يعاني سكان مناطق جنوب بلدية تيبركانين غرب ولاية عين الدفلى، من غياب عديد ضروريات الحياة الكريمة، في قرى حبيسة الفقر والحرمان من الكثير من مستلزمات العيش الكريم، فزائر هذه المناطق يلاقي مشاقا كبيرة في الوصول إليها، ويعتقد للوهلة الأولى أنه في زمن غير زمانه. «إننا نعيش الغبن والحرمان، ومحرومون من معظم مستلزمات العيش الكريم”، هي أول عبارة قالها لنا شاب التقيناه بالمنطقة، فمن ملاحظة بسيطة تَبيّن أن سكان مناطق بني حيي والروابح والبقلة والكرامة، يمثلون حوالي نصف سكان بلدية تيبركانين، إلا أن سكانها راحوا ضحية الحرمان من عديد المشاريع التي تستفيد منها البلدية، كالمشاريع التنموية التي كانت جميعها من نصيب غيرهم، وأخرى لم تُستغل بعد، كحال “سد تيكزال”، الذي يمكن استغلاله في القضاء على مشكلة الماء نهائيا، في وضع يختزن في طياته واقعا مريرا مفعما بالمشاكل والصعاب، التي جعلت البعض يفكرون في حزم أمتعتهم وشد الرحال بحثا عن العيش الأفضل، خاصة الأطفال، الذين حُرموا من التمتع بطفولتهم بعد أن أجبرتهم صعوبة العيش على تحمّل مسؤوليات أكبر من أعمارهم، وأجسادهم التي أنهكتها التنقلات اليومية على ظهور الدواب إلى آبار تبعد عديد الكيلومترات عن منازلهم للتزود بهذه المادة الحيوية، إضافة إلى العمل إلى جانب آبائهم في الفلاحة لتأمين قوتهم اليومي. ورغم تأكيد السكان أن رؤساء البلدية المتعاقبين وبعض الولاة وحتى التلفزيون الجزائري زاروا هذه المناطق واطلعوا على المشاكل العديدة التي يتخبطون فيها، إلا أن مظاهر البداوة والبؤس والحرمان متجلية على ملامح السكان، الذين أجمع جميعهم في حديثهم إلى “السلام”، أنهم يشتكون بمرارة من تدهور وضعية الطريق الذي يربط هذه القرى بمدينة العطاف؛ جراء عدم إعادة تعبيده رغم التدهور الكبير الذي عرفه بسبب الآليات التي استُخدمت في إنشاء الطريق السيار، حيث تم تعبيد 2 كلم القريبة من الطريق السيار شرق غرب انطلاقا من متوسطة “الحجاج”، وتركت البقية كما هي، لتتبخر بذلك أحلامهم في تهيئة الطريق المؤدي إلى قراهم، ما جعلهم يعيشون عزلة قاتلة. وفي هذا الخصوص، طالب السكان الجهات الوصية بالتدخل العاجل لإعادة الاعتبار لهذا الطريق، الذي يعتبره السكان متنفسهم الوحيد بالنظر إلى أهميته الكبيرة في ظل انعدام طريق يربطهم مباشرة بمقر البلدية. ولاحظت “السلام” أن جميع السكان يعتمدون في معيشتهم على الزراعة الجبلية، غير أن مشكل غياب المياه جعلهم يعتمدون على الأمطار فقط، ليضيفوا أنهم ينقلون هذه المادة الحيوية على الحمير، التي لايزالون يستعينون بها في الكثير من الأغراض الأخرى، علما أن المصالح المعنية كانت أنجزت في وقت مضى، حنفيات عمومية لهذه المناطق، إلا أنها قليلة جدا وتعرف الجفاف في كل مرة، مما أدى إلى إحضار الماء من آبار بعيدة جدا بواسطة الحمير. وفي سياق متصل، اشتكى الأولياء والتلاميذ من انعدام النقل العمومي وقلة النقل المدرسي؛ مما يُجبر بعض تلاميذ الطور الابتدائي على قطع مسافة 4 كلم مشيا على الأقدام للوصول إلى المدارس التي يزاولون بها تعليمهم، خاصة خلال فصل الشتاء الذي يعانون خلاله الأمرّين. كما يتكبد بدورهم تلاميذ الطورين المتوسط والثانوي، مشاقا كبيرة للالتحاق بالمؤسسات التربوية التي يزاولون بها تعليمهم بالحجاج والعطاف، حيث يضطر أغلبهم للاستنجاد بالسيارت النفعية لتعذّر حصولهم على مقعد بالحافلات القليلة المخصَّصة لهم، ما يؤدي إلى إصابة الكثير من المتمدرسين بالزكام جراء ركوبهم السيارات النفعية وكأنهم حيوانات عرضة للبرد والأمطار! متسائلين في هذا الخصوص عن إمكانية متابعة التلميذ دروسه في مثل هذه الظروف العسيرة. كما اشتكى بعض السكان الذين لازالوا يعيشون في سكنات طوبية، من حرمانهم من الاستفادة من السكن الريفي أو الإعانات لتشييد سكنات لائقة مثل بقية جيرانهم رغم ما تَقدموا به من طلبات لم تؤخذ بعد بعين الاعتبار، علاوة على افتقاد قراهم قنوات الصرف الصحي، مما أجبرهم على إنجاز حفر العفن التي تفيض في الخلاء، متسببة في انتشار روائح كريهة وحشرات تحوّل حياتهم إلى جحيم خلال فصل الصيف، فضلا عن خطر انتشار الأمراض الوبائية. وفي هذا الشأن، أبدى السكان تخوفهم من اختلاط مياه الوادي المستعمَلة في حياتهم اليومية بالمياه القذرة. كما اشتكى السكان من وجود قاعة واحدة للعلاج بالقرى الأربع، مع غياب وسائل النقل وتردي وضعية الطريق، مما يجبرهم عند الضرورة على الاستعانة بالسيارات النفعية التي تقلّهم إلى المراكز الصحية المتواجدة بالعطاف مقابل مبلغ مالي معتبر. وأمام هذا المشكل اضطرت أغلب العائلات لعدم إجراء التطعيم لأبنائها بسبب عدم قدرتها على دفع تكاليف النقل لفقرها، داعين المسؤولين إلى زيارتهم في أقرب وقت لانتشالهم من المشاكل التي كبّلتهم لسنوات طويلة وأفقدتهم نشوة التمتع بالحياة الكريمة. وفي انتظار تدخّل المسؤولين تبقى معاناة هؤلاء السكان مع الفقر والحرمان قائمة إلى إشعار آخر.