"لقد أسمعت لو ناديت حيا … ولكن لا حياة لمن تنادي" قد يصح هذا البيت الشعري على وضع المؤسسة العمومية للصحة الجوارية بمدينة مسعد حيث أن وقوف الأطباء مؤخرا للاحتجاج حول الوضع المزري لهذه المؤسسة ، لم يثر أصحاب الضمائر من المسؤولين، حين نعلم أن هذه المؤسسة من أكبر المجمعات الطبية التي من المفروض أنها تشرف على التغطية الصحية لحوالي مائة ألف مواطن أو أكثر، وهم ساكنة هذه المدينة التي صارت فيها الصحة موبوءة كغيرها من القطاعات الأخرى على قلتها. ولكي نعرف حقيقة الوضع الكارثي لهذه المؤسسة يكفي أن تزور المؤسسة مرة واحدة أو أن تقرأ التقرير الذي وضعه أطباء وجراحو الأسنان لهذه المؤسسة، لنعرف وببساطة أن كل ما جاء في التقرير لا ينبع إلا من حرص وضمير كبير يتمتع به جيل جديد من الأطباء على صحة المواطن في المدينة. أول ما يتناوله التقرير هو عدم وجود مجلس طبي وعدم تفعيل المجلس المعين من طرف المدير خلافا لما تنص عليه القوانين السارية المفعول نظرا لعدم توفره على شروط العمل لعدم وجود مكتب تعمل به اللجنة. يتناول التقرير في نقطة أخرى الكيفية التي يتم بها جلب الدواء دون وجود لجنة للدواء، ودون استشارة اللجان الطبية، خاصة أن لهذه اللجنة دور رئيسي في الدراسة الطبية للوائح الاسمية وطلبها، وتكون في إطار واقع تتطلبه الحالات الإستعجالية والحالات المرضية الخاصة بالمنطقة وبالأولويات في جلب الدواء. وفي جانب التكوين يتساءل الأطباء عن كيفية إيداع برامج للتكوين المتواصل المحلي الخاص بالمؤسسة لدى مديرية التكوين بوزارة الصحة مع أنه في الواقع لا يوجد أي تكوين محلي و يتساءل الأطباء عن مصير أموال البند الخاص بالتكوين منذ سنة 2008 معتبرين ذلك تحايلا على العلم وعلى الدولة وتلاعبا بمؤسساتها. من جانبه يتناول التقرير عدم وجود اللجنة متساوية الأعضاء منذ سنة 2008 كما ينص عليه القانون للنظر في الترقيات معتبرين ذلك غطاء للتحايل واللامبالاة. وإذا علمنا حجم معاناة المرضى في هذه المؤسسة فإننا لا نستغرب ما جاء في التقرير حيث يتحدث عن سياسة الصحة الجوارية والتي أزيحت عن مجراها، حيث يتم إهمال وتهميش الفحص الخاص بالأطباء النفسانيين بالمؤسسة بحُجة عدم وجود قاعات للفحص، في حين أن هناك من يستعمل قاعات داخل المجمع للعب والمرح. ومن الغريب فعلا أن هذه الفحوصات كانت موجودة قبل سنة 2008 بصفة عادية والآن لا أثر لها رغم وجود الاطباء النفسانيين الموجودين في عطلة مدفوعة الأجر، رغم أنهم غير راضين عن وضعيتهم بسبب عدم قيامهم بأي فحص إلى يومنا هذا. وفي أخطر ما تناوله التقرير خاصة مع وجود عدد كبير عن مرضى السرطان في مدينتنا حيث يتساءل معدوا التقرير عن مصلحة وقاعة الفحص المبكر عن سرطان عنق الرحم، المهيأة منذ سنة 2010 لتبقى مغلقة منذ ذلك الحين، في حين أنها لم تقم بأي عملية فحص حيث يبقى هذا المرض الخبيث يقتل الكثير من النساء في مدينتنا بعد اكتشاف حالات كثيرة في مراحله المتأخرة. قد تكون التسمية التي تطلق على هذا المجمع وكلمة الجوارية أكبر من الحجم المنوط بهذه المؤسسة إذا علمنا أن المجمع يغلق أبوابه على الرابعة مساء، وأن العشرات وربما المئات من الحالات بعد هذا التوقيت توجه للمستشفى الذي تخضع فيه الاستعمالات لضغط رهيب، حيث يتساءل معدو التقرير من الأطباء عن سياسة الصحة الجوارية التي تجعل من طفل متمدرس أو جيء به من منطقة نائية ينتظر رفقة والده العامل وتجبرهما عن الغياب عن المدرسة والعمل ليتمكن من الفحص العادي لأنه مقيد بتوقيت من 8 صباحا إلى 16:00 مساءا أو تأجيل معاينته إلى الغد. وهل من المعقول أن تغلق هذه المؤسسة المشرفة على علاج أكثر من 100 ألف نسمة أبوابها لترك الناس تعاني الآلام أوجاعها من الخميس إلى الأحد مع العلم أن السلطات الوصية أوصت منذ سنة 2000 بالمناوبة في هذا الميدان. وإذا عرفنا أن الطاقم الطبي يطالب دائما بفتح نقطة مناوبة بالمجمع الصحي تعمل 24/24 ساعة فيما يخص الطب العام وطب الأسنان والعلاج العام فإن الغرابة تكمن فإن هذه الخدمة كانت موجودة سابقا وغابت نهائيا سنة 009 ، لنتساءل إن كان هذا الصرح الصحي الكبير يُحسن في خدماته بمرور الوقت أم أن الخدمات تزداد سوءا يوما بعد يوم. في جانب آخر يتناول التقرير الخدمات النوعية والفحوصات ومتابعة المرضى التي كانت تقدم للمرضى في الماضي القريب وعن استفادة المواطن من علاج اسنانه بدل قلعها حاليا بالرغم من توفر المؤسسة الجوارية على طبيبة مختصة في ترميم الأسنان ويتساءل الأطباء للمرة الألف عن غياب هذه الخدمات حاليا مُحيلين المسؤولين للاطلاع على الجداول السنوية للنشاطات الصحية سابقا. ولأن حال المؤسسة أصبح متدهورا فإنها تعمل بدون طبيب مسؤول، لأن كل الأطباء عزفوا عن تحمل المسؤولية لعدم وجود الدعم من الإدارة لعدة أسباب، في حين تغيب مصلحة الاستقبال والتوجيه في هذه المؤسسة وكذا سجل الاقتراحات الخاص بالمواطنين. وفي استهتار كبير قد يؤدي الى ما لا تحمد عقباه يتحدث الاطباء عن صيدلية المؤسسة التي تمنح الدواء عبر طلبات مؤشرة من طرف عمال لا يملكون الصفة ولا الأهلية في خرق للمواد من 3 الى 7 الخاصة بتسيير الدواء. وبالرغم من العدد الهائل من الفحوصات اليومية فإن التحاليل تبقى قليلة جدا نظرا لافتقار مخبر التحاليل لنقص نوعي وكمي في ظل التعطل المتكرر للأجهزة دون استبدالها او اصلاحها علما انه المخبر الوحيد في المؤسسة على مستوى مدينة مسعد يضيف معدو التقرير. ورغم وجود شاحنة مجهزة للفحص فإن الفرقة المتنقلة للفحص غائبة تماما لنتساءل عن سر وجود هذه الشاحنة المجهزة إذا كان التنقل للاماكن المعزولة للقيام بالفحوصات الطبية غائب تماما. في مجال الصحة المدرسية لا يزال الطبيب هو الذي يتنقل للمؤسسات التربوية بدون وجود اي وسائل للنقل في ظل العدد الكبير جدا من المدارس وفي ظل عدم وجود خريطة مدروسة للمتابعة فإن نسبة متابعة التلاميذ المرضى تقارب الصفر. في آخر المطاف يتناول التقرير السكنات الوظيفية وعن استفادة طبيبة واحدة من السكن الوظيفي ليتساءل الاطباء عن بقية السكنات ليختموا تقريرهم في الاخير بمطالبتهم بلجنة تحقيق وزارية في كل ما ورد في التقرير لانهم يتحدثون عن ان ما خفي هو اعظم من كل ما تم ذكره. من جهتنا نتساءل عن ضمير المسؤولين و إذا كان كل ما تم ذكره لم يثر حفيظتهم على حال الصحة في مدينة مسعد، وكيف أن الدولة تصرف الملايير ليبقى هذا الصرح الكبير هيكل دون روح وكيف أن المواطن البسيط والفقير لن يجد بدا عن الذهاب للمؤسسات الصحية العامة نظرا لفقره ليقابل بخدمات رديئة وأجهزة معطلة، في مؤسسة تسمى جوارية لكنها بعيدة كل البعد عن تقديم خدمات مقبولة للمواطن، مؤسسة جوارية يهمش فيها الطبيب وتغلق أبوابها على الرابعة مساء ويومي الجمعة والسبت.