تقوم المغرب منذ أشهر بتوسع دبلوماسي وسياسي واقتصادي كبير النطاق في أكثر من دولة إفريقية لا سيما السنيغال ومالي قصد الهيمنة أولا على السوق المحلية ثم النفوذ السياسي في المنطقة ولا يخفى ما تحمله الحركة هذه من خلفيات سباق سياسي مع الغريم الجزائري. ولم يخف هذا الجهد المغربي على الولاياتالمتحدةالأمريكية إذ نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى للدراسات الاستراتيجية بقلم فورين آفيرز تقريرا بالغ الأهمية قد يشكل نظرة الولاياتالمتحدة لزيارة الملك محمد السادس إلى خمسة دول إفريقية كانت أولها دولة مالي بعد أن استقبل حركة تحرير الأزواد في قصره بالمغرب. المعلوم لدى الجميع أن الجزائر هي الجار القوي واللاعب الرئيس في المنطقة منذ أكثر من عشرين سنة أي منذ أن قام حسن فاغاغا بثورة عارمة على باماكو واستطاعت الجزائر لم شمل الإخوة الفرقاء. واستمرت الجزائر على هذا السلوك إلى غاية 2006 حيث استطاعت لم شمل الماليين بعد ثورة إبراهيم آغ باهانغا وعقد "اتفاق الجزائر" المشهور والذي استعاد إلى منطقة الأزواد أمنها. بحسب "فورين آفيرز" المختص لدى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في الدراسات المغاربية ففي اجتماع عقد في المغرب في نوفمبر 2013، "وافق وزراء خارجية 19 دولة، من بينها فرنسا وليبيا ومالي، على اتفاق لإنشاء معسكر تدريب مشترك لتأمين الحدود، ومن المرجح إقامته في العاصمة المغربية. وكان هذا الاتفاق المعروف باسم "إعلان الرباط" تتويجاً لجهود المغرب لتأكيد تواجدها في العمليات الأمنية ومكافحة الإرهاب في شمال إفريقيا. وقد تجلت سياستها الخارجية الجديدة في ضوء الاضطرابات التي حدثت على مدار العامين الماضيين في مالي، والتي كانت، حتى وقت قريب، ضمن نطاق نفوذ جارتها الأكبر بكثير – الجزائر". في ظرف باتت فيه المشاكل الأمنية تشكل تهديدا عاجلا للأمن القومي الجزائر تركز على تأمين حدودها يقول معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى "ففي خضم الأزمة المالية- التي أخذت شكل تمرد قبلي تبعه انقلاب عسكري وانتفاضة مسلحة أدت في النهاية إلى تدخل فرنسي - ركز صناع القرار والخبراء على فرصة الجزائر للعب دور في تسوية النزاع من خلال الاستفادة من جيشها الكبير وقوة أجهزتها الاستخباراتية. فرغم أن تمركز الإرهابيين على طول الحدود بين ماليوالجزائر كان إرثاً من العشرية السوداء في تسعينات القرن الماضي - عندما أُجبر الإسلاميون المسلحون إلى التقهقر من المناطق الأكثر اكتظاظاً بالسكان في البلاد نحو جنوبها وإلى الحدود الصحراوية ثم إلى شمال مالي - بقيت الجزائر بعيداً عن الاضطرابات الدائرة في مالي. وقد ركزت الجزائر على تأمين حدودها ضد انتشار المتطرفين الإسلاميين. وعلى النقيض من ذلك الموقف، بحسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى "هرعت المغرب إلى الانضمام إلى التدخل الذي قادته فرنسا في مالي. وبأخذها زمام المبادرة من منافستها، كانت المغرب قادرة على كسب أفضلية في معركتها مع الجزائر حول النفوذ الإقليمي. فالأشياء التي كانت صعبة المنال في السابق- مثل ممارسة النفوذ وإقامة علاقات ثنائية مع دول في منطقة الساحل دون تدخل الجزائر - أصبحت الآن في متناول المغرب". نقل النموذج المرتكز على الممارسة الدينية المعتدلة إلى مالي أسباب جيوستراتيجية واقتصادية وتوسعية باسم الملك المغرب وجدت نفسها مستبعدة إلى حد كبير من المبادرات الإقليمية بسبب تنافسها التاريخي مع الجزائر؛ على سبيل المثال، إنها ليست عضواً في "لجنة هيئة الأركان المشتركة" التي تتخذ من الجزائر مقراً لها والمعنية بتنسيق عمليات مكافحة الإرهاب بين الجزائروماليوموريتانيا والنيجر. وكنتيجة لذلك، يوجد لدى المغرب أسباب جيوستراتيجية واقتصادية وربما حتى توسعية لتعزيز مكانتها في شمال إفريقيا. ولكن إذا كانت دوافعها هي أيضاً أمنية في الأساس لوقف انتشار المتشددين الإسلاميين في المناطق الحدودية التي ينعدم فيها القانون في منطقة الساحل. ويضيف المعهد الأمريكي : "ترغب المغرب الآن في نقل هذا النموذج الموحد الذي تقوده البلاد والمرتكز على الممارسة الدينية المعتدلة إلى مالي وفي أن تصبح مصدراً للإسلام المعتدل في شتى أنحاء شمال إفريقيا. وفي سبتمبر عام 2013، وقّعت مالي والمغرب اتفاقاً لجلب 500 إمام مالي إلى المغرب للتدريب الديني، حيث تأمل الحكومتان أن يكون تدريبهم بمثابة الدرع الحصين ضد الدعاة المتشددين الذين بنوا مدارس ومساجد في مالي. فالحساسيات الأصولية قد حلت تدريجياً محل الصوفية الأكثر استكانة في مالي وعبر شمال إفريقيا. وفي نوفمبر الماضي، وقبل وقت قصير من توقيع البلدين على معاهدة الأمن الإقليمي، توصلت المغرب ومالي إلى اتفاق خاص بالشؤون الدينية. ومن خلال الشراكة التي جمعت بين وزارتي الشؤون الدينية الخاصة بكل منهما، اتفق البلدان على التعاون في العمل على فقه المالكية وتفسيرها من أجل تعزيز الاعتدال ومحاربة الأيديولوجيات المتشددة. السعي إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع جيرانها في الجنوب المغرب ترمي إلى لعب دور المعلم في المنطقة وفي ضوء لعب المغرب دور المعلم في هذا الإطار، فإن الاتفاق سيشمل حتماً فرض الممارسات الدينية المغربية في مالي. ولكن، بالفعل هناك الكثير من القواسم المشتركة بين الممارسات الدينية في مالي ونظيرتها في المغرب - فالأولى تتبع المدرسة المالكية بشكل كبير - كما أن النخب في مالي ترى أن الهيمنة المغربية المحتملة هي أخف الضررين. وإذا ما كللت هذا المبادرة بالنجاح، فإنها قد تزيد من حجم تأثير المغرب في مالي وعلى منطقة الساحل الأوسع. لكن بإمكان المغرب تعزيز الآمال الوحدوية التي لا تزال عالقة في أذهانها منذ وقت طويل والهادفة إلى تأسيس وحدة المغرب الكبرى، التي تضم أطراف الصحراء الغربية المطلة على الجزائر، وجميع أنحاء موريتانيا وشمال غرب مالي والصحراء الغربية. وقد ترسخ هذا المفهوم بعد استقلال المغرب في الخمسينيات، عندما تطلع القوميون المغربيون إلى استعادة حدود السلطنة المغربية الكائنة قبل الاستعمار. وبالإضافة إلى الاتفاقات الأمنية والدينية مع مالي، "فقد سعت المغرب أيضاَ - التي تفتقر إلى النفط والموارد الطبيعية - إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع جيرانها في الجنوب. فأقامت فروعاً لمصارفها في مالي والسنيغال. وقد حصل إحداها - "التجاري وفا بنك" - على حصة تزيد عن 50 بالمائة في "بنك إنترناسيونال" في مالي. كما اشترت شركة "اتصالات المغرب" المملوكة للدولة شركات اتصالات في ماليوموريتانيا والنيجر ولديها فروع في بوركينا فاسو. وكثفت شركة "المكتب الشريف للفوسفات" ( (OCP - وهي شركة الفوسفات المغربية التي تديرها الدولة - عمليات التنقيب عن الفوسفات التي تقوم بها في شرق مالي. ولدى مالي موارد طبيعية أخرى يمكن للشركات المغربية أن تتطلع لاستخراجها، مثل الذهب واليورانيوم وخام الحديد، وربما الماس". خلاصة تقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى للدراسات الاستراتيجية "مشكل الملك محمد السادس أن الجزائر لا يزال ظلها الأكبر ويلوح في الأفق" "مع مرور الوقت فقط سنعرف إذا ما كانت علاقة المغرب مع مالي ستكون قائمة على المشاركة العادلة أم أنها علاقة تبعية. وفي ضوء جميع مناطق النفوذ التي ستحظى بها المغرب من علاقتها مع مالي، فعلى المرء أن يتساءل عما إذا كان بإمكان حكومة الرئيس المالي إبراهيم أبو بكر كيتا التفاوض على اتفاق تعويضي عادل إذا اكتشف عمال المناجم المغربية - على سبيل المثال - احتياطيات هائلة من الموارد الطبيعية في مالي". هذا ما لخلص به تقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى للدراسات الإستراتيجية نظرته إلى الجهد المغربي في الهيمنة على نطاق نفوذ الجزائر. لكن المشكل بالنسبة إلى الملك محمد السادس أنه "لا يزال ظل جارة المغرب الأكبر - الجزائر - يلوح في الأفق. فإذا أصبحت الجزائر أقل انشغالاً واهتماماً بقضاياها الداخلية، أو إذا أدت حالة عدم الاستقرار المتزايدة على حدودها إلى إجبار حكومتها على النظر أخيراً إلى الخارج والاضطلاع بدور إقليمي أكبر، فيمكنها حينئذ أن تحل محل سياسة القوة الناعمة الناشئة التي تتبناها المغرب في سياستها الخارجية. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال الجزائر القوة الاقتصادية والأمنية الرئيسية في المنطقة، ولها حدود طويلة ونافذة مع مالي.