فرنسا تدخلت في خمس دول من الساحل الإفريقي وبعض الدول تنفي ذلك. فقد قال الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الفرنسية العقيد باتريك ستيكر أن قوة "برخان" (تديرها فرنسا شمال مالي) نفذت سنة 2016 في دول الساحل الخمس (موريتانيا، ومالي، والنيجر، وتشاد وبوركينا فاسو) 125 عملية بصفة منفردة أو بالتعاون مع قوات كل بلد على حدة". من جهة أخرى فزيارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لثلاث دول إفريقية هي السنيغال وجنوب إفريقيا وتنزانيا تعد بمثابة نوبة صحيان لواشنطن لإعادة الاهتمام بالقارة الإفريقية خاصة وقد سبقتها في الإستثمار فيها قوى اقتصادية مهمة في مقدمتها الصين والهند والبرازيل وروسيا بالإضافة إلى جنوب إفريقيا أعضاء في تجمع الدول ذات الإقتصادات سريعة النمو المعروف بإسم "بريكس". فهذه الدول سارعت لاستكشاف الثروات الضخمة والفرص الاستثمارية الواعدة في إفريقيا، على الرغم من نظرة العالم السابقة إلى هذه القارة على أنها مأوى للفقر والصراعات المسلحة والحروب القبلية والانقلابات العسكرية، ولكنها بدأت تلفت الأنظار اليوم بمعدلات نمو اقتصادي غير مسبوقة وقدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية وإقامة المشاريع التنموية المختلفة. وخلال جولة أوباما الإفريقية التي شملت دولة في شرق إفريقيا وأخرى في غربها وثالثة في جنوبها أكد الرئيس الأمريكي أن الولاياتالمتحدة لم تغفل إفريقيا من قائمة اهتماماتها وذلك ردا على الانتقادات الإفريقية بأن اوباما لم يقم بزيارة لأية دولة إفريقية منذ توليه الحكم سوى زيارة قصيرة لغانا على الرغم من أصوله الإفريقية. إفريقيا ساحة حرب جديدة بين القوى العظمى الحرب الاقتصادية بين باريس وواشنطن ضد موسكو وبكين أصبحت إفريقيا ساحة الحرب الجديدة بين القوى الغربية والقوى الشرقية العظمى. لو كان الأمر يقتصر على عرض المنتوجات والاستثمارات لهان أو قل لكان جيدا للأفارقة ولكن الأمر يخفي في تبعاته قضايا أمنية وعسكرية خطيرة تجعل من إفريقيا قارة غير مستقرة ولا مجال للتفكير فيها بالأمن والراحة. إذا فهمت هذا فقد فهمت لماذا لا تزال القارة تشتمل على بؤر للتوتر وأخرى للحرب والتمرد والثورات على عكس أوروبا وأمريكا وآسيا وأستراليا التي تنعم بنوع من الهدوء الكبير. فشمال مالي مثلا وليبيا وما يحصل في العديد من الدول الإفريقية تشتكي من تبعات ما قام به الغرب لا سيما فرنساوالولاياتالمتحدة من أجل أن تكون لهم مكانة وتأثير بالقارة. الأخطر من هذا ومن ذاك أن الولاياتالمتحدة وكذلك فرنسا لا تزالان تخططان للبقاء طويلا بالساحل الإفريقي ولا دليل أقوى على هذا من تخصيص غلاف مالي جديد وكبير للقوة العسكرية الفرنسية المتمركزة بالشمال المالي واتخاذ مناطق سرية للطائرات الأمريكية دون طيار. إذا كان التوغل الصيني بفضل التجارة والاستثمار وإذا كان التوغل الروسي بفضل بيع السلاح والشراكة العسكرية فإن التوغل الفرنسي – الأمريكي يحصل غالبا بواسطة القوة العسكرية يقوم البلدان بمجهود خفيف لتعليبها في صورة المساعدات. مكانة منطقة الساحل في الاستراتيجية الأمريكية: "مصالحنا الإستراتيجية في إطارها التقليدي بإفريقيا غير موجودة" لقد كانت دائما منطقة جنوب الصحراء الإفريقية في آخر الأولويات بالنسبة للإستراتيجية الأمريكية حيث بقيت حتى 1960 المنطقة الوحيدة التي نجت من النفوذ الأمريكي، وأصبحت بعد ذلك ساحة للنزال غير المباشر بين القطبين المتصارعين خلال الحرب الباردة حيث اختفت افريقيا من جديد عن الرادارات الأمريكية بعد سقوط جدار برلين عام 1995. وتوجد وثيقة رسمية للبنتاغون تؤكد أنه في نهاية المطاف فان مصالحنا الإستراتيجية في إطارها التقليدي بإفريقيا غير موجودة. إن السياسة الدفاعية الأمريكية تهدف إلى استقرار المنطقة على الأمد البعيد، أما على الأمد القريب فتهدف الى محاربة المجموعات الإرهابية المتواجدة على التراب الإفريقي، وكذلك الحد من حركة المهربين الذين يمدون هذه المجموعات الإرهابية بالوقود، مما يؤدى إلى عدم استقرار المنطقة، وقد حددت الإستراتيجية الوطنية الأمريكية سنة 2002 فيما يتعلق بالتحدي الإرهابي (أن الخطر يأتي من الدول الضعيفة ليفقر الدول القوية) هذه التصريحات هي نفسها التي حددت في الوثائق الاستراتيجية لحكومة أوباما للبرنامج الشامل في إفريقيا. خلفية اهتمام أمريكا بمنطقة الساحل واشنطن مهتمة بالحضور التجاري الصيني في المنطقة يعود الاهتمام الأمريكي بإفريقيا عامة ومنطقة الساحل خصوصا إلى عام 1998 بمناسبة العمليتين المتزامنتين ضد سفارتي الولاياتالمتحدةالأمريكية في كل من كينيا وتنزانيا، حيث تم إتباع العمليتين بالضربات التي وجهها الرئيس كلينتون إلى السودان الموطن المرحلي آنذاك لأسامة بن لادن وتنظيم القاعدة خلال النصف الثاني من عقد تسعينيات القرن الماضي. هذا الاهتمام تأكد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ففي نطاق الإستراتيجية الوطنية للدفاع التي قدمتها حكومة بوش سنة 2002 فان افريقيا أصبحت في مقدمة الأولويات في الحرب الشاملة على الإرهابيين، وفي سنة 2006 تأكدت هذه الأهمية أكثر فأكثر، حيث نتج عن هذه الأهمية الإستراتيجية المتزايدة إنشاء قيادة للجيش الأمريكي في إفريقيا سنة 2007 ولأول مرة في التاريخ الأمريكي هي جهاز الآفريكوم، وحتى ذلك التاريخ كانت القيادة الأوربية "اروكوم" هي المكلفة بالعمليات العسكرية في إفريقيا. وفي نهاية الأمر فان واشنطن مهتمة كذلك بالحضور الصيني التجاري في المنطقة، حيث ترصد باهتمام كبير التنافس المتزايد على الثروات الطبيعية في المنطقة وخصوصا الطاقة. حيث تستورد الولاياتالمتحدة من مختلف الدول الإفريقية التي تأتي في مقدمتها النيجر أكثر مما تستورد من الشرق الأوسط. تطور للهيمنة بلا سلاح ولا نزعة عسكرية احتلال جديد ذكي بالزي المدني يشعر الأفارقة بالإحباط لعدم تقدم أوباما – وهو الرئيس ذو الأصول الإفريقية والذي زعم طويلا أنه يحب إفريقيا والأفارقة - بمبادرة لدعم القارة مثل تلك التي تقدم بها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش والتي تتمثل في خطة طوارئ لتخفيف حدة مرض الإيدز في الدول الواقعة جنوب الصحراء الإفريقية، وتضمنت المبادرة الالتزام بتقديم نحو 19 مليار دولار على مدى خمس سنوات لمكافحة الإيدز فيما يعد أكبر مبادرة صحية دولية في التاريخ مخصصة لمرض واحد. وردا على هذه الانتقادات قال نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي بن رودس إن واشنطن ترى إفريقيا كواحدة من أهم المناطق الصاعدة في العالم ومكان يمكن لأمريكا أن تزيد فيه ارتباطاتها خلال السنوات القادمة، كما أن هناك فرصا اقتصادية متنامية لزيادة التجارة والاستثمار ودخول الشركات الأمريكية. وأضاف بن رودس إن هناك دولا أخرى دخلت اللعبة في إفريقيا وإذا لم تكن الولاياتالمتحدة رائدة في إفريقيا فسوف تتخلف في كل منطقة من العالم. ومن أسباب تأخر إدارة أوباما في إفريقيا أنه كان مشغولا إلى حد كبير في فترة ولايته الأولى بمعالجة الأزمة الماليةالأمريكية والحروب في العراق وأفغانستان مع الاهتمام بالأحداث في آسيا بينما بلغ عدد زيارات كبار المسؤولين الصينيين للقارة أكثر من 30 زيارة. ومن هنا فإن زيارة أوباما تمثل خطوة مهمة ليكون لواشنطن مكان محوري في القارة الإفريقية، ومن بين القرارات ذات المغزى التي أعلنها أوباما خلال الزيارة تنفيذ خطة لدعم قطاع الكهرباء في 6 دول هي إثيوبيا وغانا وكينيا وليبيريا ونيجيريا وتنزانيا بقيمة 7 مليارات دولار. وأعلن البيت الابيض أن هذه المعونة الأمريكية الحكومية بقيمة 7 مليارات دولار ستضاف إلى 9 مليارات أخرى من التمويل الخاص لدعم قطاع الطاقة في الدول التي تقع جنوب الصحراء حيث أن ثلثي تعداد السكان محرومين من الكهرباء، وفي هذا الصدد أكد أوباما أن تعزيز شبكة الكهرباء في الدول الإفريقية سيساعد على دفعها إلى ساحة الاقتصاد العالمي. ويمثل سكان إفريقيا ما نسبته 15 في المائة من تعداد العالم ومع ذلك فإنها تستهلك ما نسبته 3 في المائة فقط من الطاقة المستخدمة في العالم وذلك وفقا لتقرير أصدره مؤخرا الإتحاد الإفريقي. القارة السمراء الخزان المستقبلي للغذاء والتنمية والطاقة تزايد الاهتمام الأمريكي لإفريقيا مرده إلى تناقص الموارد الطبيعية ترى الشركات الأمريكية أن هناك فرصا متزايدة في إفريقيا، ويشير تقرير لمكتب التمثيل التجاري الامريكي إلى أن قيمة الصادرات الأمريكية مع 49 دولة في جنوب الصحراء بلغت 21 مليار دولار عام 2011 بزيادة نسبتها 23 في المائة عن العام السابق، بينما بلغت قيمة الواردات الأمريكية من هذه المنطقة خلال عام 2011 نحو 74 مليار دولار بزيادة نسبتها 14 في المائة مقارنة بالعام السابق، ويشكل النفط الخام معظم هذه الواردات بقيمة 60 مليون دولار، وفي المقابل بلغت قيمة التجارة الصينية مع هذه الدول قرابة 200 مليار دولار. وإدراكا من واشنطن بمعدل النمو السريع في إفريقيا فإنها تتجه من مجرد تقديم المعونة المالية كما كانت تفعل في الماضي إلى نموذج جديد يتم من خلاله تقديم المساعدة لدعم قدرة الدول الإفريقية على حل مشكلاتها، ومن بينها توفير الكهرباء وتحقيق الأمن الغذائي ومكافحة الأمراض. وأعلن أوباما أيضا تقديم 47 مليون دولار إضافية كمعونة لدعم تكنولوجيا الزراعة والبذور في السنيغال، بينما تعهدت الشركات الأمريكية باستثمار 134 مليون دولار في النظام الزراعي بالسنيغال، وتعهدت 70 شركة أمريكية بتقديم مساعدة للدول الإفريقية تقدر 3.7 مليارات دولار في مجال التصنيع الزراعي وإنتاج البذور وتسويقها وفقا لتقرير أصدره البيت الأبيض. ومن جهة أخرى أصبح من الواضح أن دول البريكس وفي مقدمتها الصين باتت تنافس الولاياتالمتحدة والإتحاد الأوروبي في معدلات الإستثمار في إفريقيا، فقد أنفق الصينيون مليارات الدولارات على مشروعات البنية التحتية في القارة الإفريقية، وتوجد نحو ألفي شركة صينية تستثمر في قطاعات مختلفة داخل القارة من بينها الإليكترونيات والاتصالات والنقل والنفط والتعدين والطاقة وبناء السدود والمطارات والطرق إلى جانب التصنيع والتوسع في قطاع الخدمات، وبلغ حجم هذه الإستثمارات مؤخرا 214 مليار دولار. أما الشركات الهندية فقد قطعت شوطا كبيرا في الاستثمار في إفريقيا خاصة في مجالات الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتصنيع والطاقة، خاصة وأن هناك شركات هندية عملاقة في مجالات عديدة بعضها مسجل في بورصة نيويورك. أما البرازيل وهي عضو أيضا في تجمع بريكس فقد سعت لأن تجرب حظها في الإستثمار بإفريقيا حيث بلغ حجم استثماراتها بنهاية عام 2012 نحو 3.2 مليار دولار، وتسعى البرازيل إلى تصدير التكنولوجيا المناسبة التي تحتاجها الدول الإفريقية لتحقيق التقدم الإقتصادي إلى جانب المساهمة في مشروعات البنية التحتية والتنمية. وهذا التنافس على الإستثمار في إفريقيا يوضح أنها ستكون قارة الغد ومحفلا للأنشطة الإقتصادية العالمية خاصة مع ارتفاع دخول شرائح جديدة من مواطنيها بما يجعلها سوقا واعدة للمنتجات المختلفة.