اهتم المشارقة والمغاربة بالأستاذ الجامعي، الكاتب، الأديب، المترجم والشاعر جمال الدين بن الشيخ الذي عاش غريبا ومات غريبا فطوبى للغرباء. تناول الإعلامي سعدي بزيان الذي نشط الندوة الفكرية التي نظمتها الجمعية الثقافية الجاحظية في نهاية الأسبوع المنصرم محطات هامة من مسيرة الأديب والمترجم الجزائري الأستاذ جمال الدين بن الشيخ الثرية بغزارة الإنتاج الأدبي والعمل الذي قام به في إرصاء اللغة العربية الفصحى في جامعة باريس، والتعريف بفحولها وفطاحلها من الشعراء بترجمة أشعارهم إلى اللغة الفرنسية. ولد جمال الدين بن الشيخ في الدارالبيضاء بالمغرب سنة 1930 من عائلة جزائرية نزحت من تلمسان إلى المغرب، ودرس فيها وتحصل على شهادة التبريز في الأدب الفرنسي كما درس اللغة العربية، وتمكن من ناصيتها وبعد الإستقلال درس في جامعة الجزائر ويرجع له الفضل في تأسيس الأدب المقارن بها. وأنشأ تبعا لذلك مجلة دفاتر جزائرية وتخرجت على يده دفعات من الطلبة الجزائريين وغيرهم، غادر الجامعة سنة 1969 واستقر بفرنسا وأسس القسم العربي في جامعة “فانسان” سان دوني” باريس 8”، وحشد لهذا القسم أساتذة من المشرق العربي منهم الأستاذ أمين محمود العالم الذي تولى تدريس مقدمة عبد الرحمان بن خلدون بالفصحى، والشاعر عبد المعطي حجازي الذي توطدت الصداقة بينهما وترجم له عدة قصائد إلى اللغة الفرنسية ويتذكر الأستاذ سعدي أن أول لقاء بالأستاذ جمال الدين بن الشيخ كان في 1979، حيث فاتحته بإجراء مقابلة لجريدة الشعب فرحب بالفكرة وكان لي معه حوار طويل في مكتبته بباريس 14، وما قال لي اغضب البعض وعاتبني البعض الآخر كوني حاورت كاتبا فرنكفونيا وكان لهذا الحوار صدى في معركة التعريب، فكتب منه الطلبة فقرات في اللافتات ويقول الأستاذ سعدي أن جمال الدين بن الشيخ يرد على دعاة تخلف اللغة العربية عن مسايرة العصر فقد درست النحو العربي، فوجدته يتسم بالمنطق والدقة والتخلف يكمن في العرب لا في اللغة العربية، التي تتسع لجميع العلوم واستدل على ذلك باللغة العبرية حتى قيام الدولة الإسرائيلية كانت لغة طقوس دينية وبإرادة اليهود حولوها إلى لغة علمية في حين لا نزال ندرس الطب والهندسة وباقي العلوم بالفرنسية في أقطار المغرب العربي وفي المشرق العربي بالانجليزية، وعدد الأستاذ سعدي تراجم إبن الشيخ إلى اللغة الفرنسية مثل أشعار أدونيس وعبد المعطي حجازي وأبي نواس وروايات الصبارة للأديبة اللبنانية وإحدى روايات الطاهر وطار، واشترك مع رفيقه المستشرق الفرنسي أندري ميشال في ترجمة ألف ليلة وليلة إلى الفرنسية ترجمة حديثة استغرق العمل لإنجاز المشروع 6 سنوات صدرت عن منشورات “ غاليمار”، في طبعة رائعة واعتبر هذا العمل تتويجا لمسيرته العلمية. ويتأسف الأستاذ سعدي عن تجاهل بني قومه في الجزائر التي لم يستدع إليها إلا مرة واحدة في العشرية الدموية ونال التقدير عند كتاب أوربا والمشرق العربي. توفي جمال الدين بن الشيخ في أوت 2005 في منزله بضواحي باريس ودفن بها ورثاه الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي في مقالين بالأهرام ووجه نقدا شديدا لوزارة الثقافة المصرية التي لم توجه له دعوة لزيارة مصر، كما رثاه الناقد عبده وازن بجريدة الحياة اللندنية وكذلك عيسى مخلوف من المغرب وبرادة ومعطي قبال، وقام المغاربة قبل وفاته بترجمة أطروحة بن الشيخ “ الشعرية في العربية” إلى اللغة العربية وقد ترك تراثا أدبيا ضخما في المكتبات العالمية منها “ عقلانية إبن خلدون” مع جورج لابيكار وحكاية الإسراء والمعراج و« الديوان الجزائري للشعر المكتوب بالفرنسية من 1945 إلى 1965 “ وتعتبر هذه الأنطولوجية أهم مصدر في الشعر الجزائري باللغة الفرنسية، كما تذكرة الكاتب المغربي عبد اللطيف الورادي في جريدة القدس العربي” جمال الدين بن الشيخ بعد عام من رحيله” وأبدى إعجابا شديدا بمشروعه في سبيل التنوير والحوار.