تمثل الطرق الصوفية في مصر أحد أهم التيارات الإسلامية المعتدلة، التي اعتاد أي نظام في مصر التعويل عليها لمواجهة التطرف الديني، فهل تنجح السلطة الحالية في توظيفهم لملء الفراغ المجتمعي الذي تركته جماعة الإخوان المسلمين؟ تنتشر الطرق الصوفية في مصر في العديد من المحافظات والتي يقترب عدد مريديها ومحبيها إلى 10 ملايين، وهذا العدد هو الذي شجّع العديد من القوى السياسية المتنافسة التقارب من الطرق الصوفية، حيث اعتاد مرشحو الرئاسة مغازلة القيادات الصوفية لكسب ودهم، وأيّدت الطرق الصوفية أحداث 30 جوان وساندت الجيش في مواجهة (الإرهاب)، ولكن في ظل اشتعال السباق الرئاسي لعام 2014، حسمت الطرق موقفها من مرشحي الرئاسة بدعم المشير عبد الفتاح السيسي. وفي ظل هذا الدعم (اللامحدود) من الطرق الصوفية للسلطة في مصر، يبقى السؤال: هل ستسعى السلطة الحالية للتعويل عليهم لمواجهة الإخوان المسلمين؟ بين الاستقلالية والخضوع للدولة أيّد الشيخ محمد علاء الدين أبو العزائم، شيخ الطريقة العزمية المشير عبد الفتاح السياسي في الانتخابات الرئاسية القادمة. وتابع(من يرى نفسه كُفء فليرشح نفسه، ولكن أي مرشح سيخوض الانتخابات الرئاسية أمام السيسي سيخسر). ويرى أبو العزايم أن جماعة الإخوان المسلمين هي (جماعة ليس لها وطن أو دين). ويشرح بالقول: (لقد عرف الشعب المصري حقيقتهم وهي أنها جامعة إرهابية). وعن تقييمه للتيار السلفي، يقول(الإخوان والسلفيين على مقربة واحدة، وهم يتكلمون كثيراً ولا يفعلون). ووصف أبو العزايم القيادات الصوفية بالفاشلة، وعدم امتلاكها الوزن الحقيقي في المجتمع المصري، لأنها تقبل بتوظيفها من قبل السلطة، لاسيما إبان نظام مبارك. ويشرح(كانت الطرق الصوفية أداة لخدمة أمن الدولة ضد الإخوان المسلمين). واستشهد بالحرب الإسرائيلية على غزة وإغلاق نظام مبارك للمعابر الحدودية، حيث، وفقاً له، (لم يجرؤ أحد من الصوفية انتقاد النظام حينها). ولا يعتبر أبو العزايم أن السلطة حالياً هي من تستخدم الطرق الصوفية، ولكن القيادات الصوفية هي من تقدم نفسها للسلطة لتحقيق مصالحها الشخصية. وأضاف، (مساندتهم للسيسي ليست عن قناعة شخصية، بل لركوب الموجة، لأنهم يستغلون النظام الحاكم أياً كانت توجهاته). وبرهن على ذلك من موقف الطرق إبان الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لعام 2012. قائلاً: (أكدت قيادات الطرق الصوفية حينها أنهم على مسافة واحدة من جميع المرشحين، رغم أنهم كان عليهم تأييد شفيق، ولكن لم يفعلوا ذلك خشية فوز الإخوان المسلمين). سعي القيادات الصوفية للتقرب من النظام لتحقيق مصالح شخصية هو الأمر الذي لا يعجب الشيخ عبد الخالق الشبراوي، شيخ مشايخ الطرق الشبراوية الخلوتية، معتبراً أن (مصالح الطرق الصوفية واحدة وهي نشر الروح المسلمة الوسطية وتعزيز الانتماء للوطن). وأضاف الشبراوي (الدولة تحمي الطرق الصوفية ليس فقط من الدخلاء على الطرق الصوفية، ولكن من الدولة نفسها). وأكّد في حديثه على رغبتهم في خوض العمل السياسي، من خلال دعم المشير السيسي للانتخابات، والتفرّغ للانتخابات البرلمانية والمحليات، لتكون الغلبة للطرق الصوفية. صراع فكري سلفي- صوفي يحيى الصافي سعد الله، نائب رئيس لجنة العلاقات العربية بحزب النور، يؤكد أن الفكر الصوفي يتشابه مع المذهب الشيعي، وهذا التشابه نابع من الغلو في الصالحين والأولياء. ونوًه سعد الله أن (الطرق الصوفية عابرة للقارات، وتسعى إلى تحقيق الفوضى الخلاقة وتحركهم الولاياتالمتحدة، كما يستمدون أموالهم من إيران). واستطرد قائلاً: (هذه حركة هلامية، وجزء من دعوتنا السلفية محاربة فكرهم الراديكالي). ويؤكد سعد الله، أن السلطة لا تسعى إلى دفع الطرق الصوفية إلى المشهد السياسي، لانشغالها بالمرحلة الانتقالية. معتبراً أن الطرق الصوفية لا يمكنها أن تقوم بدور سياسي فعًال في الفترة القادمة. وأردف(لا يوجد تيار ديني في مصر وطني، باستثناء السلفيين الذين أعلوا مصلحة الوطن على مصالحهم الشخصية). "قبضة السلطة الحاكمة على الطرق الصوفية" وفي نظرة تحليلية للموضوع، يرى أبو الفضل الإسناوي، باحث متخصص في الحركات الإسلامية بمؤسسة الأهرام المصرية، أن خريطة انتشار الصوفية المصرية، أخذت بعد أحداث 30 جوان، شكلا جديدًا، حيث عادت إلى أماكنها المركزية في القاهرة الكبرى. وأوضح أن ارتباط ظهور الطرق الصوفية بعد 30 جوان بعودة القبليات والعصبيات إلى دورها السياسي والاجتماعي، والتي ظلت بعيدة أيضًا عن المشهد المصري طوال فترة حكم الإخوان. ويؤكد أن السلطة المقبلة ستستمر في استغلال الطرق الصوفية سياسيًّا كما كانت تفعل الأنظمة السابقة، الأمر الذي يؤكد استمرار قبضة السلطة الحاكمة على الطرق الصوفية، وفقاً للإسناوي. وتوقًع الإسناوي أن يسمح النظام للصوفية بإنشاء قناة تليفزيونية، وإحياء موالد الذكر لإرضائهم. ويتابع(سترتمي الصوفية في حضن السلطة القادمة، وتستمر مُستغَلة سياسيًّا). وأضاف (قد بدأت تظهر بوادر هذا الاتجاه في الدعم المبكر للطرق الصوفية لترشح المشير السيسي، وتحركها في كافة المحافظات لجمع توقيعات من أتباعها). واختتم حديثه قائلا (الطرق الصوفية تتحدى جماعة الإخوان المسلمين، لاسيما بعد قيام الصوفيين برفع شعار (لا للإرهاب) ودعم السيسي، وهي أولى المواجهات المباشرة بين التيار الصوفي والإخوان).