أثبت أوّل أمس الرئيس الجزائري السيّد عبد العزيز بوتفليقة علو كعبه، كما يقال في القاموس الكروي، بعد أن صفعأاكثر من عدو يكيد المكائد للجزائر والجزائريين من خلال تحقيقه لفوز كاسح في الانتخابات الرئاسية التي شهدتها الجزائر أوّل أمس الخميس، بنيله الغالبية العظمى من المنتخبين على حساب كلّ من علي بن فليس، فوزي ربّاعين، موسى تواتي، وعبد العزيز بلعيد ولويزة حنّون، فوز مكّن السيّد الرئيس من الاحتفاظ بمقعده على رأس هرم الدولة الجزائرية لخمس سنوات إضافية. إعداد: كريم مادي بمناسبة انتخاب السيّد الرئيس لعهدة رابعة سنقدّم لكم في هذه الصفحة الخاصّة مسيرة كفاح ونضال البطل الجزائري المغوار عبد العزيز بوتفليقة، أحد أبطال الجزائر الذين سيخلّدهم سجِّل التاريخ في صفحاته المشرقة عن الجزائر الحبيبة. يعدّ السيّد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة -شفاه اللّه- أصغر وزير ترأس هذا المنصب الحسّاس وعمره 23 سنة فقط، نعم 23 سنة، كان ذلك في أوّل حكومة وزارية التي عيّنها الرئيس أحمد بن بلّة رحمه اللّه. وبما أن السيّد الرئيس يستحقّ أكثر من هذه النافذة التاريخية لسرد مسيرته النضالية سنحاول اختصار مسيرة نصف قرن من النضال عبر هذه الصفحة. ومن خلال هذه النافذة التاريخية ستتعرّفون على الحياة الكاملة للسيّد عبد العزيز بوتفليقة، أين ولد، أين درس وكيف تمكّن من ولوج منصب رئاسة الجمهورية وأهمّ إنجازاته التي عادت بالخير والمنفعة على الجزائر والجزائريين. ولد يوم 2 مارس 1937 ولد السيّد عبد العزيز بوتفليقة بتاريخ 2 مارس 1937 في مدينة وجدة المغربية، وعاش رفقة عائلته في مدينة تلمسان. تزامن ميلاد السيّد الرئيس مع التغييرات الكبيرة التي شهدها العالم في النّصف الثاني من عشرية الثلاثينيات، فبعد الأزمة العالمية التي هزّت العالم أجمع في نهاية العشرينيات وما انجرّ عنها من أثار سلبية كانت سببا في ظهور بوادر أزمة حادّة وتغيير جذري في موازين الفوة، الأمر الذي نتج عنه اندلاع الحرب العالمية الثانية في نهاية الثلاثينيات، وهي الحرب التي دفعت بعد أن أخمد فتيلها إلى مطالبة الجزائريين بالانفصال عن فرنسا، لكن بلد الاحتلال قابل هذا الطلب بالقتل والتشريد ذهب ضحيته في يوم واحد في الثامن ماي من عام 1945 حوالي 45 ألف شهيد، حينها كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يبلغ من العمر سبع سنوات، وهو عمر الثورة التحريرية المجيدة التي ركّعت العدو الفرنسي والخونة. بوتفليقة.. المناضل في الثورة التحريرية دخل السيّد الرئيس المعترك النضالي مبكّرا من أجل القضية الوطنية، التحق بصفوف جيش التحرير الوطني وهو في التاسعة عشر من عمره وهذا في نهاية دراسته الثانوية. شغل السيّد الرئيس في بداية مسيرته النضالية منثب مراقب عام للولاية الخامسة سنة 1957 والثانية في سنة 1958، وبعدها عيّن ضابطا في المنطقتين الرّابعة والسابعة بالولاية الخامسة، ألحق على التوالي بهيئة قيادة العمليات العسكرية بالغرب وبعدها بهيئة قيادة الأركان بالغرب ثمّ لدى هيئة قيادة الأركان العامّة، وذلك قبل أن يوفد عام 1960 إلى حدود البلاد الجنوبية لقيادة (جبهة المالي) التي جاء إنشاؤها لإحباط مساعي النّظام الاستعماري الذي كان مرامه أن يسوم البلاد بالتقسيم، ومن ثمّة أصبح الرّائد عبد العزيز بوتفليقة يعرف باسم (عبد القادر المالي). وفي عام 1961 انتقل عبد العزيز بوتفليقة سرّا إلى فرنسا في إطار مهمّة الاتّصال بزعماء الثورة التاريخيين المعتقلين في مدينة أولنوا، وممّا يحكى عن بوتفليقة خلال أدائه الواجب الوطني أنه كان يقول لرفقائه في الكفاح والنضال (أفضّل الموت على أن نعيش تحت السيطرة الفرنسية). كان بوتفليقة يردّد هذه الكلمات القليلة في كلّ مناسبة أو غيرها، فقد كان غيورا على الجزائر وكان أمله الكبير أن يرى أبناء بلده يعيشون في حرّية وسلام وتحت الراية الوطنية معزّزين مكرّمين. وممّا يحكى عن السيّد الرئيس أنه ظلّ يؤمن بأن النصر قادم لا محالة، وحين اقتربت ساعة سقوط المحتلّ على أيدي المجاهدين البواسل راح يقول قولته المشهورة (أفضّل أكل الحشيش والعيش في كوخ وأنا حرّ ولا أكل اللّحم والعيش في القصور وأنا مستعبد). بوتفليقة وزيرا للشباب والرياضة في سنّ ال 25 مباشرة بعد الاستقلال سنة 1962 تقلّد عبد العزيز بوتفليقة العضوية في أوّل مجلس تأسيسي وطني، ثمّ وهو في الخامسة والعشرين من عمره وزيرا للشباب والسياحة في أوّل حكومة جزائرية بعد الاستقلال، وفي سنة 1963 تقلّد العضوية في المجلس التشريعي قبل أن يعيّن وزيرا للخارجية في نفس السنة. في عام 1964 انتخب عبد العزيز بوتفليقة من طرف مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني عضوا للّجنة المركزية والمكتب السياسي، شارك بصفة فعّالة في التصحيح الثوري لجوان 1965 ثمّ أصبح عضوا في مجلس الثورة تحت رئاسة هواري بومدين رحمه اللّه. حضر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أوّل لقاء لعبه منتخبنا الوطني في ملعب 20 أوت أمام المنتخب البلغاري الذي جرى بتاريخ 6 جانفي من العام الموالي للاستقلال وانتهى بفوز منتخبنا الوطني بهدفين لواحد. كما كان للسيّد الرئيس شرف حضور أوّل نهائي لكأس الجزائر المستقلّة الذي جمع بملعب 20 أوت بين وفاق سطيف وترجي مستغانم، والذي أعيد إجراؤه بعد أن انتهى اللّقاء الأوّل بالتعادل هدف لمثله، وكان له شرف تسليم الكأس للاعبي الوفاق بحضور رئيس الجمهورية -آنذاك- السيّد أحمد بن بلّة. بوتفليقة.. من وزارة الشباب والرياضة إلى وزارة الخارجية جعل عبد العزيز بوتفليقة من منصب وزير الخارجية إلى غاية 1979 نشاطا دبلوماسيا أضفى على بلاده إشعاعا ونفوذا جعلا من الجزائر دولة رائدة في العالم الثالث، ومن ثمّ متحدّثا تصغي إليه القوى العظمى. هكذا حدّد عبد العزيز بوتفليقة مسار الدبلوماسية الجزائرية التي لم تحد عنه إلى يومنا هذا، والذي يقوم على احترام القانون الدولي ومناصرة القضايا العادلة في العالم. وقد أعطى عبد العزيز بوتفليقة الدبلوماسي المحنّك والمعترف باقتداره وتضلّعه السياسة الخارجية دفعا خلال أزيد من عقد من الزمن أدّى إلى نجاحات عظيمة، بما في ذلك توطيد الصفوف العربية خلال قمّة الخرطوم سنة 1967، ثمّ إبّان حرب أكتوبر 1973 ضد إسرائيل والاعتراف الدولي بالحدود الجزائرية وإقامة علاقات حسن الجوار والأخوة مع البلدان المجاورة، وكذلك إفشال الحصار الذي فرض على الجزائر بعد تأميم المحروقات. كما قام السيّد الرئيس بدور ريادي في تقوية تأثير منظّمات العالم الثالث وتعزيز عملها الموحّد، خاصّة بمناسبة انعقاد قمّتي منظّمة ال 77 ومنظّمة الوحدة الإفريقية في الجزائر في 1967 و1968 على التوالي، كما جعل من بلده أحد روّاد حركة عدم الانحياز ودافع باستمرار عن حركات التحرّر في العالم. هكذا أصبحت الجزائر الناطق باسم العالم الثالث، لا سيّما في ندائها بنظام اقتصادي دولي جديد. انتخب عبد العزيز بوتفليقة بالإجماع رئيسا للدورة التاسعة والعشرين لجمعية الأمم المتّحدة سنة 1974 ونجح خلال عهدته في إقصاء إفريقيا الجنوبية بسبب سياسة التمييز العنصري التي كان ينتهجها النّظام آنذاك، ومكّن رغم مختلف المعارضات الفقيد ياسر عرفات زعيم حركة التحرير الفلسطينية من إلقاء خطاب أمام الجمعية العامّة للأمم المتّحدة، كما ترأس الدورة الاستثنائية السابعة المخصّصة للطاقة والمواد الأوّلية التي كانت الجزائر من بين المنادين إلى انعقادها. بوتفليقة خلال عهدة الرئيس الشاذلي بن جديد وسنوات الجمر بعد وفاة الرئيس هواري بومدين في 1978 وبحكم العلاقة الوطيدة التي كانت تربطه به، ألقى الرئيس بوتفليقة كلمة وداع تأبينية بمقبرة العالية لا تزال كلماتها راسخة في الأذهان، لكنه أصبح في ذات السنة الهدف الرئيسي لسياسة (محو أثار الرئيس هواري بومدين)، حيث أرغم على الابتعاد عن الجزائر لمدّة تسع سنوات. عاد بوتفليقة إلى الجزائر سنة 1987، حيث كان من موقّعي (وثيقة ال 18) التي تلت وقائع 05 أكتوبر 1988، كما شارك في مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني في 1989، حيث انتخب عضوا للّجنة المركزية، بعد ذلك اقترح عليه منصب وزير مستشار لدى المجلس الأعلى للدولة وهو هيئة رئاسية انتقالية تمّ وضعها من 1992 إلى 1994، ثمّ منصب ممثّل دائم للجزائر بالأمم المتّحدة لكنه قابل الاقتراحين بالرّفض، كما رفض سنة 1994 منصب رئيس الدولة في إطار آليات المرحلة الانتقالية. 15 أفريل 1999.. بوتفليقة رئيسا لكلّ الجزائريين في نهاية عام 1998 وبطلب من دوائر السلطة للانتخابات الرئاسية أعلن السيّد عبد العزيز بوتفليقة نيّته دخول المنافسة الرئاسية كمرشّح حرّ ليؤكّد ترشّحه في شهر فيفري من سنة 1999. وقبل يوم من إجراء الانتخابات الرئاسية في 15 أفريل 1999 انسحب جميع المرشّحين المنافسين الآخرين (حسين آيت أحمد، مولود حمروش، مقداد سيفي، أحمد طالب الإبراهيمي، عبد اللّه جاب اللّه ويوسف الخطيب) بحجّة دعم الجيش له، ليبقى بوتفيلقة المرشّح الوحيد للانتخابات فحقّق النّصر وكان فوزه بداية لنهاية العشرية السوداء التي ميّزت تاريخ الجزائر المستقلة. كما سبق الذكر، وفي 15 أفريل 1999 انتخب السيّد عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وجدّد فور تولّيه مهامه تأكيد عزمه على إخماد نار الفتنة وإعادة الأمن والسلم والاستقرار وباشر في سبيل ذلك مسارا تشريعيا للوئام المدني حرص على تكريسه وتزكيته عن طريق استفتاء شعبي نال فيه مشروع الوئام أزيد من 98 بالمائة من الأصوات. ولمّا أخذ الأمن يستتبّ تدريجيا تأتّى للرئيس بوتفليقة الشروع على المستوى الداخلي في برنامج واسع لتعزيز دعائم الدولة الجزائرية من خلال إصلاح كلّ هياكل الدولة ومهامها والمنظومة القضائية والمنظومة التربوية واتّخاذ جملة من الإجراءات الاقتصادية الجريئة شملت على وجه الخصوص إصلاح المنظومة المصرفية قصد تحسين أداء الاقتصاد الجزائري، ممّا مكّن الجزائر من دخول اقتصاد السوق واستعادة النمو ورفع نسبة النمو الاقتصادي. كما قرّر رئيس الجمهورية خلال عهدته الأولى ترسيم الاعتراف بالأمازيغية كلغة وطنية. على الصعيد الدولي، استعادت الجزائر تحت إشراف الرئيس بوتفليقة وبدفع منه دورها القيادي، حيث يشهد على ذلك دورها الفعّال الذي ما انفكّ يتعاظم على الساحة القارّية في إطار الاتحاد الإفريقي والشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا (نيباد) التي كان الرئيس الجزائري أحد المبادرين بها. وعلى المستوى المتوسّطي أبرمت الجزائر اتّفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي في 22 أفريل 2001، كما تشارك الجزائر التي أصبحت شريكا مرموقا لدى مجموعة الثمانية في قمم هذه المجموعة بانتظام منذ سنة 2000، وموازاة لذلك لا يدّخر الرئيس بوتفليقة جهدا من أجل مواصلة بناء اتحاد المغرب العربي. إعادة انتخاب بوتفليقة لعهدة ثانية وثالثة ورابعة في 22 فيفري 2004 أعلن عبد العزيز بوتفليقة ترشّحه لعهدة ثانية فقاد حملته الانتخابية مشجّعا بالنتائج الإيجابية التي حقّقتها عهدته الأولى ومدافعا عن الأفكار والآراء الكامنة في مشروع المجتمع الذي يؤمن به، لا سيّما المصالحة الوطنية ومراجعة قانون الأسرة ومحاربة الفساد ومواصلة الإصلاحات. أعيد انتخاب الرئيس بوتفليقة يوم 8 أفريل 2004 بما يقارب 85% من الأصوات. وفي 26 نوفمبر 2005 أصيب الرئيس بوعكة صحّية غير خطيرة فنقل إلى أحد المستشفيات بفرنسا، خرج بعدها من المستشفى سالما معافى في 31 ديسمبر 2005. في 6 ديسمبر 2007 ونظرا لحاجة الجزائر إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعد الذي فعله خلال عهدته الأولى والثانية تمّ تعديل بعض المواد من قانون الانتخابات وتمّت المصادقة بالإجماع من طرف نواب البرلمان، الأمر الذي مكّن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من ترشيح نفسه بإلحاح من الجزائريين الذين طالبوا بضرورة استمرار الرئيس في منصبه قصد إكمال برنامجه الإنمائي، فكان عند حسن ظنّ ملايين الجزائريين. حبّ غالبية الجزائريين للسيّد الرئيس مكّنه من الفوز بعهدة ثالثة في أفريل من سنة 2009، ليواصل حمل مشعل الشهداء، وبالنّظر إلي ما فعله طيلة حكمه كان من البديهي أن تتمّ تزكيته من جديد من طرف الملايين من الجزائريين دون مبالاة بمطالب بعض الجهات بعدم التصويت عليه ومقاطعة انتخابات أوّل أمس. ورغم الداء والأعداء ها هو السيّد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يصفع أعداءه، وهي الصفعة التي نتمنّى أن تقضي على كلّ شخص يكيد لوطننا العزيز مخططات خبيثة، فهنيئا للسيّد الرئيس والتهاني الكبيرة للجزائريين الذين أثبتوا فعلا نضج وعيهم، فمزيدا من التقدّم والرفاهية وكلّ يوم والجزائر بخير.