تعاني شريحة ذوي الإحتياجات الخاصة من مشاكل جمة وقفت عائقا أمام الكثير منهم لإكمال مشوارهم بشكل طبيعي، خاصة أنهم باتوا يعانون التهميش والعزلة التي خلفت عقدا لديهم بالنظرة الجارحة التي يتلقونها من قبل المحيطين بهم. هي فئة لا تزال فاقدة لأدنى حقوقها في مجتمع لا يملك أدنى ثقافة للتعامل مع أشخاص خلقوا أو تعرضوا لحوادث كانت سببا في إعاقتهم، لكنهم يتعرضون بشكل يومي لمضايقات بالنظرات الجارحة والكلام القبيح الذي زرع لدى البعض عقدا جعلتهم يتوقفون عن تحقيق حلمهم، أو تحدي إعاقتهم فانتهى بهم المطاف وهم غارقون في العزلة والوحدة القاتلة التي حملتهم ثقلا مضاعفا، فغالبا ما يشعر كثيرون بالنقص أمام المعاملة السيئة التي يتلقونها في المرافق العمومية أو المؤسسات خاصة أن أصحابها يقللون من قيمتهم ويظنون أنهم غير قادرين على القيام بالأشياء التي يقوم بها الأشخاص العاديون، لكن واقعنا المعيش يدل على أن الكثير من ذوي الإحتياجات الخاصة قرروا تحدي تلك العراقيل فحققوا نجاحا فاق ما حاز عليه الأشخاص العاديون، حيث أن أغلب ذوي الإحتياجات الخاصة يبدعون في كافة المجالات سواء العلمية أو الفنية، كما أن الكثير منهم حاولوا تغيير نظرة المجتمع لهم بإنجازاتهم فهناك نسبة كبيرة من الرياضيين والحرفيين من ذوي الإحتياجات الخاصة لكنهم تحدوا الأشخاص العاديين وشرفوا بلدهم بنجاحهم في مجالات مختلفة، في المقابل فإن كثير من الأباء لا يتقبلون ولادة أطفال معاقين فنجدهم يتركون المسؤولية لأمهاتهم ويتخلون عن من تربطهم بهم صلة دم لمجرد أنهم قد حملوا إعاقات، هذا ما دفعنا لرصد المشاكل التي تواجهها تلك الفئة خلال يومياتها، فمن بين من إلتقينا بهم “مراد” وهو شاب لم يتجاوز ال30 سنة لكنه عاش وحيدا يتيم الأبوين بعدما تخلى عنه والداه أمام دار الأيتام بسبب ولادته معاقا، فلم يجد من خيار سوى التسول بالشوارع ليوفر لقمة عيشه بعدما غلقت بوجهه جميع الأبواب للحصول على منصب عمل، هذا ما حدثنا عنه هذا المكفوف بقلب رهيف تتراكم فيه المعاناة التي عاشها لسنوات بدار الأيتام بعيدا عن ذويه، فقد روى لنا قصته بمرارة وأضاف أن ما جرح مشاعره أنه لم يجد من يسانده من أقاربه بعد سنوات من الألم في دار الأيتام. كما لا تختلف حالة الشابة “سعاد” عن سابقتها حيث علمنا من أمها أنها ولدت طفلة طبيعية لكن الحمى كانت سببا في فقدانها للبصر مما جعل والدها يهجرهما ولا يتحمل مسؤوليتهما لكنها لم تفكر يوما في التخلي عن فلذة كبدها لتوصلها إلى أعلى المناصب، حيث أكدت أنها بدأت بتكوينها في المركز الخاص بالمكفوفين لكي تستطيع مواصلة دراستها بشكل طبيعي كغيرها، وهو ما شجع ابنتها على متابعة دراستها إلى أن حازت على شهادة البكالوريا بتفوق لتحقق حلمها في دخول جامعة الإعلام، وعن الصعوبات التي واجهتها فتقول أنها تضع إجابة الإمتحانات بالكتابة الخاصة بالمكفوفين لتعرض بعد ذلك على المختصين لتصحيحها، كما أن إخوتها يساعدونها على حفظ المحاضرات، حيث أنها حازت مؤخرا على شهادة الليسانس وهي تحضر للماجستير لتحقق حلمها أن تكون مذيعة مستقبلا. معاقون بين المعاناة والتهميش تعاني شريحة ذوي الإحتياجات الخاصة من الإهمال والتهميش، فبالاضافة لإعاقتهم فإن أغلبهم يظلون غارقين بشبح البطالة، أمام رفض أرباب العمل تشغيل تلك الفئة فقد مر الكثير منهم بتجارب مريرة بعد سعيهم الذي دام لسنوات للحصول على منصب عمل، فبالرغم من إمتلاكهم لشهادات علمية أو تكوينية فإن محاولاتهم غالبا ما تبوء بالفشل نظرا للفكرة الخاطئة التي يحملها أصحاب الشركات، والمتمثلة في عدم قدرتهم على القيام بأعمالهم على أكمل وجه، حيث أننا علمنا من “مراد” صاحب ال27 عاما أن جميع محاولاته باءت بالفشل نظرا للمعاملة السيئة التي تلقاها من صاحب الشركة الذي جرح مشاعره بالنظرات التي وجهها له، كما أضاف أنه لم يسلم من الإنتقادات التي وجهها له أنه غير قادر على فعل شيء، حيث كشف لنا أنه بالرغم من حصوله على شهادة الماجستير إلا أن الكثير من الشركات التي قصدها ترفض توظيفه لمجرد أنه جليس الكرسي المتحرك، فحسب قوله فإنهم يضعون أهمية للمظاهر لا للقيمة الثقافية للشخص فيحكمون عليه من دون تجريبه. أما “فريدة” فقد فقدت الأمل في الحصول على وظيفة بالرغم من حصولها على شهادة الليسانس في الترجمة، بعدما تعرضت للمضايقات من قبل العاملين بإحدى الشركات التي قصدتها، وكانت آملة أن تخرج منها وهي حاصلة على وظيفة تتوافق مع مستواها، لكنها كشفت لنا أنها شعرت أنها مهانة بعدما قامت إحدى الموظفات بالإستهزاء بها مما زرع لديها عقدة دفعتها إلى المكوث في البيت خوفا من نظرة المجتمع الجارحة لها. حوادث المرور والأخطاء الطبية تخلف ألاف المعاقين في الجزائر بات إرهاب الطرقات من ضمن الأسباب الرئيسية التي تخلف ألاف المعاقين أمام ما سجلته مديرية الأمن الوطني خلال سنة 2012، حيث أحصت ما يقارب 13328 حادث مرور خلال الستة أشهر الأولى لنفس السنة، حصدت ألاف القتلى والمعاقين كما أن إهمال المتابعة الدورية لمرضى السكري من ضمن الأسباب الأخرى التي تتسبب في بتر القدمين للمرضى، كما تخلف الأخطاء الطبية ألاف المعاقين الذين يدمر مستقبلهم ويعيشون حياة إجتماعية غير طبيعية نظرا لعدم تقبلهم لوضعيتهم الجديدة، لكن للأسف فإن حماية تلك الفئة من تلك المخاطر باتت غير متاحة بالنسبة لهم كونهم يظلون محرومين من التأمين الإجتماعي والمنحة، وإن توفرت فإنها لا تكفي إلا لشراء شيء قليل من إحتياجاتهم، فيبقى أقاربهم من محدودي الدخل يتكبدون حملا ثقيلا وهم حائرون بين توفير إحتياجاتهم الكثيرة والإعتناء بهم، كما أن ذوي الإحتياجات الخاصة من الصم والبكم يعانون من التهميش نظرا لصعوبة تواصلهم مع المحيطين بهم، وكذا عدم تمكنهم من ربط علاقات إجتماعية فكثير منهم لم تتوفر لهم الإمكانات للعلاج كونهم لم يجدوا من يدعمهم ماديا ولا معنويا في مجتمع يظل يميز بينهم وبين الأشخاص العاديين، ولايعيرهم أهمية مما يزرع لديهم عقدا نفسية تجعلهم يشعرون بالنقص وخيبة الأمل، فبالرغم من توفير بعض مراكز التأهيل الخاصة بهم إلا أنها لا تتوفر على الإمكانات التي تتوافق مع وضعيتهم، كما أن نقص المختصين بهذا المجال جعلهم لا يجدون من يتكفل بحالتهم على أكمل وجه، فمن بين الحالات التي أثرت فينا ما حدث لعائلة الطفلة “منال” التي لم تتجاوز السنتين، والتي ولدت كطفلة طبيعية إلا أنها تحولت لمعاقة بفعل الخطأ الذي إرتكبه أحد الأطباء بمستشفى مايو، حيث أكدت لنا والدتها أن جرعة الفاليوم التي أعطاها أحد الأطباء لطفلتها كانت سببا في توقف نموها، كما أدت لإعاقتها حيث أضافت لنا والدتها أنها لم تقدر على علاجها ولم تتلقى تعويضا عن هذا الخطأ الفادح كما أن الطبيب لم ينل عقابه. مراكز وجمعيات تتكفل بذوي الإحتياجات الخاصة كثيرا مايظن البعض أن المعاق غير قادر على تقلد مناصب الأشخاص العاديين، إلا أن ما يعرضه المعاقون من منحوتات وما يبدعون في صناعته من حرف تقليدية بتربصهم في مراكز التكوين المهني، خير دليل أنهم يمتلكون مواهب خارقة للعادة.. فبعد زيارتنا لمركز التكوين المهني المتواجد بالقبة، والذي تم إفتتاحه بمناسبة اليوم العالمي للمعاق، لاحظنا إزدحام تلك الفئة التي إغتنمت الفرصة لتنمي مواهبها بعدما أتاح المسؤولين عن هذا المشروع لمختلف الفئات التكوين بكافة المجالات المماثلة للتخصصات الجامعية، وكذا تعلم تقنيات صناعة الحرف التقليدية، حيث لاحظنا توفر مترجمي لغة الإشارات لفئة الصم والبكم الذين وجدناهم يختارون التخصص الذي يتوافق مع رغباتهم، حيث كان لنا لقاء مع المسؤول عن المركز بلعالم سعيد، الذي أكد خلال حديثه أن الهدف من إنشاء المركز هو ضم الأشخاص المعاقين جسديا لإعادة إدماجهم وتأهيلهم بالتخصصات التي يختارونها، خاصة أن المركز يضم شعبا متنوعة كما يمكن للمرضى المزمنين أن يستفيدوا من التكوين والتعليم المهنيين، كما يوجه المترشحين المعاقين جسديا نحو الإختصاص المفضل لديهم حسب قدراتهم الجسدية، حيث يتم توجيههم من قبل فرقة متعددة التخصصات مكونة من طبيب ومختصة نفسية، إضافة لمستشارة توجيه وعن الإمكانات المتوفرة بالمركز، فيقول المتحدث ذاته أن كافة المتربصين يستفيدون من نظام نصف داخلي إضافة لنظام داخلي للقاطنين خارج الولاية، إضافة لمكتبة تتوفر على أجهزة إعلام ألي موصلة بشبكة الأنترنت، في حين كشف المتحدث ذاته عن تواجد نظام داخلي للفتيات يضم 60 سريرا وللذكور يتوفر على 30 سريرا، كما أشار في نهاية حديثه أن المركز ينظم زيارات بيداغوجية وثقافية تسمح للمتربصين من المعاقين بالتوجه للمراكز الثقافية والمتاحف الأثرية كما تضم نزهات للراحة والترفيه. كما تكثف العديد من الجمعيات على غرار “ناس الخير” باليوم العالمي للمعاقين الموافق ل9 ديسمبر نشاطها بهدف مساعدة ومساندة تلك الفئة خاصة المحدودة الدخل بالإمكانات المادية، حيث أكدت لنا رئيسة جمعية حماية وترقية المرأة، دريدي نادية، أن الكثير من الأمهات يعانين من مسؤولية ثقيلة سواء بالتكفل بأزواجهم المعاقين أو أطفالهم الذين تم تركهم من قبل أبائهم الذين لم يتقبلوا ولادة أطفال معاقين، فتركواالحمل الثقيل لأمهاتهم لهذا فهي تؤكد أنها تحاول مساعدة هؤلاء الأمهات من خلال جمع تبرعات المحسنين، سواء بتوفير الحفاظات الكبيرة الحجم والكراسي المتحركة أو بمنحهم معاشا شهريا خاصة وأن المنحة المقدرة ب4000 دينار لا تكفيهم كما أن الكثير منهم لم يستفيدوا من تلك المنحة.