بعدما كانت المسؤولية تقع على عاتق الزوج أصبحنا نرى حاليا ونسمع عن بعض الأزواج الذين تبرأوا من النفقة ومسؤولية البيت ليتنازلوا عنها للزوجة بالرغم من اعتبار القوامة واجباً عليهم، إلا أننا نجد الأغلبية من النساء لا يزلن يحملن هموم الحياة لوحدهن بعد تراجع دور الأب في أداء واجبه اتجاه أسرته الأمر الذي فتح الباب في وجه الأبناء إلى الاتكال على الوالدين لحصولهم على مصروفهم اليومي دون تكليف أنفسهم عناء البحث عن عمل. ومن خلال لقاء جمعنا مع مجموعة من الأمهات اللواتي يعملن بكل جهد ويحرصن على تقديم الأفضل لأبنائهن وتربيتهم بتقديم النصح لهم، صدمنا بواقع جد مرير لبعض هؤلاء النسوة اللواتي يتحملن عبء الحياة لوحدهن أمام صعوبة الأوضاع المعيشية. (نوال) كانت إحدى النساء ممن تحدثنا إليهن، حدثتنا والحزن يملأ عينيها تقول: (كنت أوفر جميع طلبات أبنائي من خلال الراتب الذي كنت أتقاضاه من عملي وقد ساعدتهم على مواصلة دراستهم والوصول إلى أعلى المناصب لكنهم تناسوا ما قدمته لهم وأهملوني وأنكروا الجميل بعد تقاعدي، فبعد حصولهم على وظائف اهتموا بشؤونهم الخاصة وتجاهلوا أمري). هي عينة من بين العينات الكثيرة التي صادفتنا أثناء رحلة البحث التي قادتنا إلى العديد من الأحياء التي تنتشر فيها مثل هذه الآفات، فعندما يصل بالابن إلى استعمال العنف ضد أمه من أجل الأموال تعتبر جريمة من الجرائم التي كانت معدومة في القديم، فالإدمان على المخدرات قد يدفع بصاحبها إلى استعمال جميع الطرق من أجل حصوله على المال هذا من جهة، ومن جهة أخرى يضاف لها غياب الأب عن أداء واجبه لردع أبنائه عن مثل هذه الأفعال، حيث تأكدنا أن تلك الظاهرة باتت منتشرة بشكل كبير داخل البيوت الجزائرية من خلال القصص الواقعية والحوادث التي تصل إلى حد ارتكاب جرائم عنف وقتل في حق الأصول يكون سبب حدوثها في أغلب الأحيان إجبار الأبناء أمهاتهم أو الأزواج لزوجاتهم على تقديم المال لهم بالقوة، حسب ما أفادتنا به (حورية) أم لطفلين ومطلقة تعمل في التنظيف بإحدى الإقامات الجامعية تقول: (زوجي هو سبب شقائي وتعاستي فبعد أن جردني من المنزل الذي قمت ببنائه حتى وإن كان فوضويا إلا أنني دفعت فيه كل شقاء عمري، حيث كان يجبرني على إعطائه نصف راتبي لينفقه على السجائر والخمر، كما أنه لم يستح يوما من تصرفاته التي يراها عادية في أن يأخذ الاموال مني وأن أقوم أنا بالإنفاق على البيت بينما يبقى هو جالس مكتوف اليدين دون عمل). وبالرغم من كل هذه الأحداث فللأبناء رأيهم الخاص في الموضوع حول مسألة تقاضي المصروف اليومي من أمهاتهم أو زوجاتهم، حيث أفادنا أحد الشباب الذين تحدثنا إليهم أن أغلب الشباب الجزائري بات يتخبط في البطالة التي اعتبرها السبب الرئيسي في اعتمادهم على أقاربهم للحصول على مصروفهم، كما أضاف أنه يضطر إلى طلب مصروفه اليومي من والدته كونه لم يتمكن من العثور على عمل بالرغم من خجله الشديد من القيام بهذا الأمر، بينما أرجع أحد الآباء المسؤولية لبعض الأسر التي لا تجبر أبنائها على تحمل المسؤولية وكسب قوت يومهم بعرق جبينهم، مما يجعلهم يتعودون على تقاضي مصروفهم من والديهم دون بذل أي مجهود. ولدى سؤالنا أحد الأزواج عن تقبله لفكرة تقاضي المال من زوجته، عارضها بشدة واعتبر تلك المسألة مرفوضة وغريبة عن مجتمعنا، خاصة أن رجولة الزوج تدفع به إلى الإنفاق على بيته لا الاتكال على زوجته، كما استغرب لما بات يسمعه في بعض المنازل التي يجلس فيها الرجال دون عمل ليتقاضوا ما تجنيه زوجاتهم من أموال والغريب حسب قوله فإنهم يجدونه شيئا عاديا. هي ظاهرة تستوجب تفطن الأولياء وتكاتفهم فيما بينهم من خلال معرفة حدود واجبات كل طرف في العائلة سواء ما تعلق بالأولياء أو بالأبناء في نفس الوقت لتجنب وقوع كوارث مستقبلية لا يحمد عقباها.