رغم مرور 20 سنة على حل حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لا زال الوعاء الانتخابي لهذا الحزب المحظور من العمل السياسي منذ سنة 1991 يثير شهية الأحزاب المحسوبة على التيارين الإسلامي والوطني وينظر لهذه القاعدة الشعبية على أنها معيار ترجيح الكفة الانتخابية في استحقاق العاشر ماي القادم. ورغم أن انتخابات 2007 خيبت آمال الأحزاب الإسلامية فيما كانت تعتبره القوة الإسلامية الضاربة، بحكم مقاطعة القطاع العريض من أنصار التيار الإسلامي لتلك الانتخابات التي عرفت أضعف نسبة مشاركة لم تتجاوز ال 30 بالمائة حسب الأرقام الرسمية، ولم تتمكن ثلاثة أحزاب إسلامية مجتمعة من الظفر بأغلبية مقاعد البرلمان، هاهي سبعة أحزاب على الأقل تغازل الوعاء الانتخابي ل «الفيس المحظور« هي حركة النهضة وحركة حمس وجبهة العدالة والتنمية لرئيسها عبد الله جاب الله وكذا جبهة الحرية والعدالة لمحمد السعيد وحركة الإصلاح الوطني وحزب جبهة التحرير الوطني وحزب العمال الذي يطلق خطابا أكثر دغدغة لعواطف قيادات الحزب المحظور وقاعدته النضالية، ولكل من هذه الأحزاب سواء المعتمدة منها أو التي تنتظر اعتمادها رسميا طريقته في استقطاب جبهة عباسي مدني الذي يعتبر الغائب الأكبر من ضمن القيادات المؤسسة لحزبه. فالنهضة التي يقودها فاتح ربيعي وهو من جيل الإسلاميين الذين تتلمذوا على يد مؤسس التنظيم سنة 1974 بالجامعة الإسلامية بقسنطينة عبد الله جاب الله أطلق «فرقعة إعلامية» اسمها تشكيل تحالف للإسلاميين مضاد للتزوير، وترك قيادات إسلامية لم يعد لها كثير من الحضور في واجهة الساحة السياسية، تسعى لتجسيد هذا المشروع الذي برز فيه اسم القيادي السابق في النهضة ومؤسس في رابطة الدعوة الإسلامية عزالدين جرافة، كمنسق وطني للمبادرة التي رحبت بها كذلك جبهة التغيير التي تسعى من جانبها لاستقطاب عناصر قيادات وأنصار الحزب المحظور المستفيدة من تدابير المصالحة الوطنية. وكان من أبرز صور التقارب بين جبهة مناصرة وأنصار »الفيس المحظور« حضور الشيخ الهاشمي سحنوني وهو عضو مؤسس للجبهة الإسلامية للإنقاذ سابقا وإمام وخطيب وشيخ وداعية يحظى بشعبية كبيرة بمساجد الجزائر العاصمة، والناطق باسم ما يعرف ب »الصحوة الحرة لأبناء مساجد الجزائر«، بالإضافة إلى الإمام الخطيب الناشط في التيار السلفي عزالدين بوغيم وتقدم هؤلاء أيضا الصفوف الأمامية لجبهة العدالة والتنمية لعبد الله جاب الله، إلا أن ميول الأخير لاستقطاب أوجه جديدة غير معتاد ظهورها في التيار الإسلامي قلل من حظوظ استقطابه لما تبقى من أنصار الجبهة المحظورة، وأعطى مزيدا من المصداقية لتصريحات بلخادم الذي قال هو الآخر بأنه لم يعد هناك فرق بين حزبه جبهة التحرير الوطني والأحزاب الإسلامية، غير مستبعد في مختلف تصريحاته أن يكون الأفلان القبلة المفضلة لفئة معتبرة من العناصر التائبة. ويتطلع للنيل من شتات »الفيس المحظور« كذلك حزب العمال الذي لا تدع أمينته العامة لويزة حنون مناسبة إلا وتغازل قياداته الممنوعة من النشاط الحزبي والسياسي، لكنها بأقل »الأطماع« مقارنة بباقي الأحزاب المذكورة، سيما بعد مجاهرتها برفض وصول الإسلاميين للسلطة. في ظل هذا »الغزل« المتزايد للقواعد النضالية لجبهة الإنقاذ المحظورة تشير معطيات وتحاليل إلى تآكل هذا الوعاء الانتخابي وتشتته بين فئة استقالت نهائيا من الساحة السياسية لأسباب مختلفة، وفئة أخرى فقدت الثقة في كل مكونات التيار الإسلامي التي شاركت في البرلمان الحالي ولم تعد تؤمن بمشروع الإسلامي لهذه الأحزاب، ولم تبق إلى القلة القليلة المنصهرة في بوتقة ما يعرف بالأغلبية الشعبية الغارقة في المشاكل الاجتماعية، وهي التي تضررت أكثر في تقلبات الأحوال الجوية التي تعيشها الجزائر منذ أسابيع، وجعلتها في عزلة تامة قد تدفع بها لانتهاج خيار المقاطعة الانتخابية لفقدانها كل آمال حل مشاكلها وتبني انشغالاتها من قبل البرلمان مهما شكله وطبيعته.