يرى معظم المعلقين من قراء الشروق أون لاين (حوالي ستين في المائة) أن الأغلبية الصامتة هي هؤلاء الناس الذين ظلمهم النظام وأقصاهم وصادر حقهم في الاختيار وحرية الرأي، فاختاروا الصمت طريقة للاحتجاج، ذلك لأن غالبيتهم تتشكل من مثقفين وعقلاء.. غير أن صمتهم حسب هؤلاء المعلقين لن يدوم طويلا، وسيأتي اليوم الذي ينتفضون بقوة لتغيير الواقع.. بينما تذهب نسبة متوسطة من المعلقين (حوالي ثلاثين في المائة)، إلى الاعتقاد بأن هذه الأغلبية هي تلك الفئات التي تمسك العصا من الوسط بين النظام والمعارضة، فهي لا تُجوّع الذئب ولا تبكي الراعي، فلا تنخرط في العملية انحيازا إلى أية جهة، وتترقب الفرصة المواتية لتدخل المعترك تأييدا للجهة التي تقدم لها ما يقنعها بضرورة دعمها.. أما البقية الباقية (حوالي عشرة في المائة) فتنفي وجود هذه الأغلبية كفئة منسجمة سياسيا، وترى أنها تتكون من هؤلاء الناس اللامبالين بالسياسة، المنصرفين إلى إدارة شؤونهم اليومية.. يعود الحديث السياسي والإعلامي عن "الأغلبية الصامتة" إلى البدايات الأولى للانتخابات التعددية، وقد تذرع بها أولا المنهزمون في تلك الاستحقاقات، بحجة أن الناس الذين لا ينتخبون ولا يشاركون في التجمعات والاحتجاجات يرفضون العملية السياسية ونتائجها، وبالتالي هم من أنصارهم... وظل الجدل قائما حول ماهية وكنه هذه "الأغلبية" وحجمها الحقيقي... وكانت نسب المشاركة في الاستحقاقات الوطنية هي المقياس الذي عادة ما يلجأ إليه لتحديد هذه الأغلبية وتعريفها، رغم ما يحوم حول الأرقام الرسمية من شكوك وتهم بتضخيم نسبة المشاركة. فمنذ توقيف المسار الانتخابي عام 1992 والظاهرة تشهد تناميا مضطردا إلى أن وصل درجة اضمحل فيها عدد المشاركين في الاستحقاقات الانتخابية بمختلف أنواعها إلى أقل من نصف الهيئة الناخبة، بطريقة تؤكد أن عوامل ساهمت في التراجع الرهيب للاهتمام الشعبي بالعملية الانتخابية، وهذا ما يؤكده المختصون في تحليلهم للظاهرة، ففي حديثه لمندوب الشروق أون لاين اعتبر الدكتور يوسف حنطابلي أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر، وجود الأغلبية الصامتة "رسالة" يوجهها جيل الشباب إلى أصحاب الشأن في البلاد وإلى كل المشاركين في العملية السياسية من أحزاب وجمعيات مؤدّاها "نحن لم نعد نثق بالعملية الانتخابية وما يسبقها وما يلحقها"، والسبب ببساطة، حسب الدكتور أن هذا الجيل تسلم "وصية" من الجيل الشاب الذي فجّر أحداث أكتوبر 88 مؤدّاها هي الأخرى "نحن حاولنا التغيير وفجرنا أحداث أكتوبر 88، لكن إرادتنا للتغيير صادرتها السلطة في الانتخابات الأولى الحقيقية في البلاد، وعليه فإن طريق الانتخابات ليست وسيلة للتغيير". لقد شكلت الأغلبية الصامتة عقدة للسلطة خاصة في الاستحقاقات الأخيرة، لأنها أفرزت لامبالاة واسعة تعكس يأس الجزائريين من العملية السياسية وخيبة أملهم في نزاهة السلطة.. ويرتبط تخوف السلطة من ضعف نسبة التصويت أساسا بالصورة التي سيتم تسويقها على المستوى الخارجي لإعطاء انطباع بشفافية ونزاهة الانتخابات، وتجدها في كل مرة تعمل جاهدة على رفع نسب المشاركة ولو بالطرق غير المشروعة (التزوير). أما المعارضة التي تتنافس على تبني هذه الأغلبية، والادعاء بتمثيلها فإنها لا تخفي سعادتها باتساع رقعة العزوف السياسي، وتعتبره "الرسالة الأبلغ" التي يمكن أن "تفهمها السلطة"، لأن عدم الانتخاب في رأي مكونات المعارضة السياسية دليل فقدان الصندوق لدوره وإفراغه من محتواه الحقيقي. ويزداد الحديث عن "الأغلبية الصامتة" أهمية ببروز ظاهرة جديدة يعتبرها المختصون إضافة جديدة لكتلة الأغلبية الصامتة، وهي الأوراق الملغاة التي بلغت قرابة المليونين في الاستحقاقات الأخيرة، سلوك ما انفك يتعاظم مما جعل المحللين ينظرون إليه على أنه تكتيك وظفته الغالبية الصامتة أسلوبا جديدا للمناعة..
قراء الشروق أون لاين: "الأغلبية الصامتة" كبّلت نفسها تعدّدت مفاهيم قراء موقع "الشروق أون لاين" حول ما اصطلح على تسميته ب"الأغلبية الصامتة" في المواقف والعمليات السياسية في الجزائر، فمنهم من يراها الفئة المتميزة بالوطنية ونزاهة الضمير، وهي كتلة سياسية منسجمة تعبر عن موقف سياسي متجانس من حيث الأفكار والطموحات، ومنهم من يراها الفئة التي خذلتها الطبقة السياسية وتآمر عليها أشباه السياسيون، بينما يرى آخرون أنها نتاج لأحزاب المعارضة بحكم أنها تعتبر"المحرك الآلي" لطموحاتهم وأهدافهم المسطرة ضد السلطة الحاكمة، فالطرق متعددة والهدف واحد. ولعّل التجربة التي مرّت بها الممارسة السياسية في الجزائر منذ الاستقلال وضعت فروقات سياسية حول مصطلح الأغلبية الصامتة التي شكلت طرفا محايدا تتجاذبه كل من المعارضة والسلطة لجلب عطفهم وتعديل ميزان القوى بميل الكفة لصالحهم، وهو الأمر الذي أشار إليه أحد المعلقين من ولاية بومرداس، مؤكدا أن هذه الفئة هي الغالبية المطلقة التي تمسك العصى من الوسط، حيث "لم تجوّع المعارضة ولم تبك النظام"، وقد عاد هذا المصطلح للواجهة والجزائر تنتظر مفتاح الحسم مع بدء العد التنازلي للإنتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في 17 أفريل المقبل بترّشح ستة وجوه سياسية يعرفها الجزائريون، وهو ما فسره معلقو موقع "الشروق أون لاين" بتخزين طاقة الأغلبية الصامتة وعدم تبديدها لأن ما بداخل الإنسان من طاقات وكبت إما يتجسد في القول أو في الفعل وهذه نظرية - حسبهم- معروفة عند الخبراء، غير أن الجامع بين هذه الفئات التي اختلفت آراؤها حول مفهوم الأغلبية الصامتة في الجزائر هو عدم الرضى على كل شيء، فهي ترفض الأحزاب السياسية الحكومية، وتمقت أحزاب المعارضة، ولاتعرف الكثير عن الأحزاب والجماعات ذات المواقف الجذرية، وفي كثير من الحالات ترفض حتى بعض الاحتجاجات الفئوية المنبثقة عن ذات الأغلبية. الإستثناء الوحيد هنا، وفق معلقي موقع "الشروق أون لاين" هو العزوف عن التصويت، وهي المخاوف التي توّجس منها النظام، رغم وجود تجاذبات للقوى السياسية تمنح هذه الفئة الاستمرارية وسط مد وجزر حول تمثيلها. فالصامتون -حسب أحد المعلقين- معنيون، وأن ما تعيشه الجزائر من فساد ونهب المال وقمع الحريات، هو نتيجة حتمية لهذا السكوت لأن خير أمة أخرجت للناس هي أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. ورغم وجود اختلافات حول إعطاء مصطلح الأغلبية الصامتة حقه من طرف قراء موقع "الشروق أون لاين" إلا أن الملاحظ يرى أن ثلث المعلقين يرون أنه من الضروري على هذه الفئة تجاوز سلبياتها، ولزاما عليها التكتل ضمن هيئات المجتمع المدني الحقيقي، وهو ما قاله أحد الحكماء"إذا لم تقتنع بما هو كائن وجب التفكير في تأسيس غيره"، لأنه قبل أن يكون للإنسان حق، عليه أن يكون لديه وعي به أولا، وأن يكون لديه تنظيم، فبدون وعي بالحقوق وبدون تنظيمات مدنية تهدف إلى التعبير والتغيير السلميين، يقول أغلبية المعلقين، لن يحدث التغيير المنشود.
من الفيس إلى ثورات الربيع العربي.. الصندوق يفقد 12 مليون ناخب في الجزائر تشهد الجزائر منذ توقيف المسار الانتخابي عام 1992 تناميا مضطردا لظاهرة العزوف الشعبي عن صناديق الاقتراع إلى أن وصل درجة اضمحل فيها عدد المشاركين في الاستحقاقات الانتخابية بمختلف أنواعها إلى أقل من نصف الهيئة الناخبة، بشكل يؤكد أن عوامل ساهمت في التراجع الرهيب للاهتمام الشعبي بالعملية الانتخابية. يتفق الجميع في الجزائر معارضةً أو مراقبين وحتى أطرافا في السلطة على أن الانتخابات البلدية والبرلمانية لعامي 1990 و1991 كانت الأنظف على الإطلاق في تاريخ البلاد رغم أن هذا المسار الانتخابي أوقف عام 1992 وألغيت نتائجه. ورغم أن هذه الانتخابات وخاصة البرلمانية منها التي نظم دورها الأول في 26 ديسمبر 1991 كانت مفتوحة ونزيهة باتفاق الجميع إلا أن هذا الاستحقاق سجل نسبة عزوف كبيرة وصلت 41 في المائة . ووفق النتائج التي نشرها المجلس الدستوري آنذاك من بين أكثر من 13 مليون مواطن مسجلين في قوائم الناخبين لم يشارك في التصويت سوى 7 ملايين و800 ألف ناخب فيما فضل 5 ملايين عدم التوجه لمراكز التصويت. وتراجعت نسبة العزوف عن صناديق الإقتراع في رئاسيات 16 نوفمبر 1995 التي تعد أول انتخابات رئاسية تعددية في الجزائر عن تلك المسجلة قبل وقف المسار الانتخابي عام 1991 حيث أن قرابة 25 في المائة من الناخبين لم يتوجهوا لمراكز الاقتراع حسب النتائج الرسمية التي أعلنها المجلس الدستوري. وحسب الهيئة هناك ثلاثة ملايين ناخب فقط لم يشاركوا في التصويت من بين أكثر من 15 مليون مسجل في القوائم الإنتخابية آنذاك. ويشار إلى أن هذه الإنتخابات قاطعها حزب جبهة القوى الإشتراكية والجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة كما نددت عدة أحزاب منها حركة حماس آنذاك على لسان زعيمها الراحل نحناح بحدوث تزوير لنتائجها. وجاءت الانتخابات التشريعية للخامس من جوان 1997 لتكرس وجود كتلة ثابتة من العازفين عن صناديق الإقتراع بلغت خمسة ملايين و700 ألف ناخب حيث أنه من بين 16 مليون و 700 ألف مسجل في الهيئة الناخبة لم يصوت سوى 10 ملايين ناخب في هذا الإقتراع الذي شهد هو الآخر عمليات تزوير واسعة باعتراف حتى قيادات حزب التجمع الوطني الديمقراطي الفائز بها. وفي الانتخابات الرئاسية لعام 1999 والتي فاز فيها الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة بنسبة قاربت 74 في المائة من الأصوات في سباق تحول إلى استقتاء بعد انسحاب المتنافسين الستة عشية السباق. ولم تختلف نسبة المشاركة في تلك الانتخابات عن سابقاتها حيث سجل عزوف ما نسبته 40 في المائة من الناخبين عن مراكز الإقتراع مسجلا ارتفاعا مقارنة برئاسيات 1995 . وفي تشريعيات عام 2002 سجلت أكبر نسبة عزوف عن صناديق الإقتراع وصلت 44 في المائة من العدد الإجمالي للمسجلين أي أن قرابة نصف الناخبين لم يصوتوا لكن هذه النسبة تراجعة مع الإنتخابات الرئاسية لأفريل 2004 حيث سجلت نسبة عزوف ب25 في المائة أي بقرابة 7 ملايين مواطن رفضوا التوجه لصناديق الإقتراع. وشهدت الانتخابات التشريعية لعام 2007 انهيارا كبيرا لنسبة المشاركة في التصويت لدرجة حيث لم تتعد 36 في المائة أي أن ما نسبته 64 في المائة من الناخبين عزفوا عن التصويت رغم أن دعوات المقاطعة لم تخرج عن نطاقها التقليدي في الأفافاس وقيادات الفيس. وعكست تلك الاتخابات وما شهدته من عزوف وصول حجم الثقة بين السلطة والشارع إلى سقف أحمر أضحى فيه التصويت في الانتخابات وخاصة البرلمانية يقتصر على المناضلين المهيكلين في أحزاب سياسية. وفي رئاسيات 2009 والتي كانت محسومة سلفا للرئيس بوتفليقة بعد تعديله الدستور سجل فيها تراجع عن العزوف ليصل 25 في المائة حسب الأرقام الرسمية بشكل أكد أن نسبة العزوف الانتخابي رغم كبر حجمها في الجزائر إلا أن متابعة كل الإستحقاقات السابقة يؤكد أنها ترتفع أكثر عندما يتعلق الأمر بانتخابات برلمانية أكثر ما هو الأمر بالنسبة للرئاسيات. وتكرر الأمر في الانتخابات التشريعية ماي 2012 فرغم ذلك المناخ السياسي الذي جرت فيه والذي تزامن مع موجة الثورات التي أوصلت حكومات إلى الحكم في عدة دول عربية إلا أن ذلك لم يغير في واقع العزوف الشعبي عن الصناديق في الجزائر ورفض قرابة 12 مليون ناخب التوجه للإدلاء بأصواتهم. وبإجراء مقارنة مع دول عربية شهدت انتخابات في الفترة بعد الإطاحة بالأنظمة الحاكمة مثل تونس ومصر نلاحظ أن الناخبين في هذه الدول قصدوا بكثافة غير مسبوقة صناديق الإقتراع بعد إحساسهم لأول مرة أن أصواتهم لها معنى بانتهاء سنوات من الدكتاتورية وفرض الخيارات السياسية على الشعوب.
أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر الدكتور يوسف حنطابلي: الكتلة الصامتة تسلّمت "وصية" من الجيل الذي صنع أكتوبر 88 يُرجع أستاذ علم الاجتماع، الدكتور يوسف حنطابلي، أسباب "اتساع" دائرة الكتلة الصامتة إلى ما سمّاه "وصية" تسلمها جيل الشباب الحالي من الجيل الشاب الذي فجّر أحداث 5 أكتوبر 88 وما أعقبها من أحداث انتهت بتوقيف السلطة المسار الانتخابي في 1992، ويكشف الدكتور حنطابلي في هذا الحديث فحوى "الوصية".
ما خلفيات ظهور كتلة صامتة لا تعني لها الانتخابات شيئا؟ الأمر يعود، بالأساس، إلى ممارسات سياسية من جانب الجهة القائمة على تنظيم الانتخابات (السلطة)، وهي ممارسات أدت إلى عزوف في بادئ الأمر وانتهت إلى عدم اكتراث كلّيّ من قبل قطاع من المواطنين بالمواعيد الانتخابية، ودعنا نقولها بصراحة إن قضية العزوف عن الانتخاب بدأت منذ 1992، حيث فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ ثم صُودر قرار الشعب وأُوقف المسار الانتخابي.
سياسيا، ما الذي يعنيه وجود هذه الكتلة؟ لابد أن نُقرّ أولا بأن الكتلة الصامتة موجودة في كل بلدان العالم. فهناك فئة لا تعتبر نفسها معنية بالسياسة من الأساس، وتعتبر أن خوضها في هذا المجال يعني تعطيل مصالحها وأشغالها اليومية. لكن بالحديث عن الكتلة الصامتة التي نشأت بعد 1992، فوجودها يعني "رسالة".. إن جيل الشباب اليوم يوجه رسالة إلى أصحاب الشأن في البلاد وإلى كل المشاركين في العملية السياسية من أحزاب وجمعيات مؤدّاها "نحن لم نعد تثق بالعملية الانتخابية وما يسبقها وما يلحقها"، والسبب، ببساطة، أن هذا الجيل تسلم "وصية" من الجيل الشاب الذي فجّر أحداث أكتوبر 88 مؤدّاها هي الأخرى "نحن حاولنا التغيير وفجرنا أحداث أكتوبر 88، لكن إرادتنا للتغيير صادرتها السلطة في الانتخابات الأولى الحقيقية في البلاد، وعليه فإن طريق الانتخابات ليست وسيلة للتغيير".
إلى متى ستبقى هذه الفئة صامتة؟ هذه الفئة اقتنعت قناعة راسخة أن الصندوق لن يغيّر شيئا من الواقع، لذلك اختارت أن تفر من التغيير على أرض الواقع إلى التغيير في العالم الافتراضي، وكان أن وفرت التكنولوجيا مواقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب"، في هذه الفضاءات يجد "الصامتون" حرية حقيقية لإبداء آرائهم دون أن تتعرض للمصادرة. وهنا أُقدّر أن ما منع "الربيع العربي" من المرور بالجزائر هو هذه المواقع الافتراضية، فلقد امتصت الغضب الشعبي والشبابي على وجه الدقة، فالعالم الافتراضي كان وسيلة "ناجعة" للتعبير عن الرأي، أدت ما عليها في غمرة الأحداث القوية التي اجتاحت عديد البلدان العربية.
السلطة تلاعبت بالإرادة الشعبية والأحزاب لم تُقنع.. هل بإمكان "بركات" أو "رفض" وغيرهما من الحركات الشعبية أن تكسب الكتلة الصامتة إلى صفها؟ هناك محطات تاريخية في حياة الشعوب يمكن أن يحدث فيها تغيير، فإذا مرت هذه الفترات وأُجهض فيها التغيير فإن "الصامتين" سيظهرون وستتزايد أعدادهم، وهذا ما حدث في الجزائر. أريد القول إن "رفض" أو "بركات" وممن على شاكلتهما وحتى الشخصيات السياسية المعارضة التي تنفذ وقفات وتجمعات ضد السلطة، لم تعد تقنع "الصامتين" لأن 99.99 بالمائة منهم شارك في الحياة السياسية منذ أكثر من 20 سنة ولم يغيروا شيئا، كما أنه مشكوك في نواياهم لذلك فهُم مُجرَّبون والشباب لن يثق بهم.. أعتقد أن هؤلاء يستشعرون أن لحظة تاريخية ما ستنفجر في الجزائر ولا يريد هؤلاء أن يتخلفوا عنها، لذلك يستبقونها بمحاولة كسب قطاع كبير من الشعب إلى جانبهم.
السلطة وعقدة حزب "الأغلبية الصامتة" مع اقتراب كل استحقاق انتخابي في الجزائر تطفو فوق السطح مسألة الأغلبية الصامتة التي يمتنع أفرادها عن التصويت وتزداد معها مخاوف السلطة من إحجام المواطنين عن المشاركة في العملية الانتخابية. ويرتبط تخوّف السلطة من ضعف نسبة التصويت أساسا بالصورة التي سيتم تسويقها على المستوى الخارجي لإعطاء انطباع بشفافية ونزاهة الانتخابات وتجدها في كل مرة تعمل جاهدة على رفع نسب المشاركة ولو بالطرق غير المشروعة (التزوير). ورغم أن ما يسمى بحزب الأغلبية الصامتة في الجزائر يستقطب أكثر من 12 مليون ناخب مسجل، إلا أن نسب المشاركة في الانتخابات الرئاسية الماضية تبقى فوق المتوسط (أو أريد لها أن تكون كذلك) عكس باقي الاستحقاقات التشريعية والمحلية التي تفوق فيها نسب المقاطعة الخمسين في المائة. وتحاول السلطة والأحزاب السائرة في فلكها تسويق فكرة دعائية أساسية في الحملة الانتخابية تقضي بوجود مؤامرة على الجزائر تحاك في الخارج ومطلوب من المواطنين التوجه إلى مكاتب الاقتراع للتصويت، والمقصود بهذا التخويف والتهويل دفع المواطنين إلى الانتخاب ورفع نسبة المشاركة. والواقع يقول بأن أحزاب السلطة أكبر مستفيد من امتناع الأغلبية عن التصويت كون هذه الأخيرة - في الغالب - ليست مهيكلة في تنظيمات سياسية (أحزاب) وبالتالي يسهل على أحزاب السلطة الفوز في انتخابات دون صداع.
الأفلان: الامتناع عن التصويت "أمر طبيعي جدا" إلى ذلك يعتقد حزب جبهة التحرير الوطني الذي يمتلك أغلبية مقاعد البرلمان على لسان عضو اللجنة المركزية، السعيد بوحجة، أن إشكالية الأغلبية الصامتة مطروحة في جميع الدول، حيث توجد شريحة كبيرة من المواطنين تعتقد أنها غير معنية بالعملية الانتخابية. قال بوحجة في تصريح لموقع "الشروق أون لاين" إن الأمر "طبيعي جدا" بوجود فئة في المجتمع لا تبالي بالانتخابات، مشيرا إلى أن دعاة المقاطعة لن يتمكنوا من استغلال هذه الفئة إلا بنسب ضئيلة. وقلّل السعيد بوحجة من تأثير الممتنعين عن التصويت، واصفا إياهم ب"اللاحدث"، وقال إن هذه الفئة غير معبرة عن موقفها وبالتالي لا يمكن احتسابها أو أخذها بعين الاعتبار.
الأرندي: "الانتخابات الرئاسية لها خصوصية عن باقي الاستحقاقات" على عكس موقف حزب جبهة التحرير الوطني بدا شريكه في الحكومة والبرلمان حزب التجمع الوطني الديمقراطي أكثر تفاؤلا بإمكانية تقليص نسبة المقاطعين للانتخابات، مشيرا أنه لا وجه للمقارنة بين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وبهذا الخصوص قال رئيس كتلة الأرندي بالمجلس الشعبي الوطني والعضو في مديرية الحملة الانتخابية للمترشح الحر عبد العزيز بوتفليقة، ميلود شرفي، إن نسبة الممتنعين عن التصويت تختلف في الانتخابات الرئاسية عنها في التشريعية والمحلية، بالنظر إلى نوعية المترشحين وبرامجهم الانتخابية، إضافة إلى طابع الانتخابات في حد ذاتها. وأضاف شرفي في تصريح لموقع "الشروق أون لاين" أن هناك تصور خاص للانتخابات الرئاسية يتمثل في وجود حملات تحسيسية من طرف المترشحين والأحزاب والمتعاطفين معهم، حيث يقوم أنصار المترشحين على أن تكون الانتخابات عادية وشفافة. وأكد ميلود شرفي أن حزب التجمع الوطني الديمقراطي لديه قناعة بأن برنامجه ينسجم مع برنامج الرئيس بوتفليقة، وعليه فإن الحزب شريك أساسي في الحكومة والبرلمان في تنفيذ برنامج الرئيس. وأضاف المتحدث أن الطبقة السياسية مطالبة بالعمل أكثر على تقليص نسبة الامتناع عن التصويت ومحاولة رفع نسبة التصويت إلى مستويات مقبولة، وذلك لن يكون إلا بتثمين عمل الأحزاب والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني في الميدان. ويبقى السبب الرئيس لعزوف شريحة كبيرة من المواطنين عن التصويت واستقالتهم من ممارسة حقهم الانتخابي (الدستوري) هو البرامج الانتخابية الهزيلة للمترشحين أو المستنسخة، والتي لا تستجيب لتطلعات الشعب وكذا فشل السياسيين (المتسلقين) في الوفاء بالوعود التي يقدمونها وكذا عمليات التزوير المفضوحة، وهو ما يجعل هوة الثقة بين الحكام والمحكومين تتسع أكثر ويخبو كل أمل في التغيير. وقد تكوّنت لدى الضمير الجمعي للمواطن في الجزائر فكرة مسبقة عن فشل المسؤولين في كل المستويات وتشكلت قناعة راسخة بأن صوته الانتخابي سيتم مصادرته لصالح جهات معينة، وبالتالي يخيب ظنه في التغيير فهل تستطيع السلطة إقناع حزب الأغلبية الصامتة بالتوجه إلى صناديق الاقتراع؟
أحزاب المعارضة خرق قواعد الانتخاب ولد حزبي "المقاطعة" و"الورقة البيضاء" ترى أحزاب المعارضة سلوك "الكتلة الصامتة" ظاهرة تزداد اتساعا، فعلى الرغم من سلبياته فهو" الرسالة الأبلغ" التي يمكن أن "تفهمها السلطة"، لأن عدم الانتخاب في رأي مكونات المعارضة السياسية دليل فقدان الصندوق دورَه وإفراغه من محتواه الحقيقي.
جاب الله.. المقاطعة دليل انفصال الشعب عن السلطة اعتبر رئيس جبهة العدالة والتنمية عبد الله جاب الله، ما اصطُلح عليه في وسائل الإعلام "حزب المقاطعين"، واقعا مؤسفا يتحمل النظام القائم كامل مسؤولياته، فجميع الاستحقاقات "التي تتغنى بها السطلة، تلقى عزوفا من طرف فئة واسعة من الشعب الجزائري"، فمعظم المقاطعين في رأي عبد الله جاب الله، لا يقاطعون إلا لسبب عدم احترام النظام للانتخابات. ويرى عبد الله جاب الله في المقاطعين للانتخابات صنفين، صنف "لاينتخب بسبب عدم الاهتمام بالسياسة، وصنف آخر من المواطننين الذين فقدوا الأمل في التغيير عن طريق الانتخابات، وهذا الصنف يشكل الأغلبية وهو من طليعة المواطنين الذين يتفاعلون مع دعوات المقاطعة التي تطلقها المعارضة، ومن التحذير من تزوير الانتخابات. وبالمحصلة يقول عبد الله جاب الله في حديثه ل"الشروق أون لاين" أن "مقاطعة الانتخابات" دليل انفصال الشعب عن السلطة، و"سترتفع نسبة المقاطعين في الانتخابات الرئاسية القادمة بفعل فساد النظام وفساد الرجال من أولياء الرئيس واستهتارهم بالشعب".
حمس.. التزوير أفقد الجزائريين شهية الانتخاب من جانب حركة مجتمع السلم قال عضو مكتبها الوطني المكلف بالإعلام زين الدين طبال في اتصال مع "الشروق أون لاين" أن الانتخابات في العالم في العالم تستهوي المواطن، وتصل نسبة المشاركة في بعض الدول حتى 80 في المائة، لكن الانتخابات في الجزائر تسير عكس هذه القاعدة تماما فالمقاطعون أكبر بكثير من الذين ينتخبون، لأن الناس لا يرون في الانتخابات فرصة للتغيير، وفقدوا كل شهية في الإدلاء بالصوت، طالما النتائج محسومة مسبقا. وفي الانتخابات الرئاسية المنتظرة يوم 17 أفريل القادم، ستكون المقاطعة واسعة، لأن أحزاب الحقيبة (الأحزاب التي تملك وعاء نضاليا كبيرا) مقاطعة، فالانتخابات المحلية والتشريعية السابقة - يقول زين الدين طبال - رغم مشاركة معظم الأحزاب الثقيلة، إلا أن نسبة المقاطعة كانت كبيرة، فكيف سيكون الأمر مع الاستحقاق الرئاسي المقبل، وهو الذي قاطعته وتدعو لمقاطعته أحزاب ثقيلة مثل حركة مجتمع السلم، فهذه الأحزاب لها تمثيل قوي في المجالس المنتخبة، ولها امتداد في المجتمع والمجتمع المدني، وسيكون لنداء مقاطعتها صدى كبير.
"الورقة البيضاء" أكبر حزب وتحدث طبال عما سماه أيضا ب"حزب الورقة البيضاء" فهو في رأيه أكبر حزب في الجزائر، فقرابة 3 ملايين جزائري صوتوا في الانتخابات التشريعية الماضية بالورقة البيضاء، وهذا أيضا - وفق مضمون حديثه - يعبر عن حالة عدم الرضى عن طريقة تنظيم الانتخابات من بدايتها إلى نهايتها.
الجيل الجديد.. اللامبالاة من أكبر أسباب المقاطعة صنف رئيس حزب الجيل الجديد، جيلالي سفيان، فئة المقاطعين للاستحقاقات الانتخابية، ثلاثة أصناف، صنف من المواطنين الذين لا يعيرون اهتماما بالسياسة، ولا يبالون بالانتخابات نهائيا، وهؤلاء هم الأغلبية الغالبة من المقاطعين، وصنف لا ينتخب لأنه يرى بحكم وعيه لما يجري في الساحة السياسية، بأن الانتخاب لا معنى له، والنتائج محسومة مسبقا، وبذلك فهؤلاء لا يجدون محفزا على الانتخاب، وصنف ثالث وهو من المناضلين الذين يستجيبون لمواقف أحزابهم، فكل الانتخابات عرفت دعوات للمقاطعة.
الكل مسؤول... وفي رأي جيلالي سفيان فإن الفئة الواسعة من المقاطعين تقاطع بسبب اللامبالاة، وهنا الكل مسؤول، فالسلطة مسؤولة لأنها لا توفر الأجواء المشجعة على الانتخاب، والأحزاب أيضا لا تقدم من البرامج والمترشحين ما يشجع على المشاركة، ولا تقوم بما يكفي من العمل الميداني مع المواطن وإقناعه بالذهاب للانتخاب. ويتوقع رئيس حزب الجيل الجديد أن تعرف الانتخابات الرئاسية المقبلة أكبر نسبة من المقاطعة، فإذا كانت نسبة المشاركة في الانتخابات السابقة "لم تتجاوز ال40 في المائة في أحسن الأحوال"، فإن الاستحقاق الرئاسي المقبل مهدد بمقاطعة أوسع، لأن التنافس على منصب واحد ومحسوم مسبقا. ويرى بأن الانتخابات الرئاسية الجاري التحضير لها، انقلاب على الدستور، فهي محسومة لصالح الرئيس المترشح رغم عدم تمتعه بالشروط الدستورية، ولذلك - يقول المتحدث - "بات من الضروري على الأحزاب أن لا تكتفي بالمقاطعة السلبية، بل ينبغي الذهاب إلى مقاطعة إيجابية وحث المواطنين على عدم المشاركة في هذه الانتخابات وتعريتها من الشرعية".
ناهزت المليونين في آخر اقتراعين "الأوراق الملغاة" أكثر صيحات الممانعة حضورا تعددت"التكتيكات" التي وظفتها الغالبية الصامتة في تعاطيها مع المواعيد الانتخابية الماضية، بيد أنّ الأوراق الملغاة كانت أكثر أساليب الممانعة نجومية وبرزت بحضور قوي ارتفع إلى حدود المليونين. استنادا إلى الأرقام التي أعلنها المجلس الدستوري، بلغ عدد الأوراق الملغاة في تشريعيات العاشر ماي 2012، نحو1.704.047، حيث أنّ عدد المصوتين كان في حدود 9.339.026، لكن عدد الأصوات المعبر عنها لم يتعدّ 7.634.979، قبل أن يقفز عدد الأوراق المشطوبة إلى 1.918.278 في محليات 29 نوفمبر 2012. ظاهرة الأوراق الملغاة التي تنامت بشكل لافت منذ الذي حدث في الدور الأول لتشريعيات 26 ديسمبر1991، ليست في نظر الكثير ممن مارسوها، بالفعل العارض أو العملية المسطّحة، بل تؤشر في نظر هؤلاء إلى"رفض وعاء هام من الرأي العام لخطط السلطة"، ويمثل بالنسبة لهم "إحراجا" و"هزيمة" للسلطة التي ظلّت تحفزّ المواطنين على مراودة صناديق الانتخاب، ومع ذلك استجاب لها سبعة ملايين شخص فحسب (في وعاء انتخابي يربو عن 19 مليونا). ويشير"محمد شرشال" الذي يصنف نفسه كواحد من (الأغلبية الصامتة)، أنّ سلوك الممانعين هذا لا يعني بالضرورة أنّهم سلبيين أو استبدّ بهم الرضا بواقعهم، بل هو سلوك ورسالة له أكثر من مغزى ودلالة، فالأظرفة الفارغة يرفض أصحابها ما يسمونه "تزكية الإفلاس". والأمر ينطوي في تقدير"أنيس نواري" على رسائل غضب حرص الرافضون للوضع القائم على تمريرها، على منوال أحد عشر مليونا من المصنفين في خانة "الغالبية الصامتة" الذين حرصوا على تكريس خطاب مفاده "الانتخاب لا يعنينا مع سلطة رافضة للتغيير، ومتشبثة بثالوث التزوير - المراوغة ومساومة الشعب"، في بلد اشتهر بحسم نتائج الاقتراعات قبل البدء، على حد جزم من تحدثوا إلينا. وتشير معاينات، إلى بروز 3 أنماط من الأوراق الملغاة: الأظرفة الفارغة أو ما يسمى ب"الأوراق البيضاء" الأظرفة التي حملت صورا لنجوم وشخصيات عالمية لا صلة لها بالمرشحين، إذ تفاجأ المشرفون على عمليات الفرز بعثورهم على صور ميسي، رونالدو، أردوغان، شافيز ..، فضلا عن نمط ثالث تضمّن خطابات وشعارات سياسية مناهضة للسلطة.
غضبٌ وسُخط! "الأغلبية الصامتة" مصطلح سياسي عادة ما يطلق على نسبة الغائبين أو المتخلفين عن المشاركة السياسية.. وغالبا ما يحدد عددهم بالنظر إلى نسبة الممتنعين عن الانتخاب في استحقاق ما، لكن لا يمكن الجزم بأنهم يشكلون كتلة بشرية منسجمة سياسيا، تعبر عن موقف سياسي معين أو أنها استقالة جماعية من متابعة الشأن السياسي لأسباب سياسية وممارسات غير ديمقراطية، أو أنها كم بشري هائل لا يهتم بالسياسة ولا يمارسها ولا علاقة له بتداعيتها.. الأكيد في كل ذلك أنها مظهر اجتماعي له علاقة وطيدة بالعمل السياسي بطريقة أو بأخرى في مختلف دول العالم... فإذا كان تفسير الظاهرة في الدول الديمقراطية الغربية على أنه عزوف اطمئنان لا عزوف احتجاج، فإنه في الجزائر وبالنظر لتطورات هذه الظاهرة لا يمكن الحديث إطلاقا أنه تعبير عن اطمئنان، فهو موقف سياسي عموما أكثر منه عدم اهتمام بالشأن السياسي... وهو في كلتا الحالتين مسؤولية يتحملها النظام لأنه يعكس عجزا سياسيا من لدن السلطة وقصورا منها.. إما بتنفير الناس من تعاطي السياسة وتيئيسهم بسبب استبدادها وديكتاتوريتها وإقصاء جزء من مواطنيها ومصادرة إرادتهم، وإما بالفشل في إقناع الجزائريين بأهمية مشاركتهم السياسية ومساهمتهم في اختيار حكامهم ونظامهم وتحديد مستقبلهم. وإذا استندنا إلى الاستحقاقات الانتخابية كمعيار لقياس نسبة وحجم هذه الأغلبية، رغم أن هذا المعيار غير دقيق لما يشوبه من تضخيم لنسب المشاركة خدمة لترتيبات سياسية ورسائل للتغطية عن واقع الديمقراطية والحريات السيئ في الجزائر، فإننا نَخلص إلى التأكيد بأن الأغلبية الصامتة هي حقا موقف رفض وغضب وسخط على النظام وممارساته، إذ ما انفكت جبهة الأغلبية الصامتة تتعاظم منذ وقف المسار الديمقراطي وإلغاء التشريعيات سنة ألف وتسعمائة واثنتين وتسعين، وبلغت ذروتها في تشريعيات عام ألفين وسبعة، عندما يئست فئة أخرى من جدوى الممارسة السياسية، لتصل نسبة العزوف- حسب الأرقام الرسمية طبعا- إلى أربعة وستين في المائة من الهيئة الناخبة، أي أكثر من اثني عشر مليونا من أصل واحد وعشرين مليون ناخب، والحقيقة أن نسبة العزوف الفعلية حسب الكثير ممن تابعوا الاستحقاق تتجاوز هذا الرقم بكثير.. أما عن تركيبتها البشرية الاجتماعية والثقافية، فمن الصعوبة بمكان الجزم بأنها تتكون من المثقفين فقط أو من الدهماء، أو من النساء أكثر من الرجال. لكن بالنظر إلى هؤلاء الذين عادة ما يتوجهون إلى صناديق الاقتراع وتتفنن كاميرات اليتيمة في حشرهم أمام أبواب مراكز الاقتراع في المناطق النائية وبعض الولايات الداخلية وأغلبهم من الشيوخ والعجائز وبعض الناس البسطاء الذين يعتقدون أن عدم الانتخاب قد يعرض صاحبه للعقوبة، فإنه يتضح أن "الأغلبية الصامتة" تتكون في غالبيتها أولا من سكان المدن الكبرى، خاصة العاصمة والبليدة عنابة وغيرها، وبنسبة كبيرة من الشباب ثم من المثقفين... وهذا مؤشر آخر على أن"الأغلبية الصامتة" فعل إرادي يحمل رسالة سياسية وموقف إدانة للنظام وسخط على السلطة... الأغلبية الصامتة في الجزائر إذن هي إدانة وتنديد بممارسات السلطة، بأسلوب آخر، أسلوب الهجر الجميل الذي يعبر عن الغضب والسخط بالصمت، والصمت أبلغ وسيلة اختارها هؤلاء الصامتون لإيصال رسالتهم لنظام يرفض أن يسمع صوت الشعب حتى تتاح لهم وسيلة أخرى أبلغ تعبيرا، وأصدق إنباء من الصمت..