الفنانة التشكيلية الشابة فهيمة ثابت ل”السلام”: فهيمة ثابت من ولاية ميلة، 29 سنة متحصلة على شهادة ماستر في الإعلام الآلي تخصص أنظمة معلومات وتكنولوجيا الويب، فتاة بسيطة، فنانة عصامية تبحث عن معاني الحياة بين الحروف والكلمات، بين الريشة والألوان، تعشق جمال التفاصيل وعمقها، تسعى لأن يدركها عقلها وقلبها ويلامسها الآخر من خلال ريشتها. حاورها: أ.لخضر . بن يوسف كيف أتيت إلى الفن التشكيلي؟ حقيقة، الفن هو من أتى إلي، فتح بابا نحو قلبي منذ أن كنت في المرحلة الإعدادية من دراستي، كنت أحب حصة الرسم كثيرا وكنت أميل إلى ممارسة هذه الهواية برسم الإنمي أغلب الأحيان كلما رأيت صورة ما تنال إعجابي وكنت أسعى لأن أكمل اللوحة في أبهى صورة. أما دخولي لعالم الفن التشكيلي من بابه الواسع محاولة بذلك صقل موهبتي فيه وإتباع الطريق الصحيح له، فقد كان منذ سنة ونصف تقريبا. متى بدأت تشعرين بهاجس الفن التشكيلي؟ سابقا كنت أرى بأني لازلت بعيدة عن عالم الفن التشكيلي، لكن ولحسن حظي، بدأ يتكون عندي هاجس هذا الأخير كي أخوض غماره في مبادرة لتزيين الشوارع بمدينة ميلة، كنت قد شاركت فيها بالصدفة مع زملاء لي، وقد كانت أول تجربة لي مع رسم الجداريات، ذلك ما دفعني لعقد العزم والدخول إلى عالم الفن التشكيلي وإطلاق العنان لريشتي كي أرى ما ستبدع فيه، إلا أنني بقيت مترددة دون أي سبب، إلى أن أتت اللحظة التي جعلتني أتخذه كتحدي، كان لا بد منه للخروج من حالة نفسية صعبة مرت علي وقتها، وهي فقداني لابن أختي الصغير عبد الغفور رحمه الله، ببساطة الحزن ما جعلني أستنجد بريشتي واللوحات كي أسند نفسي عليها وتكون ملاذي لرؤية بعض النور. كل فنان له تمثل للوحة، حدثينا عن علاقتك الخاصة بهذا الوسيط التعبيري الحديث و المعاصر؟ بالنسبة لي اللوحة التشكيلية مهما كان نوعها أو نوع فنها أو المدرسة المنتمية لها، تعبر عن رؤية ترتبط بشكل كبير بالوحي والإبداع والإلهام أيضا وتحمل بين طياتها دلالات لا يقدرها ولا يعي معانيها إلا المتعمق والمدقق فيها، أرى أن اللوحة بإمكانها أن تسافر بنا لعوالم أخرى بين الواقع والطبيعة لأنها ببساطة ترجمة للكثير من الرؤى والأفكار سواء كانت تقليدية أو غير تقليدية، والمشاعر والحدس أيضا، وذلك بطريقة تعبيرية من خلال اللوحة أو الفن التشكيلي بالعموم. كيف تقاربين المسألة الفنية في ضوء هذه المعادلة الصعبة..الأخلاقي والجمالي، وما هو رهانك النوعي؟ إن المقاربات والمواضيع التي تفضي إلى خلق العمل الفني ترتبط برؤية الفنان وبمخيلته وقد تكون امتدادا لشخصيته أيضا، فالفن هو بمثابة تواصل بمفاهيم لا يمكن للكتابة وحدها التعبير عنها، ولأن الكلمات وحدها لا تكفي للتعبير عنها لا بد من ابتكار وسيلة أخرى تحمل نوايا الفنان، لكن يبقى المحتوى الذي نغرسه في الوسيطة الفنية يكمن في كيفية استخدامنا لها وأسلوب إيصالنا لمحتواها أخلاقيا وجماليا أيضا، فاللوحة هي انعكاس للفنان أولا وأخيرا، أما عني فأرى أن الفن الجميل هو الذي ينجح في تصوير أشد انفعالات الفنان المتوخاة عمقا من خلال اللوحة مهما كانت نوعها، لأن الفارق الجوهري بين الفن والجمال يكمن في أن الفن متعلق بمن يقدمه أما الجمال فمتعلق بالناظر إليه، أما رهاني النوعي فأنا أسعى لتقديم ماهو جميل ذو مشهد تصوري، يحمل معنا وحسا أيضا. هل يحتاج الفنان التشكيلي إلى جو نفسي معين لكي يرسم و يبدع، هل ثمة طقوس معينة لا تولد اللوحة إلا في حضرتها؟ نعم أكيد، الفنان يجب أن تكون له رغبة جيدة ومزاج جيد كي يرسم ويبدع، فالمدة التي تستغرقها أي لوحة فنية تعتمد على مزاجه وحالته النفسية. أما بالنسبة للطقوس فأظن أن كل فنان يختلف عن الآخر لكن برأيي لا تتطلب ولادة اللوحة لأي طقوس معينة، ربما فقط بعض الهدوء أو الموسيقى أحيانا حسب كل فنان. هل بالضرورة أن تنطوي اللوحة التشكيلية عن معان محددة، أم أن الأفضل أن يفسرها كل متأمل لها كما يشاء؟ ليس بالضرورة أن تنطوي اللوحة على معان محددة، قد يبدو العمل الفني مباشرًا أو معقدا، غامضًا أو جليا، واضحًا أو عبثيا، قد تبعث الأعمال الفنية على الدهشة أو السخرية، الأمل أو اليأس، الإعجاب أو النفور، فاللوحة التشكيلية كما قلت سابقا هي ترجمة لتصورات كثيرة وأفكار، وهي ترجمة لأحاسيس ومعاني يوصلها الفنان للآخر بريشته، أما تفسيرها من المتأمل فيها أو الناظر إليها فيقاس من خلال مدى انغماسه في العمل الفني، فقد يكون تفسيرا ظاهريا فقط وقد يكون متعمقا فيه. النقد إعادة خلق لأي عمل فني، فهل ثمة حركة نقدية في بلادنا، تتماهى والفن التشكيلي، هل يوجد النقد المتخصص أم أن حركة النقد متخلفة عن حركة إبداعاتكم في إطار التشكيل؟ حقيقة، نحن الشباب المقبلين لعالم الفن التشكيلي نسعى لتطوير مواهبنا وصقلها وتقديم إبداعاتنا للساحة الفنية، وبما أن أغلبيتنا عصاميون، دائما ما نأمل لإيجاد التوجيه الصحيح والصادق لذلك، والنقد والنقاد الفنيين يتمثل دورهم في هذا الشأن، لكن غياب الحركة النقدية تؤثر على ازدهار الحركة الفنية التشكيلية المرتبطة بالتوازي بالفنانين والنقاد والمجتمع أيضا، فكل له دوره في البحث عن النقائص لتداركها وعن الإيجابيات لتقويتها، أما عن النقد المتخصص والذي يعتبر حافزا وبابا يفتح آفاقا جديدة وواسعة نحو الفنان للإبداع والإنتاج المتواصل من خلال ما يقدمه من نصائح فنية ذات أسس علمية، فنجده أيضا غائبا عن الحركة الفنية والذي غرضه تشجيعها أساسا وتعزيز الثقافة الفنية في مجتمعنا، فالفن التشكيلي هو لون من ألوان الثقافة ومظهر من مظاهرها، والذي يعبر به الفنان عن واقع مجتمعه، ويؤثر به في الحركة النقدية الفنية كما تؤثر هي فيه أيضا. الفن التشكيلي موجود، لكن بسبب قلة الجانب الأكاديمي الصحيح لم يتم توظيف مواهب الشباب بالشكل السليم الذي يظهر هذه الإبداعات التي فقط تحتاج لبعض من التوجيه لتظهر بأكمل وجه، ما رأيك؟ قلة الجانب الأكاديمي تصعب على الفنان مساره الفني، لغياب التوجيه الصحيح والدائم طبعا لكن غياب الجهات الفنية والمسؤولة عن العنصر الثقافي الذي يظهر مواهب الشباب أيضا له دور في ذلك، من خلال مصداقية المبادرات الفنية والصالونات التي تعتبر فرصة لإظهار المواهب واحتكاك مختلف الفنانين ببعض لاكتساب التجارب وتبادل الخبرات فيما بينهم. هل لا بد أن يكون للعمل الفني التشكيلي كما للشعر وظيفة اجتماعية أو سياسية أو يكتفي بالوظيفة الجمالية؟ الفن التشكيلي رسالة ووسيلة يعبر بها الفنان عن مكنوناته وتصوراته الفكرية ومشاعره الحسية وأفكاره المختلفة أيضا، فالفنان لا يكتفي بإظهار جمالية العمل الفني وفقط، فالريشة سلاح كما القلم توصل صوتها عن طريق حاملها. ما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في الفنان التشكيلي؟ من وجهة نظري أرى أن الفنان يجب أن تتوفر لديه الموهبة أولا، الحس الفني، والنظرة المتعمقة في الأشياء. شاركت في العديد من المعارض المتميزة محليا ووطنيا، فما هي القيمة المضافة التي أتت بها لحضرتك؟ نعم كانت لي مشاركات محلية ووطنية في معارض وصالونات فنية منها الصالون المحلي الرابع للفنون التشكيلية بولاية ميلة، ومشاركة أخيرة قبل شهر في الصالون الوطني النسوي للفنون التشكيلية بعين تيموشنت، مما جعلني أحتك بفنانين ومواهب مختلفة من مختلف الولايات، اكتسبت خبرة من بعضهم وتطلعات حفزتني للتعلم وتقديم الأفضل مستقبلا إن شاء الله. ما قيمة الجائزة في مشوارك الفني؟ الجائزة ماهي إلا تحفيز للفنان كي يستمر عطاءه وإبداعه وتقديم الأفضل دائما، كما أنها وسام للإبداع الفني والتي ستخلد مشواره ومساره. هل وصلت الفنانة فهيمة إلى المكانة التي تليق بها برأيك؟ لازلت أخطو خطواتي الأولى في عالم الفن التشكيلي، هذا العالم الكبير الواسع الذي لا ينفك يحمل كل جديد، أسعى للسير بثبات وتأني في مشواري الفني كي أصل للمستوى أو المكانة التي تليق بما تقدمه ريشتي. المجتمع والناس والحياة والوجود والهموم والتساؤلات أقاليم متعددة، كيف تنظرين إليها بمفهوم اللوحة؟ ببساطة اللوحة من منظوري هي ترجمة لهذه الأقاليم ونافذة تأملية نحوها، وبحد ذاتها تعبر عن فكرة أو صورة وجودية للحياة. ماهو جديدك في عالم الرسم؟ لازلت منغمسة في عالم الألوان الزيتية حاليا وقلم الرصاص، حيث كانت لي وقفة هذه الفترة مع رسم البورتريهات بقلم رصاص، وأحاول إنجاز لوحة جديدة ستكون بورتريه بتقنية الألوان الزيتية. مشاريعك وطموحاتك المستقبلية كأي مبدع في هذا المجال لدي الكثير من الطموحات، أطمح للتوغل في هذا العالم من كل جوانبه والوصول إلى مستوى احترافي في الفن التشكيلي، تعلم مختلف التقنيات وتجربة التنوع بين المدارس الفنية فيه، أسعى لان تكون لي ورشة فنية خاصة بي ، والأهم من هذا كله أطمح لأن يكون فني إنساني ذا قيمة فنية حسية وجودية رسالية أيضا. كلمة أخيرة كلمة أقولها لكل مبدع في كل المجالات، الإبداع يتطلب الشجاعة بالاستمرار، فبالاستمرار ننجز، النجاح ليس النهاية والفشل ليس قاتلا، قف على عتبات الحلم مهما كان بسيطا فبدون حلم لن نلمس الغمام ! كملة شكر لكم أستاذ ولجريدتكم على هذا الحوار الثري.