واضح أن ما يقلق الشعب الجزائري، اليوم، ليس رداءة وفساد السلطة... بل ما يقلقه أيضا هو تدهور الأخلاق السياسية في ممارسة السلطة.. سواء بالرداءة أو الفساد أو حتى بتزوير إرادة الشعب! 1- هل يعقل من الناحية الأخلاقية السياسية أن تدير السلطة ظهرها لنتائج الانتخابات الماضية، والتي أبانت عن رفض 80% من الشعب لممارسات السلطة في إدارة البلاد؟ فمن ناحية الأخلاق السياسية المبدئية هو أن تقوم السلطة باستخلاص الدرس والبحث عن الحلول العاجلة لإنهاء هذه القطيعة مع الشعب... فحتى ولو كان الأمر الذي حدث لا يتعلق بالمقاطعة الانتخابية والعصيان السياسي، فمن ناحية الأخلاق السياسية أن تقوم السلطة باستخلاص الدرس الذي تعرضت له جراء هذا العصيان الانتخابي. هل يعقل أن تبقى السلطة غير مبالية بالرسالة التي أرسلها الشعب يوم 4 ماي الماضي.. ومفادها أن التزوير الانتخابي هو إرادة سياسية من السلطة، ولا يمكن القضاء عليه بالتحايل غير الأخلاقي عبر الالتفاف على الموضوع بدسترة محاربة التزوير من طرف السلطة. والحال أنه من الناحية الأخلاقية أن السلطة عليها أن تقلع عن ظاهرة التزوير ولا تلتف عليها بواسطة هيئات شكلية... فالتزوير هو إرادة سياسية للسلطة، وعدم التزوير هو أيضا إرادة سياسية للسلطة، ولا يمكن من الناحية الأخلاقية إبقاء السلطة على ظاهرة التزوير كإرادة سياسية، وفي نفس الوقت محاربة هذه الظاهرة من طرف السلطة بواسطة التحايل الدستوري. 2- ثمة ظاهرة أخرى أخلاقية سياسية كان على السلطة أن تدرسها وقد أفرزتها انتخابات 4 ماي الماضي، وهي ظاهرة الأصوات الملغاة.. وعندما تكون الأصوات الملغاة أكبر من الأصوات التي فاز بها الحزب الحاكم ب100 ألف صوت، فذاك يعني أن السلطة يجب أن تدرس الظاهرة! وعليها أن تجيب عن السؤال لماذا تمارس النخب هذا الأمر؟ وكان على السلطة أن تجمع كل الظواهر التي مارسها أصحاب الأصوات الملغاة وتقوم بدراسة وافية لهذه الظاهرة، وبالتالي وضع الحلول لها. فأغلب أوراق التصويت في عنابة وتبسة وبعض الولايات الأخرى مثلا... كانت الأصوات الملغاة فيها بسبب أن المصوّت شطب في القوائم على من جاءت أسماؤهم في هذه القوائم، سواء بالمال أو بالجهوية أو حتى بواسطة التعسف في استخدام السلطة، لفرض هؤلاء على المناضلين والشعب، وهذا معناه أن الشعب يطالب بإصلاح طريقة الانتخاب، بحيث يتمكن المنتخب من اختيار الشخص وليس القائمة! من الناحية الأخلاقية السياسية، علينا أن نمكن الشعب من رفع الوصاية عليه من طرف السلطة عبر بعض الأحزاب الفاشلة، أو نعطيه الحق في اختيار من يراه مناسبا، ولا نضع في طريقه العراقيل التي تجعل خياره غير محترم، وبالتالي يلجأ إلى المقاطعة أو التصويت الملغى. السلطة عليها أن تستخلص الدروس الأخلاقية من هذه الرسالة التي أرسلها الشعب بقوة... وأن لا تعتبر صرخته صيحة في واد، لأن ذلك قد يؤدي بالشعب إلى الذهاب إلى حلول أخرى أشد خطرا على أمن البلاد إذ أصمّت السلطة آذانها عن سماع الشعب في هذه الصرخة القوية والمعبّرة سياسيا وأخلاقيا.