على بعد حوالي 15 كلم شمالا تدير عاصمة تلمسان ظهرها لبلدية سيدي مجاهد بولاية تلمسان، أو الربوة المنسية القابعة على الطريق الوطني رقم 35 الرابط بين مغنية وتلمسان، والتابعة لدائرة بني بوسعيد، عانت ما عانته خلال العشرية الأخيرة جراء تدهور الوضع الأمني في البلاد، وها هي اليوم تقاوم الحقرة المقنعة والتهميش المنظم بقوانين معذبة. سيدي مجاهد التي يعود تقسيمها الإداري إلى سنة 1984، في هذه الألفية الثالثة تبكي حظها مع الزمن ومعها يتباكى أهلها على ما أصابها وأصابهم من محنة باتت من محن الوطن، ولأن العين بصيرة واليد قصيرة فإن إصلاح ما أفسده الدهر تحول إلى عملة نادرة في بورصة الناخب والمنتخب على حد سواء، وقد أصبحت سيدي مجاهد في وقت ما بشهادة أعيانها مهددة بالترييف بعد ما تعطلت آلة البناء أمام إصرار وتعنت آلة التخريب، وفجأة ودون سابق إنذار أصيبت عجلة التنمية المحلية بالعطب، فتبخرت المشاريع وأضحت نادرة نذرة الغيث في الصحراء. وقبل ذلك بحثت سيدي مجاهد عن الثقافة فوجدت سخافة، هرولت خلف الرياضة فمرضت بوهم الريادة، استفسرت عن شبابها فأدركت أن الشيب غلبهم، تساءلت عن التجارة والفلاحة فعلمت أن التجار فروا نحو مدن أحلامهم، وأما الفلاحون فقد لعنوا القدر الذي ورثهم. باختصار، تمخضت الأزمة بسيدي مجاهد، فولدت بلدية لبست عنوة ثوب الدشرة. فالداخل لهذه المنطقة يجد نفسه محاصرا بسلسلة جبلية وعرة المسالك، من الناحية الغربية تحيطها دائرة بني بوسعيد، ومن الشرق بوحلو وصبرة، ومن الجهة الشمالية بوغرارة ومغنية، كما تحيطها غابات هي متاخمة لمناطقها الجغرافية، وهي الميزة الطبيعية التي استغلتها الجماعات الإرهابية خلال زمن الفوضى والجنون لإقرار نظامها وتكثيف تحركاتها ونشاطاتها بتوجيه ضربات ضد قوات الأمن والمواطنين الأبرياء العزل، حيث يروي أعيان سيدي مجاهد، أن بعض المناطق المجاورة لها كانت محرمة خلال سنوات 94، 95، وحتى 97 أو كما يحلو للكثير تسميتها بسنين الجمر. وقد تحولت أنذاك المنطقة إلى بؤرة ساخنة فتحت قائمة سوداء للضحايا الذين سقطوا في النهار كما بالليل، وكلما سمحت الظروف بالحديث عن الإرهاب بالمنطقة وضواحيها، فإن الذين اكتووا بنار الأزمة هناك يفرطون في تقليب المواجع التي صنعتها آلة إنتاج الموت والرعب على البعض منها، التي تحوّلت في وقت سابق إلى مربع مفضل لبسط حواجز مزيفة، تستهدف المواطنين في حياتهم وممتلكاتهم. وبعيدا عن صعوبة الجبال ووعرة الغابات، يسجل سكان سيدي مجاهد تحسنا كبيرا للوضع الأمني، طبقا لمبدأ الوئام المدني الذي دعا إليه رئيس الجمهورية والذي استفاد من تدابيره العديد ممن غرت بهم السبل، ويعو ذلك بفضل جهود قوات الأمن والجيش الوطني الشعبي، وحيطة وحذر الموطنين، ويحاول المواطن حاليا، ومعه سلطاته المحلية استئناف عمليات التنمية المحلية بعيدا عن ذهنية البكاء على الأطلال، مع السعي قدما إلى ترميم الواجهة وتزيين المنطقة بعد التشوهات التي لحقت بها على مر سنوات عجاف، ولكن رغم ذلك فإن القنوط يبقى ضاربا أطنابه وسط الشباب والسكان الأصليين للمنطقة، حتى أصبح الفرار من أرض الأجداد الوسيلة المتاحة للهروب من الإحباط والقنطة، التي أقسمت إلى تسويد بياض ما تبقى من أمل في نفوس أهل سيدي مجاهد التي ظلمها أبناؤها فظلموا أنفسهم. سنوات الدم والدموع أثرت سلبا على سيرورة وديناميكية الحياة العادية بالمنطقة خصوصا حين تحولت المدينة إلى وعاء ضيق وسرداب مظلم يتدحرج نحو قاعة أهالي الأرياف والقرى النائية بحثا عن الأمن والسلم. فالعديد من سكان مناطقها التابعة لها، سيدي يحي، زاوية تغاليميت، عين تغانميت، أولاد مهدي، بوسدرة، سيد لخضر، فضلوا الهجرة والتنازل عن ديارهم وأراضيهم وممتلكاتهم، فكانت بذلك معضلة النزوح الريفي حتما مقضيا. ويقول بعض سكان المنطقة أن الإرهاب وتدهور الوضع الأمني أخلط الأوراق على المواطن كما على المسؤول، حتى أصبحت الأزمة تلد الأزمة بدل الهمة، وبعد الضيق جاء الضيق بدل الفرج، إلا أن السنتين الأخيرتين سجلتا تراجع آفة النزوح الريفي مع بداية عودة «الهاربين» إلى مواقعهم الريفية الأصلية، وهذا بفضل تحسن الأوضاع الأمنية بالمنطقة، وقد استأنف العديد من هؤلاء نشاطاتهم الفلاحية وأعادوا فتح ديارهم التي ظلت أوكارا للأشباح على مر سنوات متتالية. ومما زاد الطين بلة هو أن سيدي مجاهد فقيرة اقتصاديا ولا تملك تقريبا أي مصدر محلي تعتمد على مدخوله لإثراء مشاريعها وتحسين أحوالها، فأهلها يعانون عزلة خانقة فريدة من نوعها، عزلة اختلفت أشكالها وتداخلت خيوطها، رغم تربعها على مساحة مقدرة ب 93.98 كيلومتر مربع، وكثافة سكانية بحوالي 8000 نسمة موزعة على عدة قرى ومداشر، وبحكم أنها بوابة مدينة مغنية وبني بوسعيد إلا أنها تظل إلى أن يثبت العكس «عارية» لا تكسيها مرافق ومنشآت عمومية تفيد الدولة وتستفيد منها الأمة، ولكم أن تتخيلوا منطقة يقال أنها بلدية لاتملك حقبة زمن ترقيتها الإدارية أبسط المؤسسات التي تتعامل مباشرة مع المواطن، فلاوجود أكشاك، ولاجرائد، ولا...فهل سيدي مجاهد إذن بلدية، أم قرية بها مبنى للبلدية فقط؟! جلّ هذه المصالح العمومية الضرورية في إطار تقريب الإدارة من المواطن، تبقى بعيدة كل البعد عن مواطني المنطقة الذين يجدون أنفسهم مضطرين للانتقال إلى جارتهم دائرة مغنية على بعد حوالي 20 كلم، قصد حمل مريض متألم في سيدي مجاهد باتجاه المستشفى، حيث أن المنطقة لا تتوفر إلا على مركز صحي مقره في البلدية، لم يكن له الحظ حتى في تقديم الخدمات الاستعجالية الضرورية، ولا يستطيع الإجابة للكم الهائل من الطلبات، وهذا في غياب سيارة الإسعاف، وان وجدت فهي معطلة، بالإضافة إلى عدم وجود قسم التوليد، ولا مداومة يومية، يتم ذلك في الغياب الكلي للمؤطرين والأطباء، ضف إلى ذلك افتقار هذا المركز إلى الأدوية اللازمة، وفي هذه الظروف الصعبة المعلولة يبقى المرضى يعانون من مشقة التنقل إلى مستشفى مغنية أو تلمسان عند بعض الطوارئ والحالات المستعجلة. فهل يعقل أن يعلق مصير 8000 نسمة على مركز صحي عاجز بشريا وهيكليا عن تلبية الطلبات الكثيرة لسكان المنطقة. وهل تتوفر الرعاية الصحية لهؤلاء المواطنين، علما أن العناية الصحية حق لكل مواطن ومواطنة. بعيدا عن مركز البلدية، السكان ينتظمون هناك في قرى ومداشر ريفية نائية بكل من بوسدرة زاوية تغاليمت سيدي يحي أولاد المهدي سيدي لخضر لازال سكانها يتطلعون إلى تحسين ظروف حياتهم من خلال الدعم بمرافق تنموية واجتماعية للتخفيف من حجم المعاناة السائدة منذ سنين أمام بعض الإمكانيات والموارد المالية للبلدية، وحسب السكان فإن هذه المنطقة لاتزال بحاجة إلى مشاريع وبرامج إنمائية في المستوى حتى يعاد الاعتبار للمنطقة التي تحتاج إلى السكن لاسيما الريفي، فضلا عن اهتراء الطرقات سواء الداخلية أو تلك التي تربط البلدية بالقرى، على غرار الطريق الرابط ما بين سيدي مجاهد والطريق المؤدي إلى بلدية بوحلو، حيث يشهد تدهورا كبيرا وغير ذلك من الطرقات. معاناة أخرى كبيرة تبقى قائمة سيما في مجال التنقل، ما هو موجود بعض سيارات الخواص، حيث معظم حافلات النقل المدرسي في حالة يرثى لها، أو تكاد تكون معطلة، ممّا قد تشكل خطورة في الطريق أو كارثة يدفع ثمنها تلاميذ أبرياء، خاصة في فصل الشتاء، وكذا تدني المستوى المعيشي للسكان، لأنه صعب التكفل هناك بالأبناء المتمدرسين، فواتير وأعباء كبيرة، كثيرا ما يترتب عن العجز بالتكفل بها، التسرب المدرسي والأمية حيث الكثير يتوقف في المراحل الأولى من الدراسة، فالنقل المدرسي مشكلة عويصة تواجه الأولياء والأبناء هناك، والتنقل إلى الثانويات المجاورة بمغنية يصل في كثير من الأحيان إلى 40 كلم ذهابا وإيابا، التي لم تعد هي الأخرى قادرة على استعاب العدد المتزايد للثانويين القادمين من القرى والمداشر المحيطة بالمدينة، وفي غياب ذلك يظل الجميع يتطلع إلى الثانوية بأمل كبير، التي تبقى شوكة عكفت المجلس الحالي على إعداد دراسة، والذهاب في أقرب الآجال لانتزاع مشروع يمكن من تخطي هذا الهاجس المتعب، مما ساهم الكثير في إقلاع بعض عن مواصلة مسارهم العلمي مبكرا، هذا وتفتقر البلدية أيضا إلى ضعف خدمات المركز البريدي، فلم يعد قادر على تلبية حاجيات المواطن لافتقاره إلى أدنى التجهيزات اللازمة، ومعالجة رواتب العمال. ومن أوجه المعاناة الممتدة على مدار أكثر من أربعين سنة انعدام الغاز الطبيعي بالمنطقة، حيث تزداد معاناة السكان كلما حل فصل الشتاء وهذا لنذرة قارورات غاز البوتان، رغم التأكيد والإلحاح الشديد للسلطات المحلية، لتزويدها به في أقرب الآجال. ليبقى بمثابة الحلم بالنسبة لهؤلاء السكان الذين لا يزالون يلهثون وراء قارورات غاز البوتان، إذ يصل سعرها لأزيد من 250دج، وأمام هذا الوضع المزري يطالب السكان بالإسراع في تجسيد مشروع إيصال الغاز الطبيعي، علما وأن المشروع مدرج ضمن برنامج 2011. مشكل آخر يقف حجر عثرة أمام مواطني بلدية سيدي مجاهد وقراها ويتمثل في ضآلة حصص إعانات السكن الريفي حيث أودعت العشرات من الطلبات، علما أن البلدية لم تستفد سوى من حصة تقدر ب 120 إعانة ريفي منذ 3 سنوات مقابل آلاف الطلبات ويأمل السكان من السلطات المحلية بذل الجهود لتمنحهم الولاية حصة تتماشى وعدد الطلبات في إطار البرنامج الخماسي الممتد ما بين 2010 2014 وحتى السكنات الاجتماعية تبقى قليلة جدا رغم توفر الوعاء العقاري بالبلدية وقراها. سيدي يحيى... القرية المنسية بالبلدية سيدي يحي القرية النائية التي لم يشفع لها تاريخها الطويل لنفض غبار النسيان عن جنباتها ليتكبد سكانها الذين ناهز عددهم الألفي نسمة قساوة الشتاء والعيش في خوف شديد من مستقبل مجهول، سيدي يحيى أو «الكاف» كما كانت تسمى قديما لازالت تنام على كنوز أثرية تنتظر من يسلط عليها الأضواء، فالمقابر القديمة تشير إلى حضارة كبيرة مرت على المنطقة، كما أن معالم ثورية تنتظر والمؤرخين لكشفها وتنوير الجيل الجديد بالأمجاد التي صنعها آبائهم، الوصول إلى سيدي يحيى لم يكن سهلا فبعد رحلة عادية من مغنية إلى سيدي مجاهد، أين يفضل أحد المواطنين بنقلنا إلى قريته عبر الطريق الولائي رقم 46 الذي لا يصلح تماما للسير بعد تأخر المقاول الذي كلف بترميمه، حيث حفر وترك الأشغال تسير ببطء شديد جد، إذ بعد مرور ثمانية أشهر لازال المنفذ الوحيد لقرية سيدي يحيى في حالة يرثى لها لتدخل القرية الآمنة بعد عناء شديد لتبدأ قصة المعاناة وكانت البداية من شريان الحياة الذي وهو عكس ما ينطبق على سكان هذه القرية الذين يلجأ ون إلى سقي الماء من الأعين المجاورة خوفا من الماء الذي تحمله حنفياتهم، كما أن القرية تزود من عين عبو والمنبع الرئيسي لهذه العين هو وادي تافنة الذي تصب فيه قنوات الصرف الصحي لدائرة بني سنوس المجاورة، كما أنه يقطع عدة غابات أين تشرب منه الحيوانات المفترسة. وضعية مأساوية دفعت ببلدية سيدي مجاهد إلى البحث عن بديل، حيث أكد رئيس المجلس الشعبي البلدي أنه تم الانتهاء من إنجاز خزان مائي بسعة 500 متر مكعب بكلفة 1.4 مليار سنتيم، لكن البلدية تنتظر مشاريع قطاعية لربط البئر بالقنوات وإيصالها إلى القرية، وفي انتظار ذلك تبقى حياة السكان في خطر آخر يعيش في ظله سكان سيدي يحيى وهو خيوط الكهرباء ذات الضغط العالي، حيث أن مركز تموين ولايات غرب الوطن يقع داخل القرية، أين تمر خيوط تحمل كوابل ذات ضغط 30 ألف فولط و60 ألف فولط فوق المستوصف والمسجد والمدرسة ومساكن بعض المواطنين، ويؤكد المير أنه قام بمراسلة جميع المعنيين على المستوى الولائي والجهوي من أجل تغيير مسار هذه الخيوط من دون جدوى لتبقى ثالث كارثة تعانيها القرية هي مشروع حمايتها من مياه الأمطار، وهو المشروع الذي لم ير النور رغم فيضانات السنة المنصرمة مما جعل السكان الذين يقطنون في سفح الجبل يهربون من منازلهم عند كل تساقط للمطر فيما تنتظر البلدية حسب رئيسها حملة للتشجير لإيقاف خطر المياه المتدفقة، المعاناة بسيدي يحيى لا تنتهي هنا، حيث أن التلاميذ يعانون من أجل الوصول إلى الإكمالية أو الثانوية أين يدرسون بثانوية دائرة مغنية، القطاع الصحي أصبح هيكلا بدون روح بما أن الطبيب لا يزوره سوى مرة في الأسبوع، كما أن عدم توفره على ممرضة جعل الإقبال عليه ضعيفا، أما الولادة فيتم التوجه إلى مغنية، أشجار الزيتون تعاني في صمت من العطش، وهو ما دفع بالفلاحين إلى تصعيد اللهجة، بينما يعاني الشبان من انعدام المرافق، دار الشباب الوحيدة احتلها مواطن مع عائلته ولازالت البلدية تفاوضه من أجل إخلائها، وفي انتظار ذلك سيتشرد الشبان في قرية محرومة من الغاز الطبيعي كلية كما أن قنوات الصرف الصحي المتهرئة وعشرات المشاكل التي تتطلب تجندا من السلطات الولائية ووقوفا وراء المشاريع المتعثرة. ومع هذا فإن سكان سيدي مجاهد ومسؤوليها في انتظار مساعدات الجهات المعنية، وفي انتظار التفاتة مثمرة من لدن الطاقم الحكومي، ممثلا في وزرائه الذين جابوا مختلف بلديات المجاورة ضمن خرجات ميدانية عملية، ولكن إلا قليلهم القليل، وانعدام شبه كلي من تذكر أن هناك بلدية بولاية تلمسان تدعى سيدي مجاهد، وحتى لا تكون المنطقة يتيمة أو منسية مشطوبة من ذاكرة التاريخ، فإن المواطن هناك ينتظر التضامن الفعلي، والتحرّر من السجن للاحتكاك بمعاناة الجزائر العميقة.