انتقد وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي، ضمنيا، نظيره المالي مختار وان، عندما دعا إلى «الإخلاص في التعاون ضد الإرهاب» بمنطقة الساحل، وهي إشارة إلى وجود أزمة حادة بين البلدين، نشأت جرّاء احتجاج الجزائر على الإفراج عن اثنين من رعاياها معتقلين في مالي، في مقابل إطلاق سراح رهينة فرنسي كان يحتجزه تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وجاء الانتقاد خلال اجتماع جرى أمس بالضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية، وجمع وزراء خارجية سبع دول أفريقية (الجزائر وليبيا وموريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينافاسو)، لبحث خارطة طريق أمنية جديدة بمنطقة جنوب الساحل، تتضمن إجراءات عسكرية واستخباراتية لمواجهة تهديدات فرع «القاعدة» في شمال أفريقيا والساحل. وقال وزير خارجية الجزائر في افتتاح أشغال الاجتماع، الذي يدوم يوما واحدا، إن «الإخلاص في تعاون دول الساحل الصحراوي، والتزامها الثابت بمحاربة الإرهاب، دون تنازل، قواعد عمل يتقاسمها الجميع، ويتوجب على الجميع احترامها». وفسر كلام الوزير مدلسي على أنه انتقاد للحكومة المالية، التي تعتقد الجزائر أنها لا تبدي حزما في محاربة السلفيين المسلحين النشطين بشكل لافت في شمال مالي. ونشأت أزمة حادة بين البلدين الشهر الماضي، على خلفية إطلاق سراح أربعة من عناصر «القاعدة» في مالي، من بينهم جزائريان متورطان في قضايا إرهاب. وتم ذلك على سبيل تلبية شرط فرضته «القاعدة» في مقابل الإفراج عن رهينة فرنسي، مارست حكومته ضغوطا قوية على باماكو كي تحقق مطالب التنظيم السلفي المسلح، الذي يضم في صفوفه أشخاصا يتحدرون من كل دول الساحل. وقال عبد القادر مساهل، الوزير الجزائري المنتدب للشؤون الأفريقية والمغاربية، ل«الشرق الأوسط» إن لقاء أمس «لا يهدف إلى توجيه التهمة ولا أي نوع من اللوم ضد أي دولة عكس ما قد يعتقد البعض. لا ينبغي أن نخطئ في عدونا المشترك بالمنطقة وهو الإرهاب». وأوضح مدلسي أن اللقاء «يعكس مدى وعينا فرادى وجماعة بأهمية الموضوعات التي تستوقفنا، وهي الأمن والسلم والتنمية في منطقتنا التي نطمح إلى أن تستعيد ميزتها كفضاء للرخاء والاستقرار، طبقا لقواعد حسن الجوار والتضامن والتعاون الصادق»، ويقصد بحديثه عن «الصدق في التعاون»، ضمنيا، دول في الساحل ترى الجزائر أنها غير حازمة في محاربة «القاعدة». وتابع مدلسي: «تعي بلدان الساحل الصحراوي جيدا، بأن الأمن والسلم شرطان للتنمية، وأن الإرهاب وارتباطه القوي مع الجريمة المنظمة يمثل تهديدا حقيقيا وموضوعيا للسلم والاستقرار، وعائقا أمام جهود التنمية، مما يحرم شعوب المنطقة حقها المشروع في التمتع بظروف العيش الكريم». ودعا مدلسي نظراءه إلى «التحرك بحزم من خلال تدابير ملموسة بتفعيل آليات التعاون الثنائي والجهوي الدولي، التي يجب تحيينها وتكييفها». وقالت مصادر دبلوماسية تابعت أشغال اللقاء ل«الشرق الأوسط» إن مدلسي أبلغ الوزراء الستة «حرص الجزائر على سد الطريق أمام محاولات التدخل الأجنبي بشكليه العسكري والاستخباراتي بالمنطقة»، وأن حكومته تفضل أن تتكفل حكومات الساحل بحل مشكلات المنطقة بنفسها. وبحث الاجتماع خارطة طريق أمنية جديدة، تتضمن تدابير عاجلة لتطويق نشاط «القاعدة»، وتعقب آثار عناصرها الذين يتنقلون بكثرة وبسرعة على تخوم الحدود بين مالي وموريتانيا، وبين مالي والجزائر وبين النيجر وموريتانيا. ويرتقب أن ترفع التدابير المتفق عليها إلى قادة الدول السبع للمصادقة عليها في قمة بباماكو، التي يجري التحضير لها حاليا. وتناولت ورقة عمل اقترحها الجانب الجزائري، زيادة عدد الدوريات الأمنية المتفق عليها بين الجزائر ومالي، وتمكين أفرادها بعتاد حديث متخصص في محاربة الإرهاب. وبين البلدين اتفاق أمني، يتيح لجيشيهما التوغل في عمق الأراضي إذا استلزم الأمر مطاردة الإرهابيين. واقترحت النيجر تكوين وحدات من النخبة العسكرية متخصصة في تنظيم الكمائن ليلا ضد مجموعات «القاعدة»، واعتبر وزير خارجية النيجر ذلك أكثر أدوات محاربة الإرهاب فعالية. وفي سياق ذلك، لم توجه الجزائر الدعوة إلى المغرب لحضور اجتماع أمس. وأعربت الرباط عن أسفها لإقصاء السلطات الجزائرية لها من المشاركة في مؤتمر إقليمي حول مكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل والصحراء. وذكر بيان لوزارة الخارجية المغربية أن الرباط «تأسف لرد الفعل السلبي للسلطات الجزائرية، ولهذا الموقف الإقصائي، على الرغم من أن الأمر يتعلق بخطر بيّن، يحدق بالجميع، ويستوجب بالضرورة ردا جماعيا ومتشاوَرا بشأنه من أجل تعزيز السلم والأمن الإقليميين، وتحقيق التقدم والتنمية في المنطقة برمتها». وأوضح البيان ذاته أن المغرب «اقتناعا منه بضرورة اعتماد مسعى يرتكز على تضافر الجهود، وتنسيق الأعمال لمواجهة التحديات الأمنية الإقليمية، المرتبطة أشد ما يكون الارتباط بسلم واستقرار كل دولة من دول المنطقة، فقد سبق له أن عبّر رسميا عن استعداده للمشاركة في هذا الاجتماع، والإسهام بشكل نشيط في نجاحه، كما سبق أن أبلغ بذلك الجزائر، البلد المضيف».