أحصت مصالح الدرك الوطني انتحار 32 شخصا من الجنسين على مستوى العاصمة منذ بداية السنة الجارية إلى غاية شهر سبتمبر، بالإضافة إلى 12 حالة أخرى تم التدخل فيها من قبل مصالح الأمن الوطني منها ما أفضى إلى الوفاة ومنها من تم إسعافها على الفور، وتحتل الإناث حصة الأسد في هذه المحاولات. قد تختلف أسباب الانتحار من فئة إلى أخرى، كما تختلف بين الجنسين، إلا أن الأسباب في مجتمعنا تقريباً تدور في حلقة واحدة وأهمها حسب الإحصائيات والمتحدث من مصالح الدرك الوطني أنها تتمثل في المشاكل العائلية، الأمراض النفسية، العوامل السوسيواقتصادية، والاحتجاجات. المشاكل العائلية تحتل الصدارة الأوضاع المعيشية الصعبة، والبطالة أدت إلى ازدياد وتيرة المشاكل بقوة في الأسرة، و تكون أغلب المشاكل الأسرية سببها تداعيات هذه الأوضاع المعيشية الصعبة، و من هذه الحالات نجد حسب الإحصائيات محاولة انتحار التي وقعت في الدارالبيضاء للمراهقة (ب.ا) ذات17سنة، طالبة في السنة الثالثة متوسط، بسبب مشكل عائلي تمثل في تأخرها عن الرجوع إلى المنزل بعد الانتهاء من المدرسة، أنبتها أمها على ذلك ولم تتحمل الأمر فتناولت كمية من مبيد الحشرات في علبة الياغورت كرد فعل على تصرفات والدتها، وأيضا شاب آخر حاول الانتحار بسبب أن والده أعاد الزواج للمرة الثانية، فحرق نفسه بالبنزين، وفي قصة أخرى غريبة، والتي وقعت بالروبية، أم سممت ولديها وانتحرت فيما بعد، بسبب زوجها الذي يضربها باستمرار، ورغم أنها رفعت شكوى ضده بمصالح الشرطة فلم يتغير شيء. وحالة المرأة المتزوجة في بئر خادم والتي تعاني مشاكل عائلية مع زوجها، فهي تعيش معه في انتظار الطلاق، عمدت إلى قطع عروقها بشفرة الحلاقة، بالإضافة إلى حالة الشاب (ب.م.ع. رضا) من الحميز، والذي رمى نفسه في السكة الحديدية، لحظة مرور القطار، كل هذه الحالات ورغم اختلاف طرقها ومناطقها، إلا أنها كانت نتيجة ضغوطات اجتماعية صعبة جعلت أصحابها يضعون حدا لحياتهم في لحظة غضب. وقد وجدت الأمراض النفسية أيضا نصيبا لها في الظاهرة، كالاكتئاب والوسواس القهري والهستيريا والصرع والقلق النفسي، وغيرها من مشاعر اليأس التي تلعب دورا في التمهيد للظاهرة، وأيضا الأمراض المستعصية التي تؤثر سلبا على المرضى، كحالة الشاب الذي طعن نفسه مرتين في البطن بالسلاح الأبيض، وأيضا محاولة انتحار شاب من مواليد 1988 من خلال رمي نفسه من الجسر، والذي تبين فيما بعد انه مختل عقليا، وكذلك حالة (ج .ح) المختلة عقليا، بالإضافة إلى سيدة متزوجة وأم لأربعة أبناء والتي حاولت الانتحار لأسباب عائلية من خلال شرب «حمض أسيد الصوديوم» في حمام منزلها، كما يدفع الإدمان على الكحول والمخدرات إلى التفكير في وضع حد للحياة، وقد أشار محدثنا إلى ضرورة توفر الوازع الديني للحد من انتشار مثل هذه الأفكار الخطيرة، إضافة إلى العوامل السوسيو اقتصادية كالفقر والعجز عن تحقيق رغبات وطلبات الأبناء والزوجة بالنسبة لكبار السن. وتتكرر حالات الانتحار أو محاولات وضع حد للحياة بالنسبة لكبار السن مع اقتراب الأعياد الدينية، ويصنف الرسوب المدرسي والفشل في تحقيق الأهداف في الدرجة الثالثة من الأسباب التي أجمعت الدراسات الأكاديمية والنفسية المنجزة في الجزائر حول هذه الظاهرة، كما أكد المتحدث من مصالح الدرك الوطني أنه في الآونة الأخيرة ظهرت أسباب جديدة، فكل من يحتج عن فعل معين يفكر مباشرة في الانتحار، ومن العينات التي أخذناها والتي وقعت في 18 /08 /2011 محاولة الانتحار، والتي كان الأب ممثلها الرئيسي، حيث أفرغ «المازوت» على جسده وعلى بناته الأربع احتجاجا على قرار منعه من ممارسة تجارته في مكانه المعتاد، وفي قصة هي الأخرى غريبة لعامل وقع له حادث ولم تعوض له المؤسسة المعنية بالأمر، الشيء الذي أدى به إلى محاولة الانتحار من خلال إحراق نفسه بالبنزين، وما وقع ببلدية برج الكيفان في 06 /07/ 2011 من خلال محاولة سبعة أشخاص الانتحار احتجاجا على عدم ادراج أسمائهم في قائمة المستفيدين من السكن. وتشير الإحصائيات التي حصلنا عليها من مصالح الدرك الوطني أن الطرق الأكثر استعمالا تتمثل في الشنق بواسطة الحبل وتناول كمية كبيرة من الأدوية ومواد سامة، ناهيك عن الانتحار بالقفز من الأماكن العالية، خصوصا الجسور وطوابق العمارات وسطوحها أو حتى تحدي القطارات في السكك الحديدية. حسب الإحصائيات التي حصلنا عليها من مصالح الدرك الوطني نجد أن المنتحرين من فئة الذكور يذهبون مباشرة لوسيلة الشنق على عكس المنتحرات اللواتي يلجأن إلى طرق أخرى أسرع وأسهل، وقالت الأخصائية النفسانية «فاطيمة،ط» أن تركيبة الجنسين هي التي تؤدي في كثير من الأحيان إلى اختيار كل واحد من المنتحرين وسيلته المفضلة والمناسبة له في الانتحار، على الرغم من أنه مهما اختلفت الوسيلة فتبقى الغاية واحدة، والنتيجة في الغالب هي الموت المباشر أو البطيء، وتأكد أيضا أن الجنس الأنثوي يبحث عن الوسيلة السهلة للانتحار بحكم طبيعتها وتركيبتها البشرية، حيث تبتعد الفتيات عن الطرق التي تسبب المعاناة، على عكس الجنس الذكوري الذي لا يجد مشكلة في الموت البطيء التحضير لعملية الانتحار، كما أنهن يتخذن غالبا قرار الانتحار بسرعة وينفذنه بسرعة أكبر، نظرا لغريزة الخوف التي تتملك كل واحدة بشكل كبير مقارنة مع الخوف الذي يتحكم في الرجل عندما ينوي الانتحار شنقا. مختصون في الشريعة يؤكدون: مهما كانت الأسباب فالحكم واحد ولا جدال فيه تحدث أحد أئمة مساجد جسر قسنطينة عن ظاهرة الانتحار حين سألناه عنها بأنها ذات أهمية خصوصا وأنها انتشرت في مجتمعنا بشكل كبير، وتطرق أيضا إلى أن القرآن العظيم لم يغفل هذه الظاهرة، وعالجها العلاج الأمثل في الآية الكريمة بعد بسم الله الرحمان الرحيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا(29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا(30) إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا(31) ) من سورة النساء. وتعتبر ظاهرة الانتحار ظاهرة قائمة بذاتها في مجتمعنا، وهذا الأخير أصبح يساعد في انتشارها من خلال التعتيم على الأسباب الحقيقية والتفصيلية للكثير من الحالات المجهولة، وذلك لاعتبار أن العائلات الجزائرية تتحفظ في كثير من الأحيان في الكشف عن الأسباب الرئيسية المؤدية إلى هذا الفعل، وحسب الأخصائية «فاطيمة،ط» فإن «القضاء على هذه الظاهرة أو التقليل منها يتطلب معرفة الأسباب الحقيقية ومحاربتها، فمثلا توعية الوالدين بكيفية التعامل والاهتمام مع أبنائهم المراهقين، وتحمل مسؤولياتهم من كل الجوانب، لأن السبب يقع في كثير من الأحيان على عاتق الأهل والمؤسسات التربوية في مجتمعنا، من خلال التنمية لشخصية الواعية التي تغرسها هذه المؤسسات في نفسيتهم، وأيضا في كيفية مساعدتهم على تجاوز الصراعات والإحاطة بالمشاكل التي يتعرضون لها، وأيضا يجب أن يتحمل الأب المسؤولية الكاملة في كيفية التعامل السليم مع المرأة ومع الأولاد»، وأكدت على ذلك استنادا على الحالات الكثيرة التي حدثت في المجتمع والتي كان عنصرها الأساسي هو تخلي الرجل عن مفاهيمه في استقرار الأسرة، ونحن بحاجة حقيقيةً إلى تجارب علمية حدثت في واقعنا للإستفادة منها في تربية أجيال المستقبل بطرق منهجية وعلمية سليمة. وتطرقت أيضا إلى ضرورة تفعيل نشاط المؤسسات الثقافية والجمعيات بالإضافة إلى المؤسسات الإعلامية في توعية الأفراد والأشخاص من خلال القيام بحصص توعوية خاصة لإظهار أخطارها وحكم الدين فيها من أجل التقليل من ظاهرة الانتحار، وتعتقد انه بالرغم من الأرقام المخيفة لضحايا الانتحار في الجزائر، يبقى هذا الموضوع من «الطابوهات» لدى الكثير من الأسر الجزائرية، فلو حورب بالطرق السليمة لقلّ انتشاره. وأكدت على ضرورة رعاية الأشخاص الذين لديهم اضطرابات نفسية قد تؤدي بهم إلى الانتحار وضرورة العناية بهم من الناحية الطبية وتوفير الحالة النفسية السليمة لهم. وتطرقت أيضا إلى أن أبرز الحلول الناجحة هي إتباع نهج الرسول صلى الله عليه وسلم وتطبيق سنته والإقتداء به، ولا ننس قراءة القرآن الكريم، فهو منهج حياة وطريق نجاة.