لطالما سمعنا عن قصص تروي مأساة زوجة الأب أو بالأحرى الزوجة الثانية، عايشنا تجارب حية لرجال ارتبطوا بزوجة ثانية، فبعضها باءت بالفشل وأخرى تكللت بالنجاح بعد عقبات كثيرة كادت أن تحطم كيان الأسرة الأولى وتشرد أطفالها، رغم أن الزوجة الثانية ما هي إلا امرأة لا تريد إلا الستر والاستقرار، والرجل الذي يريد الإرتباط بها لم يقترف جرما سوى أنه أراد تجسيد حقه الشرعي. الزوجة الثانية كابوس يهدد الاستقرار
تضحي الزوجة الأولى بالكثير من أجل الحفاظ على عائلتها عموما وعلى زوجها خصوصا، فتجدها تتحمل قساوته أو تسلطه وجبروته حتى لا يفكر مجرد التفكير في إعادة الزواج من أخرى، فتعمل المستحيل لتحقيق احتياجات زوجها، فهي لا تنعم بالراحة والاطمئنان في حياتها اليومية مخافة أن ينتهج زوجها هذا الأسلوب وهو إعادة الزواج، خاصة إذا ما لمست شهادات حية في محيطها الاجتماعي، ذلك ما شرحته لنا "غنية" 38 سنة، أم لطفل، تقول أن زوجها كثير الطلبات ويعشق الجمال، وهذا ما تشعر به عند حديثه عن امرأة أخرى أو عند مشاهدته للتلفاز، الأمر الذي ينغص عليها حياتها، فهي ليست كذلك ولطالما شعرت بالنقص حيال هذا الموضوع لتتكون لديها عقدة يصعب التخلص منها، وهي تخشى أن يفكر زوجها في إعادة الزواج والارتباط بأخرى يجد لديها ما لم يجده عندها ، وهذا ما يجعلها تبذل ما بوسعها وأحيانا أخرى فوق طاقتها لإرضائه ولو كان ذلك على حساب راحتها وصحتها، ونفس الشيء بالنسبة إلى "لمياء" 42 سنة متزوجة منذ أكثر من 5 سنوات ولم ترزق بنعمة الأولاد، فهي تقول أنها لا تشعر أبدا بنعمة الهدوء وراحة البال، وكل يوم تستيقظ فيه إلا وتخشى أن تسمع بخبر ارتباط زوجها بأخرى على أساس أن العيب فيها. النساء: إعادة زواج الرجل غدر وخيانة وفي أغلب الحالات التي صادفناها في إطار معالجتنا لهذا الموضوع ، استخلصنا أن معظم النساء سواء المتزوجات أو العازبات يرفضن فكرة الزوجة الثانية رفضا قاطعا ، ويصفنه على أنه غدر وخيانة ليس إلا، وهي نوع من الأنانية وحب الذات، هذا ما صرحت به لنا السيدة لمياء 40 سنة، متزوجة وأم لثلاثة أطفال، وهي إطار بمؤسسة تربوية، حيث تقول أنها لا تتستوعب فكرة ارتباط زوجها بأخرى وإن حدث ذلك فهي ستقبل بالطلاق وستضحي بعائلتها على حساب ذلك، فهذا بالنسبة لها ذل وإهانة لن تتحملها، واعتبرت "لمياء" أن النساء اللواتي يقبلن هذا الوضع ليس لديهن كرامة ولا عزة نفس ، ونفس الشيء قالته "خديجة" 50 سنة، وهي متزوجة منذ عشرين سنة وأم لخمسة أولاد، حيث تؤكد لنا أنها لن تتحكم في تصرفاتها، وردة فعلها إذا ما أحست أن زوجها يخونها وينوي الزواج بأخرى سيكون الموت البطيء لها كما تقول ، لأنها لا تستحق منه هذا الجزاء وهي التي وقفت إلى جانبه في أوقات الشدة وتحملت الجوع والحرمان من أجله ، وعندما يفرج الله عليه يرميها رمية كيس القمامة كما يقال .
زوجات يقبلن "الضرة" بكل روح رياضية
ومن جهة أخرى نجد بعض النساء ينظرن للموضوع من زاوية محايدة وموضوعية ،على أساس أنه أمر شرعه ديننا الحنيف ولا يمس بكرامة المرأة إذا ما كانت هناك ظروف تستوجب ذلك في حالات كثيرة ، لكون الزوجة الأولى هي التي تطلب من الرجل الزواج من أخرى إلى حد يجعلها هي من تبادر بذلك في أول خطوة له، وهذا هو حال "سعيدة" 45 سنة وأم لطفل، فتقول أنها لا تمانع من ارتباط زوجها بأخرى، وأنها تستعد وتقبل الأمر بكل روح رياضية، فهي تعاني من مرض عضال ولا يمكنها تلبية حاجيات زوجها والقيام بواجبها ، وخاصة أن زوجها رجل طيب وقف إلى جانبها في مرضها ولم يتخلى عنها، لذلك فهي تفكر في البحث له عن عروسة تحقق له الاستقرار النفسي والسعادة الزوجية التي يستحقها. وذات الأمر لمسناه عند تحدثنا إلى الحاجة "نورية" 50 سنة، وهي الزوجة الأولى التي تعيش مع ضرتها البالغة من العمر 36 سنة، وصرحت لنا أنها تنعم بالسعادة والهناء مع ضرتها التي تعيش في الطابق الثاني، فيما بقيت هي في الطابق السفلي، فهي تفضل أن تتحمل الضرة على أن يطلقها زوجها أو يسلك طريق الحرام والعياذ بالله، وتضيف الحاجة "نورية" أنه لا عيب فيما شرعه الله ، لكن العيب فينا نحن البشر لأننا لا ندرك ما هي الحكمة في تحليل ديننا لتعدد الزوجات، والدليل على ذلك السعادة التي تتمتع بها، فبتصرفها وعدم معارضتها لزوجها جعلها تكبر في عينه أكثر وأضفى عليها استقرار لم تكن تنعم به من قبل.
المرأة تفضل الطلاق على أن تكون لها "ضرة"
لكن الواقع يعكس حالات كثيرة كانت فيها الزوجة الثانية "الضرة " هي السبب الرئيسي وراء تشتت أسرة وضياع أطفال، فطبيعة المرأة بغيرتها وأنوثتها وعزة نفسها ، تمنعها من قبول الضرة في أرض الواقع وإذا ما شعرت وأحست بالغدر فهي لن تتحملها ، ليكون الطلاق الحل الفاصل والخيار الأوحد لها، فهي لا تتحمل شريكة لها مهما كانت الظروف المؤدية لذلك ، وأمثالها كثيرات ممن عجت بهن أروقة المحاكم لا لسبب سوى بسبب الضرة و"صليحة " 37 سنة واحدة منهن ، التقينا بها بمحكمة الحراش والتي طلبت الخلع من زوجها الذي تزوج عليها حتى أنها أخبرتنا بأنها لن تعود إليه مهما توسل ومهما اعتذر لها، وكان عليه أن يفكر بعواقب فعلته قبل أن يقدم على جرمه كما تقول، وهي غير مبالية لكلام الناس لأنها تفضل أن تكون مطلقة على أن تكون لها ضرة ، ويبقى الأبناء هم الذين يحصدون مرارة الطلاق، فيجدون أنفسهم بين كفة الأم وكفة الوالد و يبقى الفاصل بينهما "الضرة" . .. وللرجال رأي آخر وفي ذات السياق، ارتأينا الحديث إلى العنصر الرجالي ، لمعرفة رأيهم في موضوع تعدد الزوجات، وبالأخص في إمكانية ارتباطهم بزوجة ثانية، حتى نحدث نوعا من التوازن، فكان حديثنا الأول مع "عز الدين" 42 سنة متزوج منذ سنتين ، حيث أكد لنا أنه لا يعارض فكرة الارتباط مجددا إذا ما سمحت له الفرصة بذلك، كون زواجه كان تقليديا محضا، إلا أن ظروفه المادية صعبة ولا تسمح له بفتح بيت آخر علاوة على المشاكل الاجتماعية التي ستترتب من ذلك الارتباط ، فهو يدرك جيدا أن زوجته لن تتقبل الوضع وستلجأ إلى الطلاق ، إضافة إلى أن عائلته ستعارضه وستعتبره خرقا للقوانين والأعراف، وهذا ما يجبره على التعايش مع الواقع المفروض عليه شاء أم أبى. أما يوسف،54 سنة، متزوج وأب ل 4 أطفال، فقد صرح لنا في حديثه أنه يعارض فكرة الارتباط بأخرى، وأنه يعيش حياة سعيدة مع زوجته التي أحبها قلبه ، فكانت له الزوجة المخلصة والوفية دوما، ولن يفكر في خيانتها والزواج بأخرى مهما حدث، ويضيف أن ليس كل الرجال مولعون بزوجة ثانية، ومن يفكر بذلك المنطق فهو يشعر بداخله بالنقص، أما البعض من الرجال فقد أبدوا في حديثهم ، تعاطفهم مع الموضوع باعتباره حقا مشروعا له سواء من الناحية القانونية أومن تعاليم الشريعة الإسلامية .
الأطفال يمقتون زوجة الأب لأنها تحرمهم من الصدر الحنون أما وجهة نظر الأطفال للموضوع باعتبار أنهم لا يملكون سلطة قبول أو رفض أي قرار يتحكم في مصير عائلتهم، ويعدون كبش فداء في هذه الحالات. وكل طفل فتحنا معه الموضوع عبَر و بشدة عن رفضه القاطع والصارم لزواج والده من أخرى تأخذ مكان والدته و تحرمه من صدرها الحنون كما تسرق منهم والدهم ، وأكدوا تعاطفهم الشديد مع الأم التي اعتبروها ضحية خيانة عظمى ، المتسبب الأول والأخير فيها الزوجة الثانية، ، فعامر طفل في ال 13 من العمر، أبدى استياءه الشديد من الموضوع، ووصف ذلك على أنه خيانة في حق والدته التي ضحت بشبابها وسعادتها لإرضاء والدهم، وأما صديقه "أحمد" 12 سنة و الذي كان بجانبه ، قد تدخل بحدة في الحوار وبدون مقدمات قال أنه مستعد لقتل أي امرأة تنوي الغدر بأمه وسرقة والده منهم، ونفس الشيء كان بالنسبة لمجموعة من الأطفال الذين أحاطوا بنا ونحن نتساءل الحوار مع عامر وأحمد، ليطول الحديث بيننا ونسمع ما كان مكبوت لديهم من حقد وكره لأي امرأة تريد التربص بوالدهم .
اجتماعيا و نفسانيا: الضرة تسرق سعادة الأسرة واستقرارها
من جهتها تشرح لنا الأخصائية الاجتماعية "صورية تيجاني" أن المجتمع ينظر للزوجة الثانية دائما على أنها العدو الذي يحاول أن يسرق سعادة واستقرار الأسرة ، لكن تبقى نظرة الرجل على عكس ذلك فهو يشعر أنه حق مشروع له ، خاصة إذا كان يتمتع بالاكتفاء المادي ، الأمر الذي يجعله يسعى لتعديد الزوجات . أما من الناحية النفسانية، فالزوجة تشعر بالخيانة والغدر من قبل زوجها إذا ما فكر مجرد التفكير في أخرى غيرها ، وغالبا ما يكون الدافع المادي حاضرا ، وراء قبول المرأة بالارتباط برجل متزوج لتحظى بالاستقرار النفسي والمادي ، إلا أن هذا الدافع قد تراجع تضيف الأخصائية "صورية تيجاني" حيث ان أغلب النساء أصبحن يتمتعن بالاستقرار المادي الذي يمكنهن من العيش بدون كفالة الرجل. دينيا : الإسلام أباح التعدد واشترط العدل لقد أباح المشرع الجزائري تعدد الزوجات ولكن في حدود الشريعة الإسلامية ومن ثم لا يجوز للشخص أن يتزوج في آن واحد المرأة وأختها أو المرأة وعمتها أو خالتها، وذلك مصداقا لقوله تعالى:« وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« نهي أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها» سواء كانت شقيقة أو لأم أو من الرضاعة. والجدير بالملاحظة أنه في حالة ما إذا طلقت الأخت فإنه لا يجوز له أن يتزوج بأختها أو عمتها أو خالتها إلا بعد انتهاء عدة المطلقة. و قد استقر الفقه الإسلامي على أنه لا يجوز أن يكون تحت عصمة الرجل أكثر من أربعة نسوة ، ومن ثم إن كان تحت عصمته أربع زوجات فالزواج بالخامسة باطل بطلانا مطلقا دخل بها أو لم يدخل بها، ومن ثم لا يجوز له أن يتزوج هذه الخامسة إلا بعد أن يطلق واحدة من هذه الأربعة التي تحت عصمته، ويشترط أن يحترم عدة المطلقة حتى يتسنى له الزواج بالخامسة وإلا كان زواجه باطلا . قانونيا : المشرع الجزائري قيّد التعدد بإخبار الزوجتين ورضاهما معا المشرع الجزائري أباح تعدد الزوجات في قانون الأسرة غير أنه قيده بعدة شروط، بحيث نصت المادة 08 من قانون الأسرة على أنه:" يسمح بالزواج بأكثر من زوجة واحدة في حدود الشريعة الإسلامية متى وجد المبرر الشرعي وتوفرت الشروط ونية العدل، ويجب على الزوج إخبار الزوجة السابقة والمرأة التي يقبل على الزواج بها ويقدم طلب الترخيص بالزواج إلى رئيس المحكمة بمكان مسكن الزوجية".
وإن المقصود من ذلك هو أنه لا يكتفي بإبلاغ الزوجة السابقة واللاحقة بالتعدد بل ينبغي الحصول على موافقتهما، ولكن في حالة ما إذا وقع تدليس في شأن الحالة المدنية للزوج بأنه ادعى أنه غير متزوج وتبين فيما بعد خلاف ذلك فجعل المشرع هذه الحالة من حالات التطليق طبقا للمادة 08 مكرر من قانون الأسرة بقولها:" في حالة التدليس يجوز لكل زوجة رفع دعوى قضائية ضد الزوج للمطالبة بالتطليق " زهية بوغليط