يقدّر عدد الأطفال المواليد من علاقة غير شرعية ب54 ألف طفل سنويا، فيما تقدم وزارة التضامن الوطني عدد 3 آلاف طفل سنويا، معترفة في الوقت نفسه بأنه رقم مستقى من مصالح المستشفيات وعيادات التوليد العمومية وتدخلات مصالح الأمن. طالبت ناشطات في مجال حماية حقوق الطفولة المسعفة بالجزائر السلطات العليا التدخل، بالإشراف شخصيا على ملف هذه الفئة وتمكينها من حقوقها، وبضرورة إعادة النظر في كيفية تسجيل الطفل المسعف على شهادة ميلاده، وإدراج عبارة ''مكفول'' بين قوسين على نفس الوثيقة عوض ''ابن مجهول''. وفي هذا الصدد، تؤكد السيدة وهيبة تامر، إحدى هذه الناشطات، على اعتماد اختبار الحمض النووي لتمكين الأطفال المسعفين من التعرّف على آبائهم، خاصة أنه تبيّنت فعاليته في إثبات النسب بنسبة 99 بالمائة، داعية السلطات العمومية إلى إجبار الأم العازبة على تدوين معلوماتها الشخصية على دفتر التخلي النهائي عن المولود، لأنه من شأن ذلك مساعدة الطفل مستقبلا على الوصول إلى والدته إن أراد ذلك، مضيفة بأنه يتوجب على الأم تحمل مسؤولية فعلتها وألا تتخلى عن صغيرها. وعن نظرة المجتمع لهذه الفئة البريئة، تقول تامر إنه يتحمّل مسؤولية في هذا الجانب، وذلك بتغيير نظرته تجاه هؤلاء الأطفال، والتي لا يتوانى الكثير عن وصفهم ب''أولاد الحرام''. وبشأن حقوق الأطفال المسعفين، توضح تامر بأنها ''ضائعة في بلادنا''، متسائلة: ''لماذا يبقى الطفل المسعف في مركز الرعاية دون تعليم أو إشراف تربوي، رغم حقهم في التمدرس مثلهم مثل بقية أطفال الجزائر؟''. مشيرة إلى أن كل الصغار الذين ينتمون إلى هذه الشريحة، ما عدا أولئك الذين كفلتهم العائلات، لم يحققوا أي نجاح دراسي. حقوق ضائعة ولا يتوقف ضياع الحقوق على الدراسة والتكوين فقط، بل إن المشكلة تكبر مع أفراد هذه الفئة إلى غاية بلوغهم سن الرشد ويصيروا شبابا وكهولا، إذ يتم حسب نفس المصدر تهميشهم من الاستفادة من السكن رغم ''جزائريتهم''، والسبب وراء ذلك الصفة التي التصقت بهم على أنهم ''أطفال غير شرعيين، والأحرى أن يكون هذا الوصف من نصيب الآباء والأمهات الذين اقترفوا هذا الخطأ، لأنهم تعمّدوه، وليس ذريتهم''. وحسب السيدة تامر، ثمة مشكلة أخرى تتمثل في المعاناة الكبيرة التي يعيشها الطفل المسعف بعد بلوغه السن القانونية، 18 سنة، مؤكدة أن مراكز الاستقبال تتخلى عن كل شاب وشابة يبلغون هذه السن، ويطلب منهم مغادرتها إلى الشارع، وهو ما يحوّلهم إلى فريسة سهلة لمختلف أنواع العنف الذي يميز يوميات شوارعنا، لتعيد الكرة نفسها من جديد. وتنهي السيدة تامر حديثها ل''الخبر'' بنداء وجهته لرئيس الجمهورية، داعية إياه للتكفل بملف الأطفال المسعفين الذين يعتبرونه الأب الروحي لهم، وحمايتهم من مجتمع لا يرحم، مع تمكينهم من حقوق مدنية مثلهم مثل كل الجزائريين. بالموازاة مع ذلك، تفيد إحصائيات وزارة التضامن الوطني أن مصالح هذه الأخيرة تحصي سنويا ولادة ما يقارب 3000 طفل سنويا، هم نتاج علاقة ''حميمية'' غير شرعية. وحسب نفس الإحصائيات، تكفلت الدولة خلال الفترة الممتدة من 1999 إلى 2007 بحوالي 27400 طفل مسعف، عبر مختلف ولايات الوطن. وعن كيفية رصد هذه الأرقام، يقول عباس نوري، مدير الإعلام بالوزارة، إنها تمثل الولادات غير الشرعية التي تتم على مستوى المستشفيات، إلى جانب الذين ترصدهم مصالح الأمن، بعد العثور عليهم من طرف مواطنين في الشوارع وأقبية العمارات. وعن رأيها حول هذه القضية التي باتت تزدحم بها أروقة المحاكم وأعمدة الجرائد، تؤكد المحامية فاطمة الزهراء بن براهم أن أرقام الوزارة ترجع إلى 10 سنوات مضت، وأن العدد الحقيقي في تزايد متواصل، قائلة إنه تم إحصاء أكثر من 45 ألف حالة جديدة سنويا للأطفال المسعفين، وأن أغلبية هؤلاء يولدون خارج المستشفيات، مشيرة إلى وجود شبكات تنشط للمتاجرة بعدد كبير من هؤلاء الأطفال. وتضيف ذات المحامية أنها لا تتفق مع هذه التسمية ''طفولة مسعفة''، حيث أن ''المسعف'' حسبها شخص استفاد من مساعدة الآخرين له، بينما حال هذه الشريحة في مجتمعنا تؤكد العكس، مبيّنة ''أنهم صغار تخلى عنهم الجميع''. وعما تقصده ب''الجميع''، أضافت بن براهم أنها تعني القانون، الدولة، رجال القضاء... وغيرهم. محمد إيدير مشنان ل''الخبر'' ''الإسلام ضمن للطفل غير الشرعي حقوقه'' ماذا عن حكم الإسلام في هذه القضية؟ يقول الأستاذ محمد إيدير مشنان، من كلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر، إن عبارتي ''أب غير شرعي'' أو ''ابن غير شرعي'' مجرد مصطلحات لا أهمية لها، فالأب غير الشرعي ينجب بطبيعة الحال ابنا غير شرعي، وبالتالي لا يثبت له النسب، مضيفا أن ''المهم بالنسبة إلى هؤلاء الأطفال هو ضرورة تمتعهم بكل الحقوق، مثلهم مثل غيرهم، دون إقصائهم، والتي يتصدرها الحق في الحياة والرعاية الصحية والتعليم وحق الكفالة''. ويشير مشنان إلى أن رعاية هذه الفئة واجبة، عملا بقول الله تعالى: ''إن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم''. ويؤكد مشنان أن هؤلاء الأطفال يعتبرون في حكم الأيتام، واليتيم أوصى به النبي، صلى الله عليه وسلم، في قوله: ''أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة''، مشيرا إلى الوسطى والسبابة. وعلى هذا الأساس، يشدّد مشنان على أنه ''لا يجوز إهانة هذه الفئة من الأطفال، بل يتوجب العناية بها وحضانتها وتربيتها حتى تشكل حلقة صالحة في المجتمع، على أن لا نحمّلهم مسؤولية أو ذنب غيرهم من منطلق (لا تزر وازرة وزر أخرى)''. النفسانية لانية دواودة ''عدم الاستقرار النفسي سمة كل صغير مسعف'' في حديثها عما يعيشه الطفل المسعف من الناحية النفسية، تقول النفسانية لانية دواودة إنه ضحية الحالة النفسية التي عاشتها والدته خلال فترة الحمل، مشيرة إلى أهمية تحديد الكيفية التي جاء بها هذا الصغير إلى الدنيا، وعما إذا كان نتيجة اعتداء جنسي أو حالة زنا محارم أو غيرهما، علما أن الأم العازبة تنقل لجنينها حالة الانهيار النفسي الذي عاشته إضافة إلى تخليها عنه بعد الولادة، في الوقت الذي من المفروض أن تكون أول مخلوق يحتضن هذا الصغير. ومن هذه اللحظة، تبدأ رحلة معاناة تكبر مع الطفل المسعف إلى غاية سن متقدمة.