إن المسرحي يحي بن عمار 83 سنة، من خلال هذا الحوار، حاولنا استطلاع رؤيته للمسرح الجزائري وتوجهاته في ظل الحركات المسرحية والعلاقة بين المسرح والجمهور، وعلاقة المسرح الجزائري بالأزمة الثقافية، وكيفية الخروج من تلك الأزمة• قد يكون من واجب البداية أن نسألك من أين كانت البداية؟ الانطلاقة كانت من المسرح الجامعي سنة 9891 حيث شاركت في أول عمل مسرحي كممثل على ركح ''في مسرحية ''الأمير الصغير'' للكاتب سانت كزبيري، ثم انضممت إلى المسرح المحترف بسيدي بلعباس سنة 6991 حيث شاركت في عدة عروض مسرحية، كما شاركت في فيلم سينمائي عنوانه ''زهرة اللوتس'' في سنة 5991 ثم رحلت إلى ألمانيا حيث اشتغلت كتقني على الخشبة لمدة 01 سنوات• دعنا نركّز زاوية حديثنا على أهم أعمالك المسرحية؟ بالإضافة إلى مسرحية ''الكلب'' للمؤلف الأمريكي''كويتن ترانطينو'' وهي قصة مستوحاة من فيلم أمريكي اسمه ''خزان الكلاب'' تعالج قضية اللصوصية والإجرام في العالم ، إلى جانب مسرحية أخرى ''في انتظار فودو'' للمؤلف صامويل بيكت، أما آخر إنتاجاتي المسرحية ''القطار'' من إنتاج المسرح الجهوي عبد القادر علولة بوهران• للإشارة فإن هذا العمل المسرحي نلت به جائزة أحسن سينوغرافيا وأحسن أداء نسوي على الخشبة• من موضع المتابع كيف ترى حال ركح المسرح الجزائري؟ هناك غياب للثقافة المسرحية بالجزائر، بالإضافة إلى نقص الاختصاص في هذا القطاع الفني؛ حيث أن أغلب الفنانين وصوليون لا يملكون الخبرة الكافية، وهمهم الوحيد إنتاج العروض المسرحية دون التركيز على نوعيتها، وعليه تحول المسرح الجزائري إلى فضاء خصب للمرتزقة خاصة بعد أن كرس القطاع العام الرداءة، وهذا ساهم في استمرارية انزواء الطاقم الفني على نفسه والابتعاد عن كبار المؤلفين والروائيين والمسرحيين الجزائريين، وعدم فتح أبوابه على إبداعات الثانويين والجامعيين والهواة ومحبي المسرح في المؤسسات الإنتاجية • رغم ذلك نسجّل، في الآونة الأخيرة، بعض التجارب المسرحية النوعيّة التي أعادت الجمهور إلى المسرح؟ توجد بالجزائر تجارب مسرحية أول من ساهم فيها الفنان عبد القادر علولة وعبد الرحمن كاكي والفنان جمال حمودة، فكل هذه التجارب المسرحية نورت المسرح الجزائري لكن تبقى تجارب فردية وليست ظاهرة ببلادنا •• هل تعتقد أن دور المسرح هو اجترار المشاكل الاجتماعية على الخشبة؟ إلى حد ما، تجسدت بعض القضايا الاجتماعية في العديد من العروض المسرحية ببلادنا أي بإرسال شارات معينة عن الآفات والظروف لاجتماعية والسياسية التي مرت بها الجزائر مثل العشرية السوداء، ولذلك أصبح المسرح الجزائري يعاني مما يعانيه المسرح العربي في حالة سيئة لغاية، وذلك نتاج الظروف السياسية التي تسيطر على الأجواء العربية من صراعات داخلية وحروب أهلية• وكان من الضروري أن يكون هدف المسرح طرح قضايا على الخشبة وليس إعادة عكس الظواهر السلبية، لأن المسرح يبقى فضاء للجمال والفكر والفلسفة•• وليس فضاء للمطالبة السياسية• ما هو الدور المنوط بالمسرحيين الجزائريين من أجل دفع الحركة المسرحية خطوات إلى الأمام؟ ليس هذا دور القائمين والمهتمين بحركة المسرح فقط، بل دور الدولة أيضا، فالمسرح عمل جماعي سلعي يحتاج إلى دعم وتمويل وتفرغ وتدريب وملابس وفضاء مسرحي ومكياج، كما يحتاج أيضا إلى ممثلين•• لأن هذا المسرح لا يعوض تكاليفه، يخسر كثيرا ويجب على الدولة والمؤسسات أن تدعمه؛ فالمسرح يجب أن يكون موجودا هيكلا وكتابة وتمثيلا، فمادة الممثل الأساسية هي الفعل المسرحي والفعل يساعد على خلق الشخصية المسرحية، والنص المسرحي هو سلسلة الأحداث للموضوع المسرحي بالتقائية حسب المعطيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لتكوين البناء الدرامي، بعيدا عن الاصطناعية والتوجيهية• كل هذه الأدوار بإمكانها دفع الحركة المسرحية خطوة إلى الأمام، لأن المسرح يعتمد على فن التمثيل وقوة الأداء•• فمثلا سيراط بومدين والممثل حسن حسني والأستاذ عيادي، يملكون قدرات خاصة بفن التمثيل والأداء على الركح• وبعد غياب هذه الكوكبة من الفنانين أصبحنا لا نملك مسرحا قويا، لأن دور المسرح بالجزائر أفرغ من مهامه لظروف سياسية وأخرى مادية، وعليه تبقى الحركة المسرحية بحاجة إلى عملية انتقاء أدوار فعالة وممثلين جدد على الخشبة • كيف ترى العلاقة بين الجمهور والمسرح، وعلاقة المسرح بالتلفزيون ؟ أرى أن العلاقة بينهما مليئة بالفجوات، ويرجع ذلك إلى أن كل شيء جديد لا يقبله الجمهور العادي وهذا الجديد يحتاج إلى وقت طويل حتى يتم تقبله، والجمهور العريض يأتي عادة ليرى مسرحية يعرف أولها من آخرها، لكن ما يحدث اليوم أن إنتاج بعض المسرحيات بالجزائر تؤدي إلى النفور الجمهور أو رفضه•• لأي مسرحية جديدة، وبالتالي كل جديد، في حاجة إلى وقت حتى يتعرف عليه• أما الأمرّ من هذا هو أن التلفزيون خرب المسرح لأنه ساهم في إنتاج ممثلين ليس لهم القدرة في تشكيل خطة احترافية، فالفنان الجزائري له مستوى ضعيف مقارنة بالفنان المصري والتونسي• ونحن في الحقيقة لا نملك أدوات الإخراج، وذلك لأن المسرح والتلفزيون الجزائري يحتويان على أشباه مخرجين• ماذا عن رؤيتكم المستقبلية للوجوه المسرحية الجديدة؟ هناك أمل واسع بعد بروز وجوه مسرحية جديدة متعطشة للإبداع ومداعبة الركح وعليه، من الضروري جدا إنشاء منتخب مسرحي بإمكانه تعزيز الفن الرابع بالجزائر، إضافة إلى هذا من الأحسن اختيار نخبة من الممثلين وأقوى السينوغرافيين والمخرجين لتكوين فرقة مسرحية وطنية تساهم في إنجاح المسرح وإخراجه من أزمة الرداءة، وأنا أؤكد للفنانين الجدد أن الفن لا يصنع بالمال ولا بقرار إداري وإنما يصنع برجالاته، وإنني على قناعة تامة بأنه إذا استطعنا نحن المسرحيون أن نكتب ولو القليل، فإننا سنصل إلى تطور مسرحي وخلق فني يمكن أن تصبح بلدان المغرب مصدر إشعاع ثقافي وفني، ليس في المسرح فحسب بل في كل الفنون•