إلى أحبائي بكل تواضع أول مرة في حياتي أكتشف أنني لم أكن مؤمنا بما فيه الكفاية ، أو أنني كنت مؤمنا بالعقل والفكر وليس بالقلب والوجدان لقد آمنت بأن الله حق وأن النار حق والجنة حق والنار حق، وآمنت بالقدر خيره وشره حلو ومره، وآمنت بأن الومت حق وأن كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، بل لقد درست كل ذلك في المساجد وفي الحلقات العامة والخاصة خلال ما يزيد عن ربع قرن، وكنت قد ظننت أنني بلغت في ذلك مبلغ اليقين أو ذنوت منه، ولقد حضرت في حياتي الدعوية مئات الجنازات إن لم أقل الآلاف ، وعزيت كثير من الأصدقاء والأحبة وقدمت كلمات تأبينية أبكت الكثيرين وخففت من مصيبة المصابين ومن جملة ما كنت أقول لهم وأنا صادق لا تحزنوا على ميتكم فهو اليوم بين يدي من خلقه وهو أرحم به منكم، لم أكن أتصنع الكلمات بل كانت تخرج من أعماقي ولذلك كنت أظن أنني مؤمن وأستطيع أن أفوض أمري إلى الله ، وأنا راض بما فيه الكفاية بقضاء الله وقدره. لكنني أكتشفت عندما ماتت أمي العزيزة بين يدي والتحقت بربها وخالقها بأنني لم أكن مؤمنا بما فيه الكفاية ، أو أنني كنت مؤمنا بالعقل والفكر لكن ذلك الإيمان لم يغمر كامل قلبي ووجداني حيث بقيت مساحة أو فضاء في قلبي هيمنة عليه المشاعر والأحاسيس بعيدا عن التفويض المطلق لله. لقد وقعت لي صدمة لم أعرها في حياتي، لم أستطع أن أتمالك نفسي ومشاعري، لم أستطع أن أكون كما كنت أدرس للآخرين أو أعظ الآخرين أو أعزي الآخرين،لقد جائني آلاف الإخوة والأصدقاء والمحبين ممن أثق فيهم تماما معزين ومصبرين ومذكرين أياي بنفس الآيات والأحاديث التي كنت أعزي بواسطتها المصابين، لكن ذلك كله لم يشفع لي ولم ينقلني في تلك اللحظات وحتى بعدها إلى مصاف الذين يفوضون أمرهم إلى الله حقا وحقيقة وذلك على الرغم من إيماني المطلق من الناحية النظرية والعقلية بكل ذلك،حينها أكتشفت أنني لم أكن مؤمنا بما فيه الكفاية ، وأن إيمان إيمان القلب هو الأكمل ولا غنى عنه ، وأيقنت أننا بحاجة إلى مراجعة إيمانية تشمل القلب والمشاعر قبل المراجعات الفكرية والسياسية وأنه لا سبيل للإصلاح إلا عبر إصلاح القلوب واختبار درجة الإيمان ودرجة الصدق والتفويض لله.