بقلم: محمد الرئيسي دق بابَ جحا أحد المتسولين ولما فتح له الباب قال المتسول: أنا ضيف الله! فتعجب جحا وخرج من البيت وقال للمتسول: اتبعني. وتبعه المتسول حتى بلغا باب المسجد فقال له جحا: هذا بيت الله يا ضيف الله! وحال إعلام بعض الدول كحال ذاك المتسول الذي يأتي ليفرض نفسه عليك ويطرق الباب، والمقصود هنا القنوات والصحف التي تملأ عالمنا العربي، ولكن معظمها افتقد أخلاقيات العمل الإعلامي ومواثيق الشرف وقواعد السلوك المهنية. وحينما نتكلم عن الإعلام يتبادر إلى ذهننا إعلام يتسم بالجدية والحكمة والتبصر، بعيدا عن التدليس أو التلفيق أو الإساءة! أما الإعلام الآخر فنستطيع أن نقول عنه إنه إعلام همه الاسترزاق، ويبني مجده على أكتاف الجهلاء لا العقلاء. والأقلام الهابطة التي تروج وترتفع على حساب المجتمعات والإساءة للدول، ما هي إلا أقلام تصنع لنفسها شهرة مزيفة سرعان ما تنهار. ولك أن ترى مدى التخبط في ذلك الإعلام الذي همه الإساءة والترويج لكل شائعة وحقن النفوس كراهية! وتناسي أخلاقيات المهنة التي تتمحور حول الصدق والمسؤولية والنزاهة. وبت مقتنعاً بأن إعلاماً هكذا جزء من المحنة العربية والإسلامية، وبالذات في الأدوار الثلاثة التي يلعبها بصورة شنيعة، وهي: التلقين والتضليل والتحريض. الصدق حسب تعريفه عند فقهاء الإسلام، هو قول الحق ومطابقة الكلام للواقع. وقد أمر الله تعالى بالصدق، فقال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)) [التوبة: 119]. وأتت الشريعة مطالبةً بالصدق مع الناس، فلا يكذب المسلم في حديثه مع الآخرين، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ؛ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) [البخاري]. وكبار الإعلاميين في العالم يسلمون بأن المصداقية أهم ركيزة في العمل الإعلامي. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (عليك بالصدق وإن قتلك)، وقال أيضاً: (لأن يضعني الصدق وقلّما يفعل أحب إلي من أن يرفعني الكذب، وقلّما يفعل). وها نحن اليوم في واقعٍ إعلامي يفرض نفسه على الناس بالكذب والدجل، ويتسولهم شهرته بالتضليل وزرع الفتن، والربحية عنده باتت هي المبتدأ وهي الخبر، وضرب بالدين وشرف المهنة عرض الحائط! وعودةً إلى قصة جحا، أقول إنه أوصل ذاك المتسول إلى باب المسجد لقوله إنه ضيف الله، ونحن لن نوصل هذا الإعلام المتسول إلى المسجد فحاشى بيوت الله من التدنيس، بل نرسله إلى أقرب قمامة فهي المقام والمكان المناسب لمثل هذا الإعلام.