لم تكن إذا، في ثمانينيات القرن الماضي، عمليات تحويل الطائرات المدنية بدعة، وفي هذه الأثناء كان الحاج محمد الطاهر، في زيارة للتواصل مع الحركات النشطة على الساحة اللبنانية، فكان عليه أن يلتقي «الأخ الشهيد عماد مغنية». ترك له «خبرا» عند سماحة السيد محمد حسين فضل الله، وانتظر نحو أسبوع دون أن يأتيه رد، وكان موقع الحاج محمد الطاهر، معروف ففي الظروف العادية يقيم في فندق «سمرلند»، وعندما يتردى الوضع الأمني يقصد مبنى السفارة الجزائرية. ولم يكن مطلعا على نشاطه سوى صديقه مدير مكتب وكالة الأنباء الجزائريةببيروت، عبد المجيد بن حديد فهو أمين سره، وهو من كان عليه تبليغ السلطات الجزائرية في حال أصاب صديقه أي مكروه. انتظر الحاج محمد الطاهر، أن تصله إشارة للقاء عماد مغنية لكن الأمر تأخر، وفي إحدى المرات يقول الضابط السامي في المخابرات الجزائرية، إنه خرج للتجول في سيارة صديقه عبد المجيد بن حديد، وكان الوقت بين الواحدة والثانية زوالا في شهر الصيام. وبينما هما كذلك، إذ مرا ببناية نصف مهدمة من القصف الإسرائيلي وعند مدخلها شاب يحمل سلاح «كلاشينكوف». ولاحظ الحاج محمد الطاهر، مكتوب على البناية بحروف جد صغيرة عبارة «حزب الله» ولم يكن وقتها «حزب الله» قد ظهر نشاطه كتنظيم جديد في ساحة المقاومة اللبنانية. لفتت العبارة انتباه الحاج فاستشعر بحسه الثوري وحدسه المخابراتي أمرا ما، فتوقف قصدا أمام الشاب الحامل لسلاحه، والجميع كان مسلحا في تلك الفترة ببيروت باستثناء «الدولة»، فترجل من السيارة وترك صديقه عبد المجيد بن حديد فيها، وألقى السلام على الشاب وتعمّد الحديث إليه باللهجة الجزائرية سائلا إياه عن «الأخ عماد» إن كان موجودا. فرد الشاب باستغراب: «عفوا، مين مين؟». فأجابه الحاج محمد الطاهر: «عماد مغنية». فرد الشاب ثانية: «عفوا، لا أعرفه». فاعتذر الحاج وتركه متجها نحو السيارة. وبينما هو كذلك إذ نادى عليه أن توقف. فتوقف الحاج واستدار إليه. ثم نادى الشاب زميلا له كان داخل البناية فأقبل الأخير على الحاج فرحب به «بأدب وكانت مظاهر الوعي السياسي بادية عليه»، ثم سأله من يكون. فذكر له الحاج محمد الطاهر اسمه، ثم سأله عن هويته، فرد الحاج بكونه جزائريا، فسبقت جزائريته الثورية شخصيته، ودعاه وصديقه بن حديد إلى غرفة بين الركام داخل البناية كانت تضم سلاحا مخبأ من نوع (ميم باد). وخلال ساعة من الانتظار طمأن الحاج محمد الطاهر، رفيقه مدير مكتب وكالة الأنباء الجزائريةببيروت، عبد المجيد بن حديد، الذي بدت عليه مظاهر الاضطراب، وقال له إن وصول اسمه لأي من مسؤولي فدائيي المقاومة كفيل بأن يجنّبهما أي أذى أو مكروه . بعد نحو ساعة من الانتظار بين الركام وأثار الحرق، وصل عماد مغنية، واعتذر من الحاج محمد الطاهر عن طبيعة المكان. فقال له الأخير أنه مستعد أن يذهب معه إلى السجن ولكن يفضّل أن يتحدثا في مكان آخر. فاتجهوا إلى مكان قريب. ولكن في الطريق أسر عماد مغنية للحاج وهما يسيران جنبا إلى جنب، ومن خلفهما عبد المجيد بن حديد: «لدينا مهمة فهل من الممكن أن تساعدنا فيها؟». فرد الحاج محمد الطاهر، بالإيجاب إذا كانت المهمة في صالح المقاومة اللبنانية، وكان بمقدوره تحقيق المساعدة. وهنا أفصح عماد مغنية عن طبيعة المهمة: «نريد خطف طائرة أمريكية لتحرير مئات من أسرى المقاومة لدى الكيان الصهيوني». فتساءل الحاج محمد الطاهر، عن سبب خطف طائرة أمريكية إذا كان الأسرى محتجزين في سجون الكيان الصهيوني. لم يتأخر عماد مغنية في الرد: «أنت تعرف ونحن نعرف أن أمريكا هي الجهة الوحيدة التي يمكنها الضغط على إسرائيل». فسأله الحاج محمد الطاهر: «إذا كنت قد أعددت للمهمة فلماذا لا توجه الطائرة المخطوفة إلى إسرائيل؟». فأجابه عماد مغنية: «تحرينا عن هذا، ووجدنا أن إسرائيل بمجرد دخول الطائرة المخطوفة أجواءها ستسقطها بخاطفيها ومخطوفيها ولا نريد قتل الناس». يقول محدثنا الضابط السامي في جهاز المخابرات الجزائرية، إنه بمجرد سماعه حديث المرحوم الشهيد عماد مغنية، وانطلاقا من تجربته في التنظيم السري للثورة رد عليه بالتالي: «أنا مبعوث رسمي من الدولة الجزائرية، وبناء على هذه الصفة أرد على طلبك رسميا بلا. مرفوض الإتيان بالطائرة المخطوفة إلى الجزائر. ولكن كحاج محمد الطاهر المجاهد الثوري، أعدك بأنه في حال نفذتم مهمتكم وجلبتم الطائرة إلى الجزائر، وكنت على قيد الحياة ولم تقتلوا أي رهينة، بأن شبابكم لن يسلّموا إلى العدو». بعد اللقاء يقول الحاج محمد الطاهر، إنه كان مضطرا إلى إخبار صديقه عبد المجيد بن حديد، بما دار بينه وبين الشهيد عماد مغنية للضرورة، «ولكنني وأقولها للتاريخ، عندما عدت إلى الجزائر لم أبلغ بالموضوع». عندما اغتيل عماد فايز مغنية، في تفجير سيارته بالعاصمة السورية دمشق بحي كرفوسة عام 2008، وصفت نشرات الأخبار الإسرائيلية الحدث: «بتصفية أخطر إرهابي في الشرق الأوسط منذ 30 سنة». وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، إن «العالم بات أفضل دونه». ونقلت وسائل الإعلام أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، استقبل مدير الموساد في بيت إجازته في الجليل يوم دفن المرحوم عماد مغنية وأثنى عليه. ورغم أن إسرائيل نفت تورطها في اغتياله إلا أن اعترافات جاسوسها إياد يوسف نعيم، على التلفزيون الرسمي السوري بتاريخ: 17 سبتمبر 2011، أكدت أن الموساد بالتعاون مع جهاز مخابراتي عربي يقف وراء الاغتيال. كان عماد مغنية، وقت اغتياله على رأس المقاومة الإسلامية أي الذراع العسكري ل«حزب الله». وكان قبلها مطلوبا للعدالة في أكثر من جهة دولية. ولد بتاريخ 07. 12. 1962. بدأ نضاله في صفوف حركة فتح الفلسطينية، وانتهى به المطاف أعلى قائد عسكري لحزب الله. وهذا يعني أنه كان شابا في العشرينيات من عمره وقت لقائه بالضابط السامي في المخابرات الجزائرية الحاج محمد الطاهر، بداية الثمانينيات من القرن الآفل. ولكن نجمه كان لامعا على لائحة المطلوبين لأمريكا وفرنسا بعد أن قاد ثلاث عمليات مدوية عام 1983 هي: تفجير السفارة الأمريكية في بيروت مخلفا 63 قتيلا أمريكيا. وتفجير مقر قوات المارينز في بيروت مخلفا 241 قتيل أمريكي. وتفجير معسكر الجنود الفرنسيين في البقاع مخلفا 58 قتيلا فرنسيا. وفي 14 جوان 1985، كان عماد مغنية ينجز مهمته التي أسر بها للحاج محمد الطاهر. كانت طائرة TWA الأمريكية تقلع في العاشرة وعشر دقائق صباحا من مطار العاصمة اليونانية أثينا متجهة إلى العاصمة الإيطالية روما، وعلى متنها 153 راكب. بعد استواء الطائرة في السماء في رحلتها رقم 847 تم تحويل اتجاهها نحو العاصمة اللبنانية بيروت.
وهناك بقيت الطائرة راسية بضع ساعات، وتم خلال ذلك إطلاق صراح 19 رهينة مقابل التزود بالوقود. وأقلعت الطائرة نحو وجهتها الجديدة لتحط بمطار الجزائر.