إذا أردنا الدخول إلى صلب الموضوع وبدون مقدّمات التي عادة ما تطعم بها المواضيع، قلنا أن معظم بلديات دائرة باب العسة، تعيش اليوم في وضع لا تحسد عليه، فمشاكل بالجملة يعانيها المواطن بدءا بمشكل السكن، الطريق، البطالة، والقائمة طويلة. وقفتنا اليوم تكون مع هذه المنطقة الحدودية التي تقع على الشريط الحدودي الجزائري المغربي، تحيط بها الجبال من كل جانب، وقد كانت أثناء الثورة التحريرية قلعة منيعة للمجاهدين الذين خاضوا في جبالها المعارك الطاحنة، حتى أصبحت المنطقة المحرّمة على الاستعمار، غير أنها اليوم تعاني التخلف والحرمان، ولم تشفع لا الثروات الباطنية التي تتمتع بها هذه المنطقة ولا البرامج التنموية التي تحضر جيّدا على الورق فقط من أجل التخفيف من وطأة الحمل الذي يثقل كاهل المواطن بهذه الجهة والذي يصارع الفقر مصارعة شرسة، حيث نكاد نجزم أن شمس الاستقلال التي مرّ على بزوغها 48 سنة لم يصل شعاعها بعد إلى هذه الأماكن، يحدث هذا، لأن سياسة التنمية بهذه الجهة لم تصل إلى مبتغاها الحقيقي رغم الجهود التي بذلتها وتبذلها الدولة في هذا المجال. بلدية باب العسة النموذج المحلي للفقر إنها بلدية باب العسة الحدودية أو المالحة، هكذا سميت قديما نسبة إلى واد المالحة الذي يقطعها، ويعود الإسم الحالي لباب العسة إلى وقت الاستعمار، حيث كانت مكان حراسة متشددة لجميع الجهات وهذا بحكم موقعها الاستراتيجي، فهي تقع على بعد 104 كلم شمال غرب عاصمة الولاية تلمسان، وتتربع على مساحة قدرها 94.76 كلم وتجمع عدة قرى ومداشر منها بوزواغي، النصارات، علوان، أولاد سيدي سليمان، تعدامت، زحاحفة، عنق الجمل، بن كرامة وسلام، يمبو، ضيعة سي المختار ولالة عيشة، وتتميز هذه المنطقة بطابعها الفلاحي، غير أنها تعيش العزلة والحرمان، رغم أنها من البلديات المحظوظة من الناحية الأمنية، حيث لم تشهد يوما ما عملية إرهابية، إلا أنها لم تتحرّر من المشاكل المتراكمة سنة بعد سنة كالبطالة، والسكن والنقل المدرسي، الخ، من الضروريات التي يحتاجها سكان هاته المنطقة الحدودية، فالحياة البدائية لازالت تلازم بكل تفاصيلها عبر قراها ومداشرها التي تضم كثافة سكانية كبيرة، والدليل على ذلك معظم السكان لازالوا يعتمدون على الوسائل التقليدية في حياتهم كالحيوانات، السبيل الوحيد لجلب المياه ونقل البضائع، فهم متمسكون بأراضيهم الفلاحية ولا بديل لهم بالابتعاد عنها باعتبارها مصدر رزقهم الوحيد مع تربية الأغنام، ورغم خصوبة أراضيها لازال فلاحوها ينتظرون الدعم الفلاحي، حيث المنطقة لم تستفد إلا من حصص ضئيلة من الدعم، دفعت في الآونة الأخيرة بعض الفلاحين إلى هجرة أراضيهم ومزاحمة أهل المدينة، بعد أن فقدوا الأمل. وفيما يتعلق بالسكنات لاتزال البلدية لحدّ الآن تعاني من نقص فادح في مجال البرامج السكنية ومن الحصص الضئيلة الممنوحة لها، لاسيما السكنات الريفية، حيث منذ سنة 2007 لم يتم توزيع سوى 45 حصة أثارت موجة كبيرة من الغضب والاستياء، وسط المئات من المواطنين المقصيين الذين يعيشون حالة سكنية متردية، خاصة وأن العديد منهم أودعوا ملفاتهم منذ أكثر من خمس سنوات. حصة 320 سكن ريفي تثير استياء السكان هذا وقد كانت بلدية باب العسة الحدودية بتلمسان قد استفادت من حصة إضافية للسكنات الريفية تقدّر ب 320 حصة، حيث سيتم توزيعها في الأيام القليلة المقبلة بعد عملية انتقاء المستفيدين من خلال التحقيقات التي ستقوم بها اللجة المختصة، وقد جاءت هذه الحصة الإضافية بعد القائمة النهائية الأخيرة المقدّرة ب 45 والتي أثارت استياء سكان هذه البلدية لما وصفوه بالإقصاء في حقّهم ولم يستفيدوا -حسب شهادات بعضهم- من أي إعانة من الدولة منذ عقود طويلة، رغم إيداعهم طلبات الاستفادة من هذه الإعانات لدى مصالح البلدية والدائرة، إلا أن القائمة الأخيرة للسكن الريفي جاءت مخيبة للآمال لتزيد من متاعب السكان بعد ما أقصيت العائلات المحتاجة، والتي لازالت لحدّ الآن تعيش وضعية جدّ مأسوية وفي سكنات تنعدم فيها ظروف الحياة، خاصة في هذا الفصل جراء معاناتهم اليومية مع البرد القارس، خاصة الأطفال الصغار، وهو ما دفع بهم إلى مناشدة السلطات المحلية قصد مباشرة تحقيق معمق في قضية 320 حصة التي استفادت منها هذه الأيام وتوزيعها على مستحقيها. من جهته رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية باب العسة الحدودية وفي ردّه على هذا الانشغال، أكّد أن جميع الاستفادات ستخضع للدراسة من لجنة مكوّنة من مختلف المصالح، حيث سيتم إدراج في القائمة الأسماء المتعلقة بهذه المنطقة والذين يقطنون بقراها ومداشرها، إلى جانب معاينة الوضعية الاجتماعية التي يعيشونها وتدهور شروط السكن لديهم، مضيفا في نفس السياق أن هذه الحصة المقدّرة ب 320 سكن ريفي ستدرس وتوزع على مراحل على مستحقيها، وهي حصة حسبه غير كافية بالنظر إلى تزايد الطلبات على هذا النوع من السكنات الريفية والتي فاقت 1000 طلب نتيجة تفضيل الكثير من السكان المحليين الاستقرار بمناطقهم الأصلية والاهتمام بأراضيهم الفلاحية. الصحة والتنمية المحلية خارج مجال التغطية وبخصوص الصحة على مستوى البلدية، لم تبلغ بعد المستوى المطلوب، لما تقدّمه من خدمات ضئيلة جدا لا تلبي حاجات المرضى، فالمنطقة بها مستوصف بحاجة إلى تجهيزات طبية ضرورية، وأطباء مناوبين وأخصائيين، فسكان المنطقة في الحالات المستعجلة ينتقلون إلى مغنية، أو الغزوات، أو ندرومة، نفس المشكل بالنسبة لحالات الولادة، والتي أضحت المشكل العويص لسكان البلدية، مطالبين بذلك تزويد هذه الأخيرة بسيارة إسعاف إضافية بعد أن أضحت السيارة الحالية لا تكفي متطلبات المرضى مقارنة بالكثافة السكانية للمنطقة والتي تصل إلى حوالي 1400 نسمة، حسب الإحصائيات الأخيرة. ويشكّل التزود بالطاقة الكهربائية مشكلا عويصا يضاف حسب المواطنين إلى صعوبة الوضعية التي تنعكس مباشرة على تجسيد العمليات على المستوى القطاع الفلاحي، خاصة في مجال حفر الآبار الموجهة للسقي التي يحتاج مجرد انجازها إلى مبالغ معتبرة لربط الفلاحين بالشبكة الكهربائية، وعلى ما يتصل بالطاقة الكهربائية ينتظر سكان بعض القرى التابعة لبلدية باب العسة الحدودية، كقرية بوزواغي، والنصارات، وضيعة سي المختار ربط سكانها بالغاز الطبيعي، وقرية عنق الجمل التي لا يبعد عنها الأنبوب الرئيسي إلا ببضعة أمتار، حيث يضطر المواطن في غياب هذه المادة التنقل إلى بلدية السواحلية أو مقر البلدية لاقتناء قارورات غاز البوتان التي لا يقل سعرها عن 300 دينار، وقد لا يحصل عليها في بعض الأحياء، خاصة في فصل الشتاء لكثرة الطلبات عليها. ورغم تقريب الإدارة من المواطن في بعض البلديات المجاورة لها، إلا أن بلدية باب العسة لازالت بعيدة من ناحية المرافق الإدارية، كمركز الحماية المدنية، والمحافظة العقارية، وأملاك الدولة، والبنوك، حيث يضطر المسنون الذين يتجاوز عمرهم 75 سنة التنقل إلى مدينة مغنية أو الغزوات لتقاضي معاشهم، فضلا عن ملحقات للتأمين خاصة بالسيارات وأخرى بالتجار الحرفيين. وفي ظل غياب الاستثمارات الخاصة تنعدم بالبلدية الوحدات الصناعية، مما زاد في ارتفاع نسبة البطالة بين السكان التي فاقت 40 بالمائة، وهي في تزايد مستمر، ولم يستطع لحدّ الآن أي قطاع امتصاص هذه النسبة الكبيرة من البطالة، ورغم استفادة البلدية من 100 منصب، إلا أن الحصة تبقى ضئيلة مقارنة بعدد الطلبات المقدمة من طرف الشباب البطال والمتخرجين من الجامعة، حسب رئيس البلدية الذي أكد أن تحديد السن حرم العديد من الشباب الاستفادة من هذه المناصب، خاصة وأن معظم الفئات البطالة فاق سنها 35 سنة، وحتى مشكل إيداع ملفات الاستفادة من قروض دعم تشغيل الشباب أضحى مرهونا بمشكل العقار بسبب عدم تسوية العقود التي لازالت عالقة لدى المواطنين، فيما يبقى حلم الشباب معلقا على المحلات التجارية التي أنجزت في إطار برنامج رئيس الجمهورية والمقدر عددها ب 47 محلا والتي انتهت بها عملية الأشغال سنة 2003، ولم توزع لحدّ الآن، ويرتكز الحل لمشكلة البطالة على إنعاش منطقة النشاطات الصناعية التي تمتد على 11 هكتارا مقسمة على شكل 33 قطعة أرضية أختيرت سنة 1988 وجزئت سنة 1990، وتمّت عملية إعادة تجزئتها سنة 1999، منها أربع قطع لتجسيد مشروع (فارفوس) وهو استثمار أجنبي لإنتاج الأسمدة بقيمة 12 مليون دولار الذي من شأنه استحداث 100 منصب شغل. وأمام انعدام المساحات الخضراء وأماكن الترفيه للأطفال، يضطر هؤلاء قضاء أيام عطلتهم اللعب في ساحات تنعدم فيها أدنى الشروط الضرورية لذلك، مما قد يعرّض البعض منهم إلى أخطار جسيمة. من جهة أخرى، ورغم وجود نادي رياضي هاوي ببلدية باب العسة، والذي يضم حوالي 500 شاب رياضي من مختلف الفئات الشبانية التي تمارس رياضة كرة القدم، بمعدل 10 فرق تنشط على مستوى الملعب البلدي، إلا أنه يعاني عدة مشاكل بدءا من مشكل تهيئة الملعب والضغط المتواجد عليه بسبب انعدام ساحات اللعب بمعظم القرى والمداشر التي يلتجئ إليها شباب المنطقة، هذا المشكل أيضا أثر بشكل كبير على ممارسة هوايات أخرى من الرياضة، كما طالب رئيس النادي من السلطات المحلية بتوفير المرشات داخل الملعب، فضلا عن تهيئة ساحة الملعب التي تسببت أرضيته أثناء إجراء البطولة الولائية سواء من فرق بلدية باب العسة أو فرق الأخرى المستضافة والمنافسة لها في سبع حالات من الكسور، إلى جانب إضافة مدرجات أخرى كون المدرجات الحالية أضحت لا تتسع للمتفرجين الذين يفوق عددهم في كل مباراة 600 متفرج، في حين المدرجات الحالية لا تتسع سوى ل 200 متفرج، ورغم وجود المركب الرياضي الجواري أيضا بالمنطقة، إلا أنه بحاجة إلى مؤطرين، يسهرون على تأطير الشباب وتوجيههم. رئيس النادي من جهته، صرّح ل»السلام»، أن على السلطات المحلية إعادة النظر في الجمعيات التي أصبح وجودها فقط على الأوراق دون نشاط، على حدّ تعبيره وغيابها في الميدان، مناشدا في نفس السياق السلطات المحلية تدعيم النادي الرياضي الهاوي لبلدية باب العسة، ماديا ومعنويا، حيث لم يتلق سوى 3 بالمائة من الميزانية التي خصصتها البلدية والتي قدرت بحوالي 10 ملايين سنتيم، وهو مبلغ ضئيل مقابل 500 شاب ينشطون بالنادي، إذ لا يلبي حاجياتهم مدة سنة كاملة من ناحية (البدلات الرياضية، الأحذية، الخ)، يحدث هذا حسبه أمام انعدام مساهمات مديرية الشباب والرياضة لولاية تلمسان والسلطات الولائية، هذه الأخيرة التي تم إيداع بها ملف كامل قصد تدعيم النادي، للتخفيف من تكاليف الإيواء، والإطعام وكذا النقل. وبخصوص الصناعة التقليدية فهي غير موجودة رغم توفر المواد الأولية كالصوف والدوم والحلفاء والتي انتهت باختفاء المسنين، ولم يعمل لحدّ الآن أي أحد على تطويرها والحفاظ عليها. وفي رده على انشغالات سكان البلدية، أوضح السيد «الهاشمي مالو» رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية باب العسة، أن مصالحه تعول كثيراً على رفع الجهات المعنية هذه الانشغالات، بغرض تجسيد مطلب السكان فيما يتعلق بتهيئة شوارع الأحياء والقرى، وكذا السكن، حيث تم تسجيل انشغالاتهم ضمن البرامج المقدمة للمصالح الولائية لاعتمادها، قصد تحسين ظروف معيشتهم في انتظار الإفراج عنها قريبا.