صرّح الرّاقي سيد علي بو عدو في حديث قصير ل (أخبار اليوم) بأن حالات التحرّش الجنسي خلال جلسات الرقية قليلة جدّا، بل نادرة، مؤكّدا أن الإحصائيات تشير إلى أن أغلب المرضى الذين يتوجّهون إلى الرقاة اليوم يعانون من اضطرابات نفسية ولا علاقة لما يحدث لهم بحالات مسّ أو سحر أو غير ذلك، أمّا عن المظاهر الشاذّة التي تسلّلت إلى عالم الرقية الشرعية في الآونة الأخيرة فقد برّرها بوعدو بكون الرقية ليست علما يدرّس في الجامعات ولا يحتاج إلى شهادات علمية ولا شهادات كفاءة، وهو ما جعل الباب واسعا أمام الكثيرين ممّن يدّعون الرقية لدخول هذا العالم وابتداع الحيل لأكل أموال النّاس والتلاعب بعقولهم. * فيما تتمثّل وظيفة الرّاقي وظيفة الرّاقي؟ ** أوّلا الرقية ليست مهنة ولا وظيفة يمتهنها النّاس وإنما علاج ينفع به بعض النّاس البعض الآخر بالقرآن الكريم وبعض الأذكار المأثورة علاجا من بعض الأمراض الرّوحية التي تؤثّر على النّفس والجسد ممّا ذكر في القرآن والسُنّة مثل العين بأنواعها والسِّحر بأنواعه والمسّ الجني بأنواعه، والنّاس مطالبون قبل ذلك بأن يحصّنوا أنفسهم بالقرآن وأذكار الصباح والمساء ومطالبون أيضا بأن يرقوا لأنفسهم، وأن يتعلّموا ذلك، ولا يتأتّى هذا العلاج إلاّ بتوفيق من اللّه وبقلب مؤمن وبالطرق الشرعية التي وردت في السُنّة النبوية بعيدا عن كلّ أشكال التجاوزات غير الشرعية، لكن عليه أن يدعو المصاب وأهله إلى طاعة اللّه والبعد عن كلّ أشكال معصيته ويدعوهم إلى أركان الإسلام وقبله إلى توحيد اللّه الخالص. * هل هناك أعشاب أو مواد معيّنة يستعملها الرّاقي لشفاء المرضى؟ ** في الحقيقة يختلف الرقاة الصادقون المتقنون لهذا النّوع من العلاج في بعض وسائل هذا العلاج، لكن لا يخرجون عن الشرعية إلاّ البعض الذي لم يمنح نفسه وقتا للتعلّم واستعجل حمل لقب راقي، ومن المواد التي يستعملها الرّاقي في علاجه الماء والزّيت والسدرة والسنا مكّي والحبّة السوداء والعسل وتمر المدينة والتمر عموما. * لو تصف لنا الكيفية الصحيحة للرقية حتى يتسنّى للقارئ أن يفرّق بين ما هو رقية شرعية وما هو شعوذة... ** يختلف الرقاة أيضا في كيفية الرقية وطريقتها، فالرقاة الصادقون والمتمكّنون والمتعلّمون يختلفون طبعا في بعض تفاصيل الرقية الشرعية كاختلاف الأطبّاء في تشخيص وعلاج بعض الأمراض، لكن على العموم لا يخرجون عن القالب الشرعي للرقية ويتميّزون دون شكّ عن غيرهم من المشعوذين. وعلى كلّ حال فإن الرقية تتمّ بعد التشخيص الذي يقوم به الرّاقي برقية أوّلية يقرأ فيه القرآن وبعض الأدعية المأثورة جهرا أمام المصاب ولا يتمتم ولا يقول أشياء غير مفهومة ويرى ردّة فعل المصاب، ثمّ تدخل تجربة وعلم الرّاقي، وهنا يجب التنبيه إلى شيء وهو أن الرّاقي قد يخطئ في التشخيص لتشابه الأعراض، ونحن هنا طبعا لا نتكلّم عن الرقاة التجّار الذين يتاجرون بالرقية ويلقون المصائب على رؤوس النّاس ويوهمونهم بأمراض لا أساس لها بغية الرّجوع إليهم واستنزاف أموالهم، فلينتبه القارئ إلى ذلك وهذا مع جواز أخذ الأجرة على الرقية وعلى المريض أو أهله أن يكرموا المعالج تشجيعا له وإن كان يعمل في سبيل اللّه، غير أنه ترك مشاغله وأسرته وعمله من أجل علاج المريض، فلابد له من تشجيع وهو بشر وهو أولى من يكرّم دون طلب منه، أمّا ما يفعله بالمقابل بعض النّاس من إشغال الرّاقي بكرة وأصيلا ثمّ لا يقومون بواجب الإكرام بحجّة أنه في سبيل اللّه، وأنه رجل طيّب لا يطلب المال وليس مثل أولئك التجّار فهذا خطأ. * إذن هناك مظاهر واضحة يستطيع المريض من خلالها اكتشاف المشعوذ أو مدّعي الرقية... ** صحيح، ومن المظاهر التي تميّز الرّاقي عن غيره من المشعوذين حتى يستطيع القارئ التفريق بين ما هو شرعي وما هو شعوذة أن الرّاقي لا يحتاج في علاج المريض لا إلى اسمه ولا إلى اسم والدته، وإن سأل المريض عن اسمه فمن باب الاستئناس والمناداة فقط لا غير ولا علاقة لذلك بالعلاج، فلن يسأل عن اسم والدة المريض أو والده مثلا ، وبالمقابل لن ينتظر المريض ردّا من الرّاقي عن نوع مرضه أو ما يعانيه قبل التشخيص، ولعلّ المشعوذ يوهم المرضى بأن له علاقة بالجنّ الذي سيأتيه بخبرهم من السّماء فيأتيهم بكلمة صحيحة ملفوفة بألف كذبة، الأمر الذي لا تجده عند الرّاقي الشرعي. كما أن الرّاقي لا يستعمل في العلاج المواد التي يستعملها الساحر مثل ما يعرف ب (الفاسوخ) وهي تلك المادة التي تذوب ثمّ تلقى في الماء فتأخذ شكلا معيّنا وتستعمل في إبطال السِّحر أو استعمال شيء من أغراض المصاب أو غيره مثل الشعر أو الأظافر أو قطع اللباس، وهو ما يعرف بإبطال السِّحر بالسِّحر وهو شرك باللّه دون شكّ. ومن أهمّ ما يميّز الرّاقي عن المشعوذ أيضا ما يسمّى بالتميمة أو الكتابات أو الطلاسم أو الأوامر غير الطبيعية كذبح ديك أسود عند عتبة البيت أو غيره، ومن الواجب لفت نظر القرّاء هنا إلى أن السواد في الديك أو اللّون المطلوب المقصود منه لفت الانتباه عن الشرك الحاصل وهو الذبح لغير اللّه. * ما رأيك في بعض المظاهر الشاذّة التي اقترنت اليوم بالرقية، والتي لا نظنّ أن لها علاقة بالرقية الشرعية أصلا؟ ** في الواقع هذا العلم والعلاج ليس مقنّنا وليس فيه شهادة كفاءة أو شهادة نهاية الدراسة أو شهادة إتقان والدخول فيه وادّعاؤه سهل، لذا ولج ودخل فيه وامتهنه الكثير بحسن نيّة وبسوء نيّة وكلّ على حسب نيّته، لكن على العموم لابد للرّاقي أن يتأدّب في ويتخلّق بأخلاق هذه المهمّة العظيمة وقبلها بأخلاق الإسلام ومن أهمّها الأمانة والمحافظة على أسرار النّاس وثانيها الاِلتزام بآداب الضيافة والدخول على بيوت النّاس من استئذان والجلوس في المكان المخصّص الذي يجلسك فيه مضيفك وعدم إلقاء النّظر إلى أماكن عورات البيت وغضّ البصر حتى مع المصاب إن كانت امرأة، وأن يأمر أهلها بالتستّر قبل الدخول عليه ويتجنّب الخلوة مهما كانت الظروف إلاّ في حالات نادرة جدّا، وأن يعتمد في رقياه قبل العلم على الإيمان والتقوى والورع والإخلاص والصدق مع اللّه وسلامة الصدر والقلب حتى يجري اللّه على يديه الشفاء. ومن رأى أنه لا يتحمّل ويخشى على نفسه الفتنة فليترك عنه هذا الأمر حتى لا يقع في المحذور، ومن كانت نيّته سيّئة فنقول له اتّق اللّه وليحذر النّاس من هؤلاء بأن لا يتركوهم في الغرفة منفردين مع المصابة، وأن ينتبهوا ولا يلمس المصاب إلاّ الأماكن المحدّدة بحاجز كثيف يصعب معه تجسيد المكان الملموس إن كانت امرأة وإن كان الموصى به عدم لمسها مطلقا وسترها بإزار أو غيره حتى لا يتكشّف منها شيء في حال حصول ردّة فعل. * ماذا عن التجاوزات التي تحصل خلال جلسات العلاج بحجّة الرقية كالتحرّش مثلا؟ ** أمر التحرّش في رأيي قد يكون منطلقه هذا المنتسب إلى عالم الرقية بسوء نيّة مسبقة أو بفتنة تحصل خلال الرقية أو بالنّظر إلى المصابة أو بإيحاء أو بدعوة من المصابة، فليتحصّن الرّاقي الصالح بالنيّة الحسنة وبالدعاء بأن يجنّبك اللّه الفتنة، وأن يفرّ من الإغراء والدعوة إلى الفاحشة من تلميحات المصابة أو تصريحاتها في أندر الأحيان. ولا يسعنا أن نقول لمن ساءت نيّته مسبقا في التحرّش اتّق اللّه ولا تسئ إلى دين اللّه وإلى العلاج بالقرآن بأفعالك الشنيعة، كما نقول لمن ساءت نيّتها في إغراء الرّاقي للوقوع في الفتنة اتّق اللّه في نفسك وفي الرّاقي. وفي الأخير نقول إن حالات التجاوز والتحرّش الحاصلة نادرة مقارنة بما هو حاصل من العلاج والرقية على العموم، وأريد فقط لفت الانتباه إلى أمر مهمّ هو أن المستقرأ بعد كثرة السؤال والحديث مع الرقاة أن حالات المسّ قليلة نسبة إلى الحالات النّفسية التي ليس لها علاقة بالرقية وتعالج عند طبيب الأعصاب أو طبيب النّفسي، فنوصي الرقاة بأن يتأكّدوا قبل أن يحكموا أن الحالة تحتاج إلى الرقية أو إلى التوجّه إلى الطبيب النّفسي أو العصبي.