يعتقد الكثيرون أن المقاطعة فعل سياسي ناجع قد يحرج السلطة ويدفع بها إلى مراجعة نفسها والتنازل عن هيمنتها، وهذه الفكرة التي يدعمها السذج والذين يستبقون الفشل في الاستحقاقات الانتخابية، تلاقي رواجا رهيبا بالرغم من أنها خاطئة بالمطلق والواقع يكذبها جملة وتفصيلا. السلطة إن افترضنا أنها تزور الانتخابات، لم تحرجها كل المقاطعات على مر السنوات، منذ إقرار التعددية الحزبية في الجزائر، ولم يحدث أن أطل علينا وزير الداخلية ليبدو قلقا بخصوص نسب المشاركة، إلا إذا أراد أن يلقي على مسامعنا الخطاب الرسمي المعتاد بخصوص تدعيم الديمقراطية التشاركية والحكامة الراشدة وكل المصطلحات المبتذلة التي توحي أن شيئا ما يتحرك في المشهد السياسي الوطني، وعموما، إذا كانت السلطة قادرة على تزوير الانتخابات بهذه السهولة، فهي أيضا قادرة على التلاعب بنسب المشاركة ولا حاجة لها لأن تدعو أحدا للانتخاب. المقاطعة فعل سياسي لا يمكن أن يكون ناجحا، إلا إذا كان حركيا ومدعوما بتأطير سياسي واضح يعطيه صفة الشمول والكلية، والمقاطعة لا تعني استقطاع يوم الانتخاب كعطلة نهاية أسبوع، وإنما الوقوف على العملية كاملة بجهد أكثر مما يبذله المصوتون والداعون إلى ذلك، بمعنى أن المقاطعة نضال مرهق ومحفوف بالمخاطر، وإلا فلا فرق بينه وبين الكسل. أما المشاركة، فهي تعني بغض النظر عن تأدية واجب من صميم روح المواطنة، حراسة أصوات المواطنين من التلاعب الذي لا يمكن أن يحدث سوى في الخانات الفارغة من السجل الانتخابي التي فضل أصحابها الخروج في نزهة يوم الانتخابات، تاركين أسماءهم عرضة لشتى أشكال الممارسات السلبية. تجارب عديدة أثبتت أن المشاركة أفضل من المقاطعة، حتى بالنسبة لمن يعتقدون أنهم يعارضون السلطة، وهم في الحقيقة أكبر داعم لكل مناهج التزوير بغيابهم السلبي.