يقف قضاة شؤون الأسرة على قضايا يرفعها آباء يتنّكرون لأبنائهم أو ما يعرف في النصوص الشرعية باللعان، وهي ظاهرة في تزايد توازيا مع قضايا الخيانة الزوجية، وأحيانا يكفي شكُ الزوج حتى يصنّف مولود جديد في خانة الأطفال غير الشرعيين. بعدما كّنا نتحدث عن مواليد خارج إطار الزواج، بتنا نشاهد حالات لأطفال زنا المحارم، أغلبها حالات غير مصرّح بها، ما يبّرر غياب إحصائيات دقيقة للأطفال X بالجزائر ويضعهم بين مخالب وحوش بشرية قد تجعل الأخ يتزوج أخته يوما دون أن يدري. عرفت الحركة الجمعوية المهتمة بشؤون المرأة والطفل مؤخرا، نشاطا كثيفا بمناسبة اليوم العالمي لتوقيع الجزائر الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، وتعود معاناة الأطفال غير الشرعيين لتطفو على السطح، رغم التوّصل لتوصيات ومقترحات، إلا أنها تبقى خارج حيّز التطبيق، وعكس ما ذهبت إليه المحامية فاطمة بن براهم في أغلب مداخلاتها في الموضوع بإبراز فعالية النصوص المستمدة من الشريعة الإسلامية في علاج ظاهرة الأطفال غير الشرعيين عموما، وطالما نادت بتقنين بيوت الدعارة وفتح المجال لتعدد الزوجات للقضاء على الظاهرة، تقول يمينة حوحو، أستاذة في كلية الحقوق ببن عكنون، "إن الشريعة لم تعترف بالطفل غير الشرعي"، والطفل ينسب لأبيه في إطار الزواج الشرعي، وهي قاعدة استخلصها الفقهاء انطلاقا من الآية الخامسة من سورة الأحزاب ".. أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آبائهم فإخوانكم في الدين ومواليكم..". ومن هنا بات السؤال المطروح: كيف يُنسب ولد زنا المحارم لأبيه بعد ثبوت الأمر؟ وهي إشكالية أثارت جدلا واسعا بين الفقهاء الذين لم يتوسّعوا في مسألة نسب أولاد زنا المحارم، وقانونيون يطالبون بتفعيل التبّني خارج المفهوم الغربي بخصوص تلك الحالات الضيقة، وهو ما دعت اليه المحامية حوحو، مشيرة إلى وجود نقص في الإجتهاد الفقهي في هذا الباب. سعدية، شابة في العقد الثاني من العمر، لفتت انتباهنا وهي تدخل رفقة كهل قاعة محكمة الجنايات بمجلس قضاء الجزائر وسط حراسة أمنية، دخلنا القاعة في انتظار معرفة ملابسات الجريمة، إلا أن القاضي طلب انصراف الجميع، فالقضية أخلاقية ويجب أن تعقد في جلسة سرية. حاولنا أن نستعلم ما يجري وكانت المفاجأة أن سعدية متهمة بزنا المحارم مع أبيها، والأغرب أنها كانت تمارس معه الجنس برضاها منذ أن كانت صغيرة، قبل أن تكتشف الأم العلاقة وتبلّغ عنهما. قضية اقشعرت لها الأبدان ورفض المحامون الدفاع عن المتهمين، خاصة أن الشابة حملت من أبيها ولم يكن أمامها سوى الإجهاض. لم تنته العلاقة المحرمة بين سعدية وأبيها بطفل غير شرعي، ولكن لو لم تجهض سعدية ما كان مصير المولو.. رغم أنه معلوم النسب؟ رجال يلعنون خارج الشرع والقانون يلاحظ أن أغلب قضايا اللعان المرفوعة أمام القضاء تأتي بعد أشهر من ولادة الرضيع وأحيانا تفاجأ الزوجة بزوجها يقذفها بالزنا ويتنكر لإبنه بعد سنوات من الولادة. وحسب قانونيين، فترة اللعان لا تتجاوز ثمانية أيام من حمل الزوجة أو ضبطها متلبسة بالزنا، ما يبرر –حسبهم- رفض أغلب الدعاوى المرفوعة. ويعطى القانون - حسب المحامية يمينة حوحو- للقاضي في تلك الحالات كل السلطة التقديرية لطلب تحليل الحمض النووي، وهي إجراءات تستغرق فترة طويلة بالنظر إلى عدد الأدلة الجنائية وطلبات التحاليل المرفوعة لمصالح الشرطة العلمية، بمعهد الشرطة بشاطوف ومعهد الأدلة الجنائية ببوشاوي، تستقبل آلاف الملفات على المستوى الوطني. وبخصوص تعاطي المنظومة القانونية مع الأطفال غير شرعيين عموما، أكّدت حوحو أن "القانون تأثر بذهنيات المجتمع في التعامل مع هذه الفئة ويصفها بأبشع الألفاظ"، والطفل غير شرعي – حسبها - ليس له مركز قانوني ولا تعترف به الدولة، باستثناء قانون الحالة المدنية الذي منحه حق الحصول على إسم وإن كان غير كامل. مكفولون.. مصيرهم الشارع يُحسب لأحمد غزالي، رئيس الحكومة الأسبق، أنه وافق على مرسوم يسمح بالتكفّل بطفل ويحصل على لقب يقابله لفظ "مكفول". ولكن نظام الكفالة في القانون الجزائري إلى يومنا يحاط بغموض كبير، فالمكفول ليس من حقّه الإستفادة من ميراث كافله أو أحد أقاربه، رغم حاجته المالية، فالعلاقة تبقى محصورة بين الكافل والمكفول مباشرة، ورغم أن القانون الوضعي استند إلى نص شرعي ولكن أستاذة الحقوق وصفته ب "اللاعدالة الاجتماعية". وفي السياق، دعت المتحدثة لإبرام وابتكار قوانين لا تخالف الشريعة وتحمي الطفل الذي يولد خارج إطار الزواج. ولضمان حقوق المادية للطفل المكفول، تعمد عائلات كافلة لتحرير عقود الهبة، وفي هذا الشأن أوضحت حوحو أن الكافل له الحق في منح أمواله للمكفول في حياته، ولكن بعد وفاته يُمكن لعائلة الكافل مقاضاة المكفول مشيرة إلى وجود خلط في تصنيف أحكام الوصية من أحكام الهبة. لم تكن الكفالة حلاّ مجديا لعديد الأطفال غير شرعيين، رغم أنها وفّرت له محيط أسري ولكّنهم اصطدموا بعراقيل بعد سن ال18 سنة، ويواجهون مصير مجهولا. فتاوى العائلات.. تستحضرنا حالة من الواقع لعائلة تكفلت بابنة وتوفيت الزوجة تاركة زوجها الطاعن بالسن رفقة الإبنة المكفولة، فتدخلت العائلة و"أفتت" بعدم جواز بقاء البنت رفقة الشيخ وطردت إلى الشارع، وانتقدت المحامية يميkة حوحو نظام الكفالة في هذا الجانب تحديدا فالطفل المكفول لا علاقة له بالكافل بعد سن الرشد ولا يمكن مساءلة المكفول أمام القانون خاصة في حالات اعتداء الطفل على كافله. وحذّرت المتحدثة من إلغاء الكافل للكفالة، وهو ما نلمسه من خلال حالات أطفال تخلّت عنها الأسر البديلة، بعدما لاحظت وجود خلل في تصرفاتهم وسلوكهم، خاصة الأطفال العدوانيين. من جهتها أشارت "ع.م"، موظفة سابقة بمديرية النشاط الإجتماعي لولاية الجزائر، إلى عدم أهلية عمال بلديات في تعاطي مع هذه الفئة، ومنهم من يطالبونهم بالدفتر العائلي لاستخراج الوثائق، ولكنها أشادت بنظام الكفالة حيث يمكن للمكفول استعمال دفتر العائلي للكافل في استخراج الوثائق، بعد أن كان الأطفال غير الشرعيين في سنوات خلت يترددون على مديرية النشاط الاجتماعي في كل مرة احتاجوا فيها إلى الوثائق. واقع لا يمكن تجّبنه استقبلت جمعيات لرعاية الطفولة المسعفة بالعاصمة حالات لأطفال غير شرعيين تم الإصغاء إليهم من قبل مختصين اجتماعيين ونفسيين، ولوحظ أن بنات وُلدن خارج إطار الزواج الشرعي حملن بدورهن بطريقة غير شرعية ورغم التكفّل بهن وتحذيرهن إلا أنّهن يقعن في الخطيئة مرة أخرى والنتيجة أكثر من طفل غير شرعي، وهو ما جعل قائمات على الجمعية يقترحن على فتيات تناول حبوب منع الحمل على أساس مبدأ أقّل الضررين، في وقت تمتهن أمهات بيع أطفالهن غير شرعيين. وفي هذه النقطة علقت المحامية يمينة حوحو، أن "الظاهرة تتعلق بغريزة جنسية متماثلة عند الرجل مثل المرأة لا يمكن مخالفتها ولا جمعها إلى بالأخلاق"، في إشارة منها أن الأطفال غير الشرعيين ظاهرة لا يمكن تجاوزها. لهذه الأسباب بقيت الجزائر خارج الوكالة الدولية للتبني صادقت الجزائر على اتفاقية حقوق الطفل ولكنها لم تمض اتفاقية التبني الذي تشرف عليه وكالة التبني الدولي وهي اتفاقية ببنود صارمة، فالحصول على طفل في الدول الغربية لم يعد سهلا والوكالة الدولية للتبني تتكفل بالتحرّي عن العائلات قبل حصولهم على الطفل وهي إجراءات تستغرق ثلاث إلى أربع سنوات غير أن ذلك لم يغري الجزائر بالنظر إلى الوازع الديني الذي يحرم التبني وما ينجم عنه من اختلاط الأنساب. وبالمقابل يحترف مغتربون مزدوجي الجنسية منذ سنوات تجارة من نوع خاص تقوم على البزنسة بالأطفال غير الشرعيين ونقلهم خارج الوطن خاصة إلى فرنسا، فالطفل المكفول مصدر رزق لهم وبفضله يستفيدون من امتيازات اجتماعية، ومنهم من يقدّم الأطفال المتكفل بهم في الجزائر الى عائلات فرنسية ويحصلون على هوية وجنسية جديدة عن طريق التبني. وفي هذا الإطار أكّدت فاطمة بن براهم في مشاركتها في ندوة إعلامية نظمتها جمعية الطفل البريء مؤخرا "أن الأطفال غير شرعيين مصطلح غربي له أبعاد تهدف أصلا إلى تجنيس الأطفال امتدادا لمخطط انتهجته فرنسا منذ القدم من خلال تبني أطفال جزائريين وتحويلهم إلى أشخاص ذوي جنسية فرنسية وديانة مسيحية". نفس السيناريو عملت عليه عائلات غربية تنقل عبر دول العالم وتتبنى أطفال من دول إفريقيا واسيا، وهو أمر أدى الى اختلاط الأنساب في تلك الدول، الخطر ذاته يحوم حول الجزائر بفعل تنامي ظاهرة تهريب الأطفال غير الشرعيين خارج الوطن. التحقيقات الأمنية في هذا النوع من الجرائم العابرة للحدود كشفت عن أطفال غير شرعيين مولودون بمستشفيات بالعاصمة قدموا لمغتربين ونقلوا الى الخارج، وهو ما وقفت عليه السلام في قضايا انفجرت بعيادة غرافة باب الوادي، ولعلّ قضية تهريب 25 مولودا غير شرعيين من عيادة خاصة بعين طاية بين 2005 و2009 خير مثال على الوضع، فالطبيب المتهم الرئيسي اعترف ببيعهم إلى المغتربين بعد إمضاء امهاتهم على قرارات التنازل. وفي هذا الشأن اوضحت يمينة حوحو أن فرنسا نست قوانين صارمة ويوجد مشروع قانون في فرنسا لضبط نظام التبني خاصة أن كل الديانات ترفض التبني وتسعى لحماية النسب. المحامية فاطمة بن براهم تؤكد: "قوانيننا فرنسية ومصير آلاف الأطفال مرهون بكلمة" اقترحت المحامية فاطمة بن براهم، ضرورة تسجيل بيانات الأم عند دخولها المصّحة للولادة بما فيها اسم الأب، وفي حال تنكّر لابنه يمكن لوكيل الجمهورية إحالته على العدالة التي تجبره على تحاليل الحمض النووي، وهو حل بعيد عن التطبيق، خاصة أن القانون -تقول بن براهم- مستمد من ترسانة قوانين فرنسية لا يقّر بتحاليل الحمض النووي إلا في اطار الزواج وإن تعلق بنكاح الشبهة أو النكاح الفاسد. ولا يزال مصير آلاف الأطفال غير شرعيين مرهون بتعديل المادة 40 من قانون الاسرة - حسب بن براهم- بتغيير كلمة "يجوز" للقاضي طلب تحليل الحمض النووي بكلمة "يجب" وذلك لا يعني حق الأبوة إذ يكفيه منح الإسم للطفل لتفادي اختلاط الأنساب. النائب سميرة كركوش "نتعهد بمناقشة قانون الطفل وليس من مصلحتنا ممارسة سياسية التغليط" ناقضت سميرة كركوش نائب بحزب جبهة التحرير الوطني وعضو لجنة الشؤون القانونية تصريحات بن براهم واعتبرت قانون الاسرة بالجزائر أكثر مرونة مقارنة مع هو عليه في تونس والمغرب ومستمد من القانون المصري. وحسب من المادة الثانية من الدستور فإن كل القوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية، وأقرت النائب بوجود نقائص في قانون الاسرة ومعلقة على تصريحات بن براهم "ليس من مصلحتنا أن نمارس سياسية التغليط". وحسب عضو لجنة الشؤون القانونية، الجزائر صادقت تقريبا على كل الاتفاقيات الدولية ولكنها تحفظت على بعض المواد احتراما للدين الاسلامي وبرّرت نائب الأفلان تغاضي القانون عن التكفّل بالأطفال خارج اطار الزواج بغياب اطار قانوني أو لجنة مختصة للتكفّل بشؤون الطفل والمرأة وتبني المقترحات، يأتي هذا في ظل وجود 146 امرأة في البرلمان الجزائري، مضيفة أنه "لتحقيق الهدف وهو ضمان حقوق المرأة والطفل في الجزائر لابد من تصحيح الأخطاء وقوة اقتراح لإقناع المشرع". وأوضحت بخصوص طرق التشريع ولتبرئة ذمة النواب "كل وزير يأتي بمشروع قانون انطلاقا من مقترحات الخبراء والقانونيين وبالتالي فالخلل في اسرة القانون"، والمشكل حسب كركوش لا يكمن في النصوص التشريعية وإنما في التطبيق "فكل وزير يطبق ما يراه مناسبا" على حدّ قول المتحدثة. جمعية الطفل البريء.. مولود جديد يرى النور دون مقّر وهيبة تامر: نطالب بحذف "مجهول" من شهادة السوابق العدلية عاشت طفلة مجهولة النسب ولكننا لم نلمس يوما أنها تخجل من ذلك ووصفت في محيطها بالمرأة الحديدية بعدما أخذت على عاتقها التكفل بقضايا الاطفال غير شرعيين بالجزائر، هي الآنسة وهيبة تامر في العقد الرابع من العمر، مجهولة الأبوين تكفلت بها عائلة رفقة ستة أطفال غير شرعيين آخرين. تحصلت وهيبة على لقب تامر ولكن والدتها مكّنتها من الوثائق الإدارية بطريقة غير قانونية والتحقت بالمدرسة، ولكن كانت صدمة وهيبة أو نظيرة كما يحلو لوالدتها تسميتها مع اقتراب موعد امتحان شهادة التعليم المتوسط ولم تتمكن الأم هذه المرة من إعداد شهادة الميلاد فمُنعت الطفلة حينها من اجتياز الامتحان، لأن ملفها ناقص وهو ما لم تستوعبه وهيبة فالأم تصّر أنها ابنتها. تروي وهيبة للسلام: "حين بلغت سن 18 توفيت والدتي وبعد دفنها عاد والدي ومعه الدفتر العائلي وطلب من اخفائه ففتحته وتأكدت أنني طفلة غير شرعية، فلا وجود لإسمي او أسماء إخوتي". بعد سنوات تزوّج الأخ الأكبر لوهيبة من امرأة طردت الجميع من المنزل العائلي، فوجدت نفسها في الشارع وهي شابة في مقتبل العمر قبل أن تتكفل بها عائلة أخرى. تقول وهيبة: "كنت لا أكف عن البكاء متى قيل لي أنني طفلة غير شرعية، ولكن اجتزت المرحلة بفضل المختصين النفسانيين". تمكنت وهيبة تامر من الحصول على أول شهادة ميلاد سنة 1996، لتستغل الأمر في تحقيق ذاتها، هي التي كانت تتمنى أن تصبح صحفية فالتحقت بمركز التكوين المتواصل وحصلت على شهادات في الإعلام الآلي والحلويات والخياطة. تشرف وهيبة حاليا على جمعية الطفل البريء التي تحصلت على الاعتماد مؤخرا بعد أن خاضت نضالا طويلا وقفت خلاله على كل المشاكل المتعلقة بهذه الفئة، وطالبت في أول ندوة إعلامية للجمعية بتفعيل تحاليل الحمض النووي وإلغاء لفظ مجهول من صحفية السوابق العدلية لتسهيل حصول الفئة على وثائقهم وعلّقت "لا يجب أن ندفع ثمن أخطاء آباءنا البيولوجيين".