الانتخابات هي العملية الرسمية لاختيار شخص لتولي منصب رسمي ما، أو قبول أو رفض إقتراح سياسي بواسطة التصويت. و إن شئت قل الانتخابات هي ترجمة للخيار الحر الذي ينتج عنه شرعية الحكم والانتخابات النزيهة في مجتمع ما، وتعد أحد أوضح مظاهر الحرية و الديمقراطية ومن ثم تلعب عملية المراقبة دورا هاما في تحقيق الاستقرار للحكم ووصفه بالشرعية أو نفي تلك الصفة عنه، و المراقبة تكون في كافة المراحل قبل و بعد و أثناء العملية الانتخابية. فضائح عملية الاقتراع و الانتخاب في عالمنا العربي وما يجري اليوم من فضائح لعملية الاقتراع عموما يجعل الحليم حيران، لدى جل المترشحين في دولنا العربية و حتى في بعض الدول الغربية كفرنسا هذه الأيام مثلا، حيث " قبض" على الاوفر حظا في الرئاسيات و هو متلبس بسرقة أموال الشعب بطرق شيطانية ماكرة منذ سنين، و لم يستحي من ذلك و لم ينسحب من المنافسة ؟ طبعا مع الفارق مع شطارة مختلسينا نحن، لأن في دولنا العربية المترشح لن يمر على مثل هذه الغربلة، أما في دول أخرى من عالمنا الإسلامي، الحاكم يبقى حاكم من المهد إلى اللحد، لا يعترف بعهدة رابعة و لا خامسة و لا بالتداول السلمي على السلطة، بل لا يحتاج حتى للترشح و لخوض غمار حملة انتخابية.. و حتى في المناصب السفلى كالانتخابات المحلية و البرلمانية، تجد الشيطان يعجز عن مكائد الاختلاس والخيانة التي تقوم بها الدوائر الحكومية و لواحقها من المؤسسات و الأحزاب وحتى المترشحين، ناهيك عن رشاوى الأموال و سرقات الأصوات، التي لا تخفى على العام و الخاص، و التي ملت الشعوب تكرار سماعها.. و حتى النهب الممنهج و التدليس، باستعمال شركات أجنبية للسرقة بالعملة الصعبة من خزينة الدولة، ومثال ذلك في الانتخابات الرئاسية الفرنسية السابقة، الأحزاب الفرنسية بما فيها الحزب الحاكم كانت تشتري ملصقاتها من الصين، لغلاء ثمنها في أوروبا، في نفس الوقت تشتري دول المغرب العربي ملصقاتها من فرنسا بأسعار ملتهبة .. أمور "تجمد العقل" عن التفكير؟ شعار "سمع صوتك" بالعربية و الصورة بالعبرية من هذه الفضائح، كشف أخيرا نشطاء شبكات تواصل اجتماعي لجوء الشركة التي أعدت الإشهار الخاص بالانتخابات التشريعية الجزائرية تحت شعار "سمع صوتك"، قامت باستعمال نفس الصور التي استعملتها مواقع عبرية منها موقع جامعة إسرائيلية ويشير موقع الجامعة عند الدخول إليه إلى صورة الفتاة التي كانت ترتدي نفس اللباس باستثناء تغيير لون الخمار إلى الأخضر بدل الأزرق ليتناسب مع ألوان العلم الجزائري، مما يطرح السؤال عن "كيفية التعاقد مع شركة أجنبية من طرف وزارة الداخلية بخصوص موعد انتخابي هام غاية في الأهمية لمستقبل البلاد"، على حد تعبير يومية الخبر الجزائرية. و قد فجرت هذه الصور حالة من الجدل اقترب إلى حد الفضيحة، بعد ان تبين أن صور الأشخاص المرفقة على الإعلانات لا تعود لجزائريين وإنما لأجانب، تم تعديلها عن طريق برنامج “الفوتوشوب”، علما أن الجزائر غارقة بشركات في إمكانها تقديم الأجود و الأرخص، أم هي حيلة لسرقة أموال الشعب بتكليف وكالة أجنبية؟. وممّا زاد الطين بلة، أن عددا من الصور التي استخدمت في الحملة الحالية هي الأخرى مأخوذة من موقع "شوترستوزك "، إذ جرى فقط تعديل هذه الصور بحيث تظهر الشخصيات المصورة تمسك بطاقة الناخب الجزائري.. ؟. لم تعد خدمة الصالح العام تغري المترشحين أمام هذا التردي في الجشع و الجري وراء المناصب، خاصة ممن يحسبون في الانتخابات على التيارات الإسلامية خصوصا و الوطنية عموما، فلم تعد البرامج النظيفة تستهويهم و لا المبدئ النبيلة هي التي تدفعهم للترشح و لم تعد خدمة الصالح العام تغري طالبي السلطة، فقد لاحظت مؤخرا أن بعض المترشحين ممن أعرفهم في عالمنا الإسلامي و تحديدا في دول شمال إفريقيا يقفزون من النقيض إلى النقيض، بل "يقفزون من الحمار إلى الديك " كما يقول المثل الفرنسي، يقفزون من حزب إسلامي إلى آخر علماني، إذ كانوا بالأمس القريب ينتقدونه بأسوأ العبارات و ينعتونه بأشنع الأوصاف، و إذا استفسرت قيل لك " إنها السياسة" .. "الدنيا مع الواقف" ؟. لهؤلاء و أولئك الذين أداروا ظهورهم للدين و ثوابت الأمة لهؤلاء المستسلمين و أولئك الذين أداروا ظهورهم للدين و ثوابت الأمة، و يريدون تسيير الشعب وفق أطماع دنيوية تافهة، و السير بالشعوب إلى خنادقهم الدنيوية المظلمة، أحب أن أقول لهم، يا سادة يا كرام، احذروا فإن مغامراتكم ليست إفلاسا فقط لدولنا، بل يصدق فيكم قول الرسول، أنكم "مفلسون" تريدون السير بنا إلى الهاوية.. لا يجب أن يغيب على نباهتكم، أن الإسلام علم و عمل، دراية وسلوك، بصيرة تستجلي الغياهب، ونور يصحح الأفكار والتصورات، ورشاد يحفظ الحقوق، وأفق يوسِّع النظر والإدراك؛ حتى في الألفاظ المنطوقة في حملاتكم الانتخابية؛ لتصرف في مكانها الحق، وتضفى على الوصف الصحيح. إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة ..وقد أكل مال هذا.. ومن القضايا التي أحب أن أذكر بها إخواني و أخواتي، أن يحذروا " الإفلاس"، حيث أبان الوحي حقيقة قضية الإفلاس عند بني البشر عبر أسلوب المحاورة العلمية الهادئة التي درات بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - والمبدوءة بتساؤل يسترعي الانتباه والاهتمام، ويستخرج المعلومة الخاطئة وتستبدل بالصحيحة؛ إرساءً لها وترسيخاً، تساءل فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن حقيقة المفلس، فأجابوه بما هو دارج في نظر الناس وإدراكهم مما لا يجاوز حد الدنيا، يا من يرد الخلود فيها بالحرام على رقاب الناس، ثم صحح هذا المفهوم، ووسع تلك النظرة والمدارك. فقال: «أتدرون ما المفلس؟» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: " إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا،.. ثم طرح في النار". الآخرة دار الجزاء وتوفية الحقوق واسترداد المظالم لا ننسى أن الآخرة دار الجزاء وتوفية الحقوق واسترداد المظالم، وهي مرصد المفاليس؛ حين يقدمون بجلل من الصالحات: صلاة، وصيام، وزكاة، وغيرها مما هو دونها في الفضل، في يومٍ تشح النفوس بالحسنة وإن كانت أماً؛ فيرون ثواب تلك القربات تُرحَّل من سجل حسناتهم إلى صحف من ظلموهم وبخسوهم حقهم. و المتأمل في أسباب الإفلاس التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - يراها دائرة على سبب واحد وإن تنوعت صوره؛ ذلكم هو الاعتداء على حقوق الخلق وظلمهم. إن الدنيا دار اختبار، وحقوق الخلق ميدان ابتلاء، ومن أعظم ما يحمل على خفرها والاستخفاف بأدائها إهمال محاسبة النفس وغياب استحضار الحساب الأخروي؛ والاغترار بالقوة والقدرة والأمن من المحاسبة الدنيوية من أساب الاستخفاف بالحقوق، وفي يوم القيامة تتكشف تلك الذرائع عن فسادها، ويبدو المستور، وتسقط أقنعة التأويلات، ويبوء أهلها بشؤم عقباها. للإبحار في قضية معاني الإفلاس، أفكار مجرب وللإبحار في قضية الإفلاس هذه يروق لي، أن أنقل لكم أفكار و تجارب، رجل جرب السياسة و السياسة الشرعية، فقد أرسل لي – قبل أيام-أحد الزملاء، خبير في مركز دراسات، ارسل لي مسودة الأفكار التالية للشيخ راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة التونسية، ما كنت لأنشرها لولا أني رأيت أحد المواقع نشرت أهم ما جاء فيها، و تعميما للفائدة أستسمح صاحبها لنشرها كما هي دون " روتوش" ، على أن أعود إليها في مقال مستقل، لأن ما قاله الشيخ الغنوشي في هذه الجلسة ينم عن وعي رجل مفكر ومنظر مجرب. مقتطفات منقولة من لقاء مع الشيخ راشد الغنوشي .. وصلني كما دوّنه صاحبه: - الأحزاب أسست من أجل أن تضحي من أجل الأوطان، ولم توجد من أجل أن تضحي بالوطن - ما يعيق التطور الديمقراطي هو إنقسام المجتمع، وخصوصاً عندما يكون الانقسام ذا صبغة ايدلوجية، إسلامي- علماني، أنصار الثورة - أعداء الثورة - الديمقراطية الانتقالية تأسست هشة ولم تحتمل الانقسام وهذا يؤدي إلى قرب إنهيار النموذج - الدول التي لا يوجد فيها ديمقراطية مستقرة راسخة ، لا تصلح لها 51% من أصوات الشعب -عندما أخذنا معظم السلطة أخذناها على قراءة خاطئة، على أساس أننا أخذنا الأغلبية، دون أن ننتبه لميزان النخبة الذي نحن ضعفاء فيه. - الذين انتخبوا الرئيس مرسي 51% فارغة من ميزان القوة، والذين عارضوه 49% مليئة بالقوة الصلبة (المال، الإعلام، القضاء، الشرطة، الجيش، الإقتصاد، الفن، أصحاب المصالح والنفوذ ...إلخ). - جبهة الإنقاذ في الجزائر حصلت عام 1991 على 80% من الأصوات العاطفية الناعمة، في حين كانت النخبة والقوة الخشنة مع ال 20% والحصيلة 250 الف قتيل، ورجوع للخلف عشرات السنين. .. - لا يمكن أن نحكم مجتمع رغم نخبته، إلا إذا مارسنا قدر عالي من العنف وهذا أثاره كارثية - نحن الإسلاميين فقراء من حيث القوة الصلبة، فقراء في النخب، لأننا لم نأخذ وقتنا، خرجنا من السجون وعدنا من المهاجر واختارتنا الناس بالعواطف، فكيف لنا أن نحكم بهذا الغثاء العاطفي النخب التي في أيديها كل شيء؟!. - معظم معاركنا هي للمحافظة على الوجود وليس للتجديد والتطوير والإبداع - عندما شعرنا في تونس أن السفينة بدأت تغرق بدأنا نتخفف شيئاً فشيئاً حتى تبقى مُبحرة، ثم خرجنا كلياً من السفينة "الحكومة" حتى تستمر في الإبحار، وقلنا أن تونس أولاً وقبل النهضة. - نحن الإسلاميين عندنا ضعف شديد في إدارة التحالفات والتواصل حتى مع الأحزاب القريبة منا، وهذا يحتاج منا أن ندرب أنفسنا على بناء التوافقات لأن المجتمع غير مهيئ للديمقراطية. - إذا كان الخط السياسي صحيح لا تبالي بعدد مخالفيك لأنهم سيتكاثفون عليك، وإذا كان الخط السياسي غير صحيح لا تبالي بكثرة أشياعك لأنهم سينفضون من حولك. - عندما نقود الناس علينا أن نقودهم ونحن أكثر إمتلاءً.