المال والبنون زينة الحياة الدنيا، فلا يوجد من لا يرغب في أن يملأ بيته أولادا يشبع بهم غريزة الأمومة والأبوة ويكونون سندا لهما في الكبر، كلها أشياء محفزة على الإنجاب، إلا أن متغيرات الحياة أصبحت تفرض طابعا جديدا من العيش. لقد تغيرت كثيرا نظرة الأزواج للإنجاب على عكس ما كان سائدا في الماضي أين كانت المرأة لا تتوقف عن الإنجاب حتى ترزق بعدد كبير من الأبناء مهما كانت الظروف الاجتماعية والمادية التي تعيشها العائلة، وتعمل كل ما بوسعها لتنشئتهم تنشئة صالحة، إلا أن هذه الفكرة تغيرت اليوم، حيث أصبح الكثير من الأزواج الجدد يفكرون في إنجاب عدد معين من الأبناء لا يفوق الخمسة كأكبر تقدير حتى وإن كانوا ميسوري الحال. مما لا يختلف فيه اثنان أن التنشئة السليمة للطفل عبر مراحل نموه المختلفة مهمة جدا في اكتساب هذا الأخير قدرات واستعدادات تمكنه من أن يصبح في المستقبل شخصا سليم البنية، فعالا، مستعدا لخوض معركة الحياة والاندماج في المجتمع الذي يعيش فيه. وهذه القاعدة بات متفقا عليها من قبل العديد من الأزواج الجدد قبل الزواج، معتبرين هذا نوعا من التخطيط الإستراتيجي لحياتهم، شأنه شأن البيت الزوجي والعمل، تقول نادية 32 سنة، أم لطفلين: «اتفقت أنا وزوجي على عدد الأولاد الذين سننجبهم وحددناه في ثلاثة أطفال على أكثر تقدير، هذا حسب الظروف المادية لنا، كما نريد أن نكون قادرين أكثر على التربية السليمة لأطفالنا»، هذا وتساءلت نادية ما فائدة أن تنجب عددا كبيرا من الأطفال ونرمي بهم ليحتضنهم الشارع؟ «فالمؤكد أننا سنشتت جهودنا في رعايتهم من واحد إلى آخر وفي النهاية قد لا ننجح أبدا في تحقيق التربية السليمة لأي منهم». إن رعاية الأطفال وكذا المستوى المعيشي للأسرة يتأثر إلى حد إلى حد بعيد بمدخولها وتوزيعه بالعدل على جميع أفرادها، وذلك لسد حاجيات أبنائها من ملبس ومأكل وتعليم وعلاج وغيرها من المصاريف التي تستدعيها الرعاية والتربية السليمة، عند تقسيم المدخول الذي تحيا منه الأسرة، حيث يعيش الكثير من الآباء غالبا صعوبة الموقف الناتج عن عدم التوازن بين الإمكانيات المادية المحدودة وبين المتطلبات المتعددة، وعلى هذا الأساس يمكننا أداء الواجب على أكمل وجه نحو أطفالنا، وأكدوا أنه عوض أن يقسم المخول على ثمانية أو عشرة أفراد فإنه يوزع ضمن الأسرة المحدودة على أربعة أو خمسة أفراد وبذلك يتحقق التوازن بين دخل الأسرة وبين متطلباتها المتنوعة وهذا هو المنطق الذي أجمع عليه الكثيرون. يقول عبد القادر 45 سنة، أب لستة أطفال: «مدخولي في حدود مليونين ونصف، ولكنه لا يكفي أبدا لسد حاجيات أسرة متكونة من ثمانية أفراد، وكلما كبر أطفالي زادت طلباتهم أكثر»، وأضاف «هذا قضاء الله وقدره وكما يقول المثل كل طفل يولد يجيب رزقه معه»، والأمر نفسه بالنسبة لمحمد الذي يقول: «المال والبنون زينة الحياة الدنيا، ولا يمكن أن نربط عدد الأطفال بالقدرة المادية للعائلة، فالله هو الرزاق»، ولكن الواقع يثبت العكس تماما حسب ما أكدته لنا جهيدة زوجة محمد التي تخالف زوجها الرأي وتبدو نادمة على إنجاب ستة أطفال خلال مدة 15 سنة زواج، والنتيجة التي اعترفت بها هي عدم القدرة على إيصال هؤلاء الأبناء إلى بر الأمان، فلا أحد منهم نجح في دراسته والأصعب من ذلك هو أن من بناتها من تعاني فقر الدم وآخر سلك طريق الانحراف. إن العلاقة التي تربط بين حجم العائلة وبين التغذية والصحة تشكل عوامل تستدعي الاهتمام عند دراسة نمو الطفل وحالته الصحية، وتعيش العائلات الواسعة ذات الإمكانيات المحدودة خطورة هذه العلاقة، فغالبا ما تتجه هذه العائلات في تغذية أطفالها إلى إهمال خاصية النوع وتكتفي بالتركيز على الكم، بل أحيانا تنعدم الخاصيتان معا، وفي هذا الصدد تقول زينب أرملة وأم لخمسة أطفال: «أعمل منظفة متعاونة في إحدى البلديات ولا أتقاضى سوى 7500 دينار، فهل يكفي هذا الراتب لأحقق التغذية الكاملة لأولادي؟». هذا وأكدت زينب أنها توفر لأولادها الخبز والحليب والعجائن على اختلافها مع بعض الخضر، تضيف: «أما بقية الأغذية التي يحتاجها كل طفل فلا أستطيع توفيرها لغلاء الثمن من جهة وعدد أطفالي من جهة أخرى، فلو كان واحد أو اثنان لكان الأمر أقل سوءا، ولكن لم أكن أحسب حساب هذا اليوم»، وتضيف بمرارة وحسرة تملأ محياها «أتمنى أن يسامحني أولادي، لأني أنجبتهم وتركت كل واحد يصارع في هذه الحياة بمفرده». وكما يعرف الجميع أن تغذية الطفل خلال السنوات الأولى تحدد بنيته الجسمية والعقلية في المستقبل، لذا يؤكد العديد من الأطباء أن التغذية المفتقرة إلى كميات الفيتامينات والحريرات التي تستدعيها قوة الجسم والذهن، تجعل الطفل نحيلا وعليلا. لقد دفع الشعور الكبير بالمسؤولية الكثير من الأزواج إلى التفكير في إنجاب عدد معين من الأطفال، لا لأنهم لا يمتلكون الإمكانيات المادية اللازمة، وإنما هروبا من المسؤولية وهذا هو حال»سميرة» أم لثلاثة أبناء أصغرهم يبلغ من العمر أربع سنوات، ولأنها تجد أنه كبر وأصبح يعرف كل شيء، رغبت في إنجاب الطفل الرابع، إلا أن زوجها رفض ذلك وأخبرها أن ثلاثة أبناء عدد كاف ولا يرغب في المزيد، حيث تقول «لقد حاولت إقناعه بشتى الطرق، فنحن نملك كل المحفزات لذلك، فراتب زوجي مغر ومسكننا فردي وواسع ونملك سيارة، ودائما أذكره أنه تربى في أسرة واسعة والحمد لله نشأ نشأة صالحة، كما أنني أخبرته أنني أفضل أن يكون لي أربعة أطفال على ثلاثة، ولكن دون جدوى، فقد تمسك برأيه، وهذا ما جعل الأقارب يظنون أنني أنا من يرفض إنجاب المزيد من الأبناء»، أما سعيدة فتقول أن زوجها لا يحب إنجاب الكثير من الأبناء وطلب منها التوقف عن ذلك بعد ولادة طفلهما الثاني، وبعد أن تجاوز ابنها سن الثامنة ، رغبت في إنجاب طفل آخر رغم أن ظروفها الصحية لا تسمح بذلك، ووضعت زوجها أمام الأمر الواقع، حيث تقول «في بادئ الأمر رفض الأمر وأبدى استياءه من حملي، ولكن بعد الولادة أبدى تعلقا كبيرا بابنه، خاصة وأننا لم نتعامل مع رضيع منذ سنوات». هناك عدة عوامل تجعل الزوجة أو الزوج يفكران في إنجاب عدد معين من الأبناء كسوء الأوضاع المادية وأزمة السكن، إلا أن «نادية» أكدت أن طباع أبنائها الثلاثة جعلتها تفكر في عدم إنجاب المزيد من الأطفال، حيث تقول «شغب أبنائي وكثرة حركتهم جعلاني أفكر في عدم الإنجاب مجددا رغم أن قريباتي ينصحنني بالمزيد، فأنا لا أشكو من شيء والحمد لله، إلا أنني فقدت السيطرة على أبنائي الثلاثة، فكيف أنجب المزيد، أصبحت قليلة الخروج إلى الشارع، كما أنني لا أستطيع إنجاز أشغال البيت وحتى وإن أتممتها قام أطفالي بتخريب كل الغرف، لدرجة أن كل من يدخل بيتي يظن أنني مهملة ولا أقوم بواجباتي، كما أصبحت أستعين ببنات أختي لمساعدتي في حملات النظافة التي أقوم بها في البيت من فترة لأخرى». إن خوف بعض السيدات من إنجاب عدد كبير من الأبناء وأعباء التربية جعلهن يكتفين بعدد جد محدود من الأبناء، إلا أنهن شعرن بالندم فيما بعد وهذا هو حال السيدة «سجية» التي رفضت إنجاب أخ أو أخت لابنها الأول والوحيد بحجة أنها تعاني من الروماتيزم ولا تستطيع تحمل مسؤولية المزيد من الأطفال إلى أن كبر ابنها وبدأ يشعر بالوحدة في الوقت الذي أنجبت فيه قريباتها عددا من الأبناء جعلها تشعر بالندم ولكن بعد فوات الأوان، لأنها دخلت في سن اليأس. لا يقتصر التفكير في إنجاب الأطفال على الأزواج فقط، فحتى الأشخاص الذين يعيشون في فترة الخطوبة يحاولون وضع أسس لذلك قبل الزواج، حيث يبدي كل من الشاب والفتاة رأيه حول عدد الأبناء الذين يرغبون في إنجابهم والكثير ممن رصدنا آراءهم أكدوا أن كل شيء بيد الله، لكنهم يفضلون إنجاب عدد قليل من الأطفال بسبب الظروف المعيشية الصعبة، وفي هذا الصدد تقول «رانيا» «لقد تحدثت أنا وخطيبي عن عدد الأبناء الذي نتمنى إنجابهم، فكان رأيه اثنان، إلا أنني أخبرته أنني أحب أن يكون لدي أربعة أبناء، فناقشني في الأمر وأخبرني أنه يجب التفكير في ما إذا كنا نستطيع تقديم الرعاية الكاملة لهم من كل النواحي في ظل الظروف المعيشية المتوفرة». هي آراء لأشخاص جعلتهم الظروف المعيشية الصعبة ومتغيرات الحياة يضعون مخططات مسبقة لكل الأمور حتى إنجاب الأبناء ومع ذلك أكد جميعهم أنها مجرد آراء، لأن الأرزاق بيد الله.