يعد قانون الأسرة واحدا من أهم القوانين التي شرعها المشرع الجزائري، وذلك من أجل وضع حد وضوابط لكل التجاوزات التي يمكن أن تحدث داخل نواة المجتمع، خصوصا إذا ما تعلق بفض بعض الخصومات بين الزوجين، وقد عرف هذا القانون العديد من التعديلات عبر تاريخ الجزائر المستقلة، إلا أنّ هذه الأخيرة منها ما لقي استحسان الناس، ومنها ما اعتبر أنه لا يراعي مبادئ الشريعة الإسلامية، ما أسال الكثير من الحبر عند الإعلاميين. عتيقة مغوفل أثار قانون منع ضرب المرأة الكثير من الجدل، وهو الموضوع الذي سبق وأن تناولته أخبار اليوم بالتفصيل في أحد الأعداد السابقة، ما دفع بنا إلى البحث في قانون الأسرة الجزائري لمعرفة بعض التعديلات الأخرى والتي مسته من قبل، عسانا نجد بعض نقاط الاختلاف أو الجدل خصوصا بعد الطلب الملح الذي تقدم به بعض السلفيون إلى المجلس الوزاري القاضي بضرورة مراعاة الشريعة الإسلامية، ولإنجاز موضوعنا تطلب منا الأمر الجلوس للأحد أهل الاختصاص من أجل إيفائنا بقدر كبير من المعلومات، وفي هذا الصدد جمعنا حديث شيّق بالأستاذة المحامية مختاري ، التي استقبلتنا في بيتها بصدر رحب. أول محور اختارته الأستاذة مختاري أن تحدثنا فيه هي التعديلات التي مسّت قانون الأسرة في السنوات الأخيرة، ففيها بعض التعديلات التي أنصفت الزوجين معا وحفظت لكل منهما كرامته، في حين هناك تعديلات أخرى منحت الحق لطرف على حساب الطرف الثاني دون مراعاة مبادئ الشريعة الإسلامية، وهو ما يزرع المخاوف على أن يحدث الشقاق في الأسرة الجزائرية، من خلال تمرد الزوجين على بعضهما البعض. تجريم الجناية الاقتصادية أول التعديلات التي مسّت قانون الأسرة الجزائري هو تجريم الجناية الاقتصادية، وذلك بعد أن أصبحت تعج أروقة المحاكم الجزائرية بقضايا رفعتها نسوة في حق أزواجهن الذين يقومون بتجريدهن من مالهن الخاص، مع العلم أن مال المرأة ملك لها ولا حق لزوجها فيه إلا برغبة منها، وقد جاء قانون الأسرة صريح في ذلك فالمادة 37 منه تنص على لكل ما واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز للزوجين أن يتفقا في عقد الزواج أو في عقد رسمي لاحق حول الأموال المشتركة بينهما التي يكتسبانها خلال الحياة الزوجية و تحديد النسب التي تؤول إلى واحد منهما غير أنه سنة 2005 تم تعديل هذا القانون ليكون أول مادة تعدل في قانون الأسرة فقد أضيفت له الصياغة التالية يجب على الزوج نحو زوجته النفقة الشرعية حسب وسعه إلا في حالة نشورها، العدل في حالة الزواج أكثر من واحدة ، وهذه الصياغة القانونية تدل أنه يجب على الزوج النفقة على عائلته دون التدخل في مال زوجته وفي حال صدور أي شكوى منها ضده في هذا الصدد، يتم معاقبته من طرف القاضي وقد تصل العقوبة لدرجة الحبس، كما أن التعديل الجديد للمادة نص على ضرورة العدل الاقتصادي بين الزوجات في حال تعددهنّ وذلك مراعاة لمبدأ الشريعة وهو التعديل الذي رحب به الكثير من أهل الاختصاص والحقوقيون. الإهمال العائلي وفي نفس السياق دائما واصلت الأستاذة المحامية مختاري شرح التعديلات التي مست قانون الأسرة، فثاني تعديل جاء في قانون الأسرة والذي رحب به الحقوقيون كثيرا هو ذاك المتعلق بالإهمال من طرف الزوج، حيث أن قانون الأسرة يعاقب الزوج في حال ما إذا تخلى عن زوجته وغادر بيت الزوجية من دون سبب أي أنه عرض أهله للإهمال العائلي، فالمادة 330 من قانون العقوبات تنص على يعاقب من شهرين إلى سنة حبس و بغرامة من 25000 ألف إلى 100.000 دج : 1 / أحد الوالدين الذي يترك مقر أسرته لمدة تتجاوز الشهرين ويتخلى عن كافة إلتزامته الأدبية أو المادية المترتبة على السلطة الأبوية أو الوصاية القانونية، ذلك من غير سبب جدي، ولا تنقطع مدة الشهرين إلا بالعودة إلى مقر الأسرة على وضع ينبئ عن الرغبة في إستئناف الحياة العائلية بصفة نهائية 2- الزوج الذي يتخلى عمدا ولمدة تجاوز الشهرين عن زوجته مع العلم أنها حامل وذلك لغير سبب جدي. 3- أحد الوالدين الذي يتعرض صحة أولاده أو واحد أو أكثر منهم أو يعرض أمنهم أو خلطهم لخطر جسيم بأن يسيء معاملتهم أو يكون مثلا سيئا لهم، للاعتياد على السكر أو سوء السلوك، أو بأن يهمل رعايتهم، أو لا يقوم بالإشراف الضروري عليهم، و ذلك سواء كان يقضي بإسقاط سلطته الأبوية عليهم أو لم يقض بإسقاطها. 4- وفي الحالتين 1 و2 من هذه المادة لا تتخذ إجراءات المتابعة إلا بناء على شكوى الزوج المتروك ، هذا ما ورد في قانون الأسرة القديم، حيث أن القانون المعدل الجديد أقر بمعاقبة الزوج الذي يتخلى عن زوجته وأبنائه بعقوبة من سنتين حبس فما فوق، وذلك لردع من هذه الظاهرة التي أضحت تنخر المجتمع الجزائري كثيرا، فكم هم عديدون من تخلو عن زوجاتهم وأبنائهم من أجل السفر والهرب بعيدا، أو من أجل الزواج من امرأة ثانية وترك الأولى رفقة أبنائها مهملة دون معيل لها ولأبنائها. إهانة المرأة في الأماكن العامة ومن بين التعديلات التي مست قانون الأسرة والتي لقيت هي الأخرى استحسانا من طرف الحقوقيين والشارع الجزائري على حد سواء، وهي إهانة المرأة من طرف زوجها في الشارع والأماكن العامة على مرأى ومسمع الناس وهو ما يسبب للكثير من هنّ عقد نفسية، حيث أقر المشرع الجزائري عقوبة حبس من ستة أشهر إلى عامين حبسا نافذة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يحفظ للمرأة كرامتها مثلما نصت عليه الشريعة الإسلامية والسنة النبوية ومثلما نصت عليها المواثيق والاتفاقيات الدولية، ولا تتعلق هذه المادة القانونية بإهانة المرأة من طرف زوجها فقط، بل تحميها حتى من التعرض للإهانة من طرف الغرباء في الشارع وهي الظاهرة التي تفشت كثيرا في المجتمع الجزائري، فقد أصبح الشباب يتمتعون في إهانة النساء على مختلف أعمارهنّ. زنا المحارم وقد أردفت الأستاذة المحامية مختاري شرح العقوبات التي تم تعديلها وتجريمها في قانون الأسرة الجزائري، ومن هذه القوانين أيضا زنا المحارم و هي إحدى الكبائر في الدين الإسلامي زنا المحارم، حيث أن المشرع الجزائري اقر عقوبات صارمة في مرتكبي مثل هذه الكبائر، التي يصل الحد فيها في الإسلام إلى الموت، وبما أن الجزائر من الدول التي وقعت على اتفاقية منع عقوبة الإعدام اقر المشرع الجزائري في هذا الصدد أقصى العقوبات وهو ما ورد في المادة 337 من قانون العقوبات في شقه المتعلق بالأسرة، حيث أن المادة تنص على إذا كان الجاني من أصول من وقع عليه الفعل المخل بالحياء أو هتك العرض أو كان من فئة من لهم السلطة عليه أو كان من معلميه أو ممن يخدمونه بالأجر أو كان خادما بأجر لدى الأشخاص المبينين أعلاه، أو كان موظفا أو كان من رجال الدين، أو كان الجاني مهما كانت صفته قد استعان في ارتكاب الجناية بشخص أو أكثر فتكون العقوبة السجن المؤقت من عشر إلى عشرين سنة في الحالات السابقة الذكر . قوانين ستهدم المجتمع الجزائري بعد أن حدثتنا الأستاذة مختاري عن جملة القوانين التي من شأنها أن تحدث الإصلاح وأن تحمي الحقوق بين الزوجين، تطرقت على الشق الثاني من الموضوع المتعلق بالقوانين التي من شأنها أن تهدم الأسر عوض أن تبينها تصلحها. ومن هذه القوانين تلك المتعلقة بالسكن بعد أن يتم الطلاق بين الزوجين خصوصا ما إذا كانت المرأة حاضنة، ففي سابق الأمر كنا نسمع أن للزوجة حق السكن بصفتها الحاضنة للأولاد، لكن اليوم تغير الأمر إذا أصبح لزوج الحق في الاحتفاظ بسكنه خصوصا إذا ما تزوج مرة أخرى وكان له أولاد، وحتى لا يقوم بتشريد أسرته الثانية أقر له المشرع الجزائري أن يدفع بدل الإيجار لزوجة الأولى رفقة عيالها المقدر ب10 آلاف دج وهو الأمر الذي أستهجنه الكثير من العارفين بالقانون لأن المبلغ المتفق عليه قليل جدا مقارنة إذا ما عرفنا إن أسعار الكراء الحقيقية تجاوز 22000 ألف دج، وذلك حسب ما تنص عليه المادة 72 من قانون الأسرة الجزائري التي تنص على في حالة الطلاق يجب على الأب أن يوفر لممارسة الحضانة سكنا ملائما للحاضنة، وإن تعذر ذلك فعليه دفع بدل الاتجار، و تبقى الحاضنة في بيت الزوجية حتى يتم تنفيذ الحكم القضائي ، ولكن ما يعاب على هذا القانون أنه إذا خرجت المرأة من البيت الزوجية ثم تحاول الرجوع إليه حتى بعد أن يصدر الحكم بالحضانة في صالحها فأن زوجها يحق له الاحتفاظ بالمسكن له و يكتفي فقط بدفع بدل الإيجار الذي لا يفي بالغرض في كثير من الأحيان. منحة للأم العازبة ومن بين القوانين التي أثارت سخط الكثير من المحامين الجزائريين في قانون الأسرة الجديد، والذي فتح المجال للكثير من الأقاويل، هو تخصيص منحة للأم العازية، حيث أنه خصص مبلغ 10 آلاف دج على كل طفل للأم العازية، وهو ما أعتبره الكثيرون أنه يفتح الباب لرذيلة في المجتمع الجزائري، و كأنه يشجع النساء على إنجاب أطفال الزنا ومن ثمة تخصيص منحة على كل طفل لهن، في حين فإن المنحة المخصصة لكل طفل من طرف صندوق الضمان الاجتماعي و التي عادة ما تكون صمن مرتب والده لا تتجاوز 600 دج، وبهذا يكون لطفل الزنا الحق أكثر من أي طفل عادي. رفع الشكوى على الزوج ومن بين الأقاويل التي فتحت الباب على مصرعيه للكثير من النقاش، خصوصا من طرف السلفيين الذين اعتبروه أنه يشجع المرأة على التمرد على زوجها ومنحها الحق في رفع شكوى بمجرد أنه يصرخ في وجهها، و إذا ما صربها فأنه بالفعل ستحدث الطامة الكبرى، إذ يحق لها أن تتقدم بشكوى ضده وتدعي أنه ضربها دون أن تكون هناك اثر للضرب على جسدها و دون أن تحضر الشهادة الطبية التي تثبت ذلك، فالقاضي هنا يكفي فقط بشهادة إحدى جاراتها التي تسمعه وهو يصرخ عليها، وهو ما يفتح الباب لشهادة الزور وتعنت الزوجة على زوجها، ويصبح المجتمع الجزائري بها مثل المجتمع الغربي تدوس فيه المرأة على زوجها متى شاءت.