيلة”،”بيتزا اكسبريس” والكثير غيرها. في أي العالمين وجدت نفسك كممثلة؟ المسرح أبو الفنون إلى جانب السينما يمثلان معا عالما سحريا جميلا، فالأول يوفر للممثل الاحتكاك المباشر بالجمهور والثاني ينقل الممثل إلى الجمهور العريض ويدخل لجميع البيوت، وكلاهما تجربة جميلة زادت في صقل موهبتي وتثمينها، أنا والحمد لله وجدت نفسي في العالمين، لأن الفنان يجب أن يثبت جدارته حيثما وضع، فهو كالشجرة تعطي ثمارها في أي أرض تغرس شريطة أن تكون الأرض خصبة تطرح كل طيب، وأقصد الأعمال التي يجب أن تكون ذات مستوى وتلبي ذوق الجمهور. كانت لك تجربة مع مسرح الطفل حدثينا عنها؟ مسرح الطفل أحببته لأنه أعادني إلى طفولتي فرغبت أن ألج هذا العالم، وحالفني الحظ حين أجريت تربصا تحت إشراف المخرج والكاتب المسرحي الحبيب مجاهري، من خلال عمل حمل عنوان “الصداقة المستحيلة” الذي عرض مؤخرا على خشبة المسرح الجهوي لمدينة وهران “عبد القادر علولة”، وجمال التجربة تتلخص في كوني تعلمت من خلالها تحريك العرائس.. إنه عالم رائع يتطلب صبرا وروية.. كممثلة مسرحية ما هو تقييمك للمشهد المسرحي في وهران؟ في السابق وبرغم قلة الإمكانات ومحدوديتها إلا أننا قدمنا أعمالا تميزت بجودتها العالية، إلى جانب وجود روح المنافسة بين الفرق المسرحية من أجل تقديم الأفضل احتراما وحبا للجمهور وذوقه، وكذلك الأمر بالنسبة للسينما وهناك من الأعمال ما بقيت خالدة إلى اليوم عكس ما نراه في وقتنا الحالي الذي أضحت تصرف فيه أموال طائلة وتسخر إمكانات هائلة لكن النتيجة أعمال هزيلة لا ترقى للمستوى، وسرعان ما تطويها صفحات النسيان وتلك هي المفارقة التي أضرت بالفن عموما ومست كل نواحي الثقافة مع الأسف. ما سبب ذلك في اعتقادك؟ السبب الحقيقي كون أغلب الفنانين يتم إغراؤهم بالمال دون النظر أو الاكتراث بمستوى وقيمة ما يقدمونه، وأول سؤال يطرحه الفنان “الكاشي نتاعي شحال؟”، يضاف إليه افتقار القائمين على الشأن الثقافي إلى الإلمام بالمقاييس المتعارف عليها والتي تحدد لهم اختيار الممثلين أو المطربين..الساحة الفنية باتت تعج بكل من هب ودب وهو السبب وراء فقر المشهد الثقافي في الباهية.. كيف تقيمين حال المسرح في وهران خلال الآونة الأخيرة؟ المسرح هو الآخر تأثر بالمشهد الثقافي الهزيل والفقير، حيث غاب مسرح الفرجة والمتعة الذي أسس له مجوبي وعلولة، والذي ربط الجمهور بالخشبة، فمن منا ينسى “الڤوال”، “الأجواد”، “حمام ربي”، “العيطة”، “حافلة تسير”، “جلول الفهايمي”، “عالم البعوش” والكثير من الأعمال الخالدة خلود الأسماء التي لمعت من خلالها، والتي جعلت الجمهور متتبعا وفيا وجزءا من المسرحية.. ما نشاهده اليوم من أعمال مسرحية فيها بهرجة أو لنقل “جعجعة بلا طحين”، لأنها أعمال تعتمد جلها على السينوغرافيا ولغة الجسد والتي وفي كثير من الأحيان لا تتناسب ولا تتوافق مع العرض، فالمسرح الذي يفتقر لإبداع الفنان المسرحي لا يمكن أن نسميه مسرحا. كيف تقيمين واقع الثقافة في وهران؟ الثقافة في وهران تشهد سقوطا حرا وتدهورا مستمرا، فلا جديد يبرز على الساحة الثقافية التي طغى عليها الاجترار، فمثلا مهرجان الأغنية الوهرانية لا زال يقدم نفس الوجوه، نفس الكلمات برغم أن وهران تحتكم على مدارس فنية كبرى كمدرسة الفنان الراحل “أحمد وهبي”، ومدرسة “بلاوي الهواري”، والتي لو اعتمدت لتخرج منها جيل يحمل مشعل الطرب الوهراني الأصيل، ولأنشئت اوركسترا وجوقا قويا مكونا من جيل شاب دارس لأصول الأداء الموسيقي، ليكون هناك مهرجان لأحسن كورال وأحسن جوق يقيّم على أساسه أداؤهم.. لكننا أمام معضلة جعلت القائمين على المشهد الثقافي في وهران، لا يقيّمون الفنان ولا يأخذونه بعين الاعتبار، حيث لا تطال عصى التكريم الجميع نتيجة للإقصاء والتهميش المستفحلين في أرجاء المشهد. على ضوء ما صرحت به، كيف تقرئين واقع الفنان في بلدنا؟ الفنان في بلادنا مع الأسف لا يتمتع بحقوقه كما هو معمول به في الأقطار الأخرى، حيث يتم اختيار المجسدين لأدوار الأعمال المختلفة على أساس المحسوبية، أي “بالوجوه” وليس نظير مسيرة أولئك الفنية، ونلاحظ أحيانا أن نفس الفنان يؤدي العديد من الأعمال وكأنه لا يوجد سواه على الساحة. أنشأت مؤخرا وزيرة الثقافة المجلس الأعلى للفنان ما رأيك في هذه الخطوة؟ لم تبرح وتتخطى حدود انتشار هذا المجلس زوايا العاصمة، وكأنه مجلس جهوي لأنه لم يشمل كل الفنانين في كامل ربوع الوطن، ما نحتاج إليه في الواقع هو نقابة قوية تدافع عن جميع الفنانين وتعيد لهم كرامتهم التي مرغت في الوحل، فبطاقة فنان التي يمنحها ديوان حقوق التأليف، لا يمكن لها أن تحمي الفنان وهو في خريف العمر، نحن نحتاج إلى قانون يكفل جميع الحقوق الاجتماعية لهذا الأخير.. الفنان في الجزائر في أسفل السلّم، ولا نريد أن تستمر سياسة “كي كان حي مشتاق تمرة ومنين مات علقوله عرجون”.. ما المانع الذي حال دون إنشاء نقابة قوية من قبل الفنانين. ما دام الأمر يهمهم لهذا الحد؟ غياب الثقة في الوسط الفني وعقلية الحسد والغيرة التي جنت على الفنانين، وجعلتهم غير قادرين على الاجتماع تحت خيمة واحدة وتجاوز خلافاتهم لضمان حقوقهم واسترداد كرامتهم، فالفنان هو الذي أضر بنفسه، وكما يقول المثل “اللي ضرباتو يدو ما توجعو”.. كلمة أخيرة في نهاية هذا اللقاء؟ أتمنى كفنانة مسرحية لها مسار وغيرة على وهران، أن يتم تسمية الأشياء بمسمياتها وأن يحسن القائمون على المشهد الثقافي الاختيار والانتقاء بعيدا عن الرداءة، وأن تعود وهران كسابق عهدها في كل أشكال الثقافة لأن الفن نهر لا ينضب ومتعة لا نظير لها.