بغية مجابهة متطلبات الحياة وغلاء المعيشة، خرجت العديد من النساء للعمل رغبة منهن في مساعدة الزوج في مصاريف البيت أو تحقيقا للاستقلالية المادية، وأمام انشغال المرأة في العمل صارت بعض الأسر مهددة بالتفكك. برزت في حياة بعض النساء العاملات جملة من المشاكل وأفضت إلى خلافات زوجية من العيار الثقيل منها ما كاد يؤول إلى الطلاق، وبات التساؤل عما تقرره المرأة العاملة إذا ما خيرت بين المحافظة على زوجها وأسرتها أو تركها لعملها؟ تعترف بعض النساء أن الإنكباب والانغماس في العمل أصبح خطرا يحدق بحياتهن العائلية، حيث تروي لنا آمال موظفة بأحد مكاتب البريد: «كانت أموري تسير على ما يرام ولم يكن زوجي يمنع عملي ولكن بعد عودتي من عطلة الأمومة نشبت المشاكل في بيتي والسبب أنني أهمل أشغال البيت وأترك طفلي عند حماتي ما جعل زوجي يتوعدني في حال حدث للطفل أي مكروه، خاصة أنني رفضت التخلي عن العمل». كاد بيتها يحترق بينما هي في العمل هي الصدمة التي كادت تفقد زينب خلالها أطفالها الثلاثة ما دفعها إلى ترك العمل والمكوث إلى جانبهم، ما جعلها تؤكد أن مكان المرأة هو بيتها ووظيفتها الأساسية هي التربية والعناية بأهل البيت، فمن غير السهل أن نضحي بفلذة أكبادنا تقول المعنية، مضيفة: «كدت أفقد أطفالي بعد أن تركتهم في البيت وحدهم ظنا، مني أنهم وصلوا السن الذي اعتمد فيه عليهم والسبب هو إشغالهم للفرن وهو يحتوي على طبق خبز فارغ داخله ما أدى إلى احتراقه ،ولولا أنهم طلبوا النجدة في الوقت المناسب لانفجر البيت بما فيه»، تقول بخصوص قرارها في التوقف عن العمل: «من وقع الصدمة في نفسي وشعوري أنني كدت أخسر أعز ما أملك، قررت التوقف عن العمل، فلن يغنيني ذلك الراتب عن أطفالي». هذا وتهمل بعض العاملات أزواجهن بعد أن كن يولين له كل الأهمية، وقد لا ينتبهن لذلك، إلا حين يشعرن للحظة أنهن سيخسرنه، تقول آسيا عاملة في إحدى المؤسسات العمومية أنها لا تتفرغ لبيتها وزوجها إلا في نهاية الأسبوع نظرا للضغط المفروض عليها في العمل، أما خلال باقي الأيام فجل مسؤولية البيت واقعة على عاتق الزوج، حيث تؤكد أن زوجها لم يشتك يوميا ولم يسبق له أن تذمر منها، إلى أن تفاجأت به يوما يتحدث مع امرأة، ومن سياق الكلام الذي سمعته تأكدت أن زوجها يخونها، تروي: «بكيت كثيرا وذهبت إلى بيت أهلي، ولكن أمي أكدت لي أنني السبب في ذلك، فعملي أخذ كل وقتي وجعلني أهمل العناية بزوجي، ومن الطبيعي جدا أن يرتمي في أحضان أخرى حسب ما تؤكده أمي»، تضيف: «مسحت دموعي وعدت إلى البيت، وأنا أقول في نفسي لن أخسر زوجي مهما حدث ولو اضطررت للاستقالة من العمل». أما نادية فبالرغم من أن منصبها مغر جدا لكل امرأة، فهي مضيفة طيران، إلا أنها قررت وبعد ولادتها الثانية التفرغ لتربية ابنها، متجنبة الخطأ الذي وقعت فيه مع ابنها الأول، حيث تقول أنها لم تكن ترى ابنها كثيرا وأولت مهمة تربيته لأمها، ولكن تفاجأت بعد سنوات أن ابنها ليس قريبا منها كأي ابن وأمه، إضافة إلى أنه عصبي وعنيف للغاية. أما عن رأي الرجل في المشاكل التي تحدث نتيجة انهماك المرأة في العمل خارج البيت، يقول محمد: «لو قلنا أن العمل ليس من مهام المرأة لاعتبرنا من الذين لا يعترفون بحقوقها، فأنا مثلا تزوجت من جامعية وكان شرطها قبل الزواج هو العمل وقبلت، خاصة أنني كنت لا أرى غيرها وأردتها زوجة مهما حدث، والآن هي عاملة ولدينا ابن واحد نتعاون على تربيته ونقتسم مسؤولية البيت». مراد راح يقارن بين كيف كان يعيش مع إخوته وسط عائلة لا مهمة فيها للأم سوى رعاية أطفالها. في حين يجد الآن أن أطفاله محرومون من حنان الأم، خاصة وأن زوجته تعمل ولا وقت لديها لأولادها، يقول مراد عن تأثير عمل زوجته على الأسرة: «بحكم أن عملي مرتبط بمدة معينة يحددها العقد، صرت الأم والأب في آن واحد، ولكن بعد مدة وبعودتي للعمل وصلت إلى نتيجة وهي أن المرأة مكانها هو البيت، أما الرجل فهو المسؤول عن توفير الماديات، ولكن لما صارحتها بذلك فهمت قصدي على أنني رجل متسلط وجاهل لا يعترف بحقوق المرأة». إن عمل المرأة له من السلبيات ما يقاربه من الإيجابيات، فهي تساعد الرجل فعلا في توفير الضروريات، ولكنها قد تضحي بحرمان أطفالها وزوجها من الرعاية والاهتمام والعطف، تقول الضاوية 60 سنة: «إن عمل المرأة يجعلها لا تربي أولادها كما ترغب، ولا تدرك ذلك إلا حين يقع الفأس في الرأس لتأتي وتشتكي سلوكات غير مقبولة لابنها، فهي تتركهم في حضانة الغير وتحت رعاية الآخرين فيشعر الطفل بشعور يختلف كثيرا عما يكون عليه في حال نشوئه وسط والديه». عمل المرأة حقها الشرعي الذي يجب أن لا تتخلى عنه مهما حدث تقول نزيهة، عاملة بإحدى نقاط متعامل الهاتف النقال، حيث تؤكد أن عمل المرأة وتمسكها به مقرون بالبيئة التي تعيش فيها، فإن لاقت التشجيع والمساعدة من المحيط فلن تتخلى عن عملها، إن تعلم المرأة ووصولها إلى أعلى المستويات أدى إلى بروز نساء يحاولن إبراز أنفسهن في المجتمع في شتى الميادين، فقد كان عمل المرأة تمردا على العادات والتقاليد في بعض المناطق، ولكنها مع الوقت أصبحت تنافس الرجل، وباتت أسر بأكملها تعلق على المرأة وعملها آمالا كبيرة، ولكن بعضهن دفعن ثمن ذلك غاليا، وإذا رفعت بعض العاملات الراية البيضاء وتراجعن عن قرار العمل، لازالت أخريات تتحدين الصعوبات، منتقدات ذهنية بعض الرجال الذين يرون أن المرأة مكانها البيت وتربية الأولاد فقط، وأن على الرجل الاعتراف بالمرأة وجودا وتفكيرا وأن يرى منها كيانا مستقلا.