هذه أسباب تكرار الكارثة في العاصمة في كل مرة تهطل فيها الأمطار على الجزائر العاصمة، تتعرض المدينة التي يقطنها أكثر من أربعة ملايين جزائري للكثير من المشاكل وتغرق شوارعها وتتضرر البنايات والمنشآت القاعدية بشكل كبير، دون أن تنجح الجهات المسؤولة في وضع حد لهذه الأزمة المتكررة، وفي كل مرة تنبئ فيها مصالح الأرصاد الجوية بهطول الأمطار، يصاب العاصميون بالذعر وترتفع الأيادي إلى السماء بصوت واحد (اللّهم صيّبا نافعا)، كما ارتفعت الأيادي في صلاة الاستسقاء يوم الجمعة: (اللهم أغثنا)، والحقيقة أن العاصميين ليسوا وحدهم المهددون ب فيضانات قاتلة ، فالإهمال و(البركولاج) يبدو سمة مشتركة بين كثير من المسؤولين المحليين، ما يجعل ملايين الجزائريين عرضة ل(فيضانات الموت). (أخبار اليوم) تقصت الحقيقة من أفواه الخبراء والمختصين الذين وضعوا تصورهم لأهم أسباب تكرار الأزمة في كل عام، منذ كارثة باب الوادي الشهيرة في 2001 والتي راح ضحيتها المئات من الجزائريين. كشفت نشرية للديوان الوطني للأرصاد الجوية بأن حالة الجو ستبدأ في التغير ابتداء من اليوم الاثنين على معظم المناطق الساحلية للوطن بعد وصول اضطراب جوي محمّل بأمطار رعدية كثيفة ستميّز أغلب المناطق الشمالية حتى نهاية الأسبوع، ويرتقب أن يتغير الجو بشكل محسوس على مجمل المناطق الشمالية من خلال سقوط أمطار غزيرة ورعدية بفعل اضطراب جوي مرفوق بأمطار وانخفاض محسوس في درجات الحرارة ليلة الأحد إلى ظهيرة الاثنين بحول الله. على أن تبقى بعدها الأجواء باردة وغير مستقرة حتى بعد تراجع الاضطراب الجوي وظهور أجواء فصل الشتاء التي تأخرت بسبب ظروف مناخية خاصة تشهدها الجزائر رفقة الدول المجاورة لها. هذه النشرية أعقبت موجة جفاف أصابت البلاد، ومخاوف أطلقها اتحاد الفلاحين الجزائريين، أعلنت على إثرها وزارة الشؤون الدينية إقامة صلاة الاستسقاء في كافة مساجد الوطن. وكان مختص علم الفلك الجزائري لوط بوناطيرو قد حذر مؤخرا من تكرار سيناريو فيضانات باب الوادي هذه السنة، فقد عرف صيف 2014 ارتفاع درجات الحرارة بشكل مذهل، وحسبما ما جاء عن أحد المواقع الأمريكية الخاصة بالأرصاد الجوية فالعالم لم يشهد سبتمبر حار مثل سبتمبر الماضي من السنة الجارية منذ 1887، وهذا يعني أنه تم تشكيل كميات كبيرة من السحب، وهو ما سيؤدي حتما إلى تساقط كبير للأمطار خلال هذا الشتاء، لذلك تعالت أصوات العديد من الخبراء إلى ضرورة استعداد السلطات المحلية لاستقبال أي طارئ إذا وجدت أي كارثة محتملة الوقوع. الإهمال ومشاريع تصريف المياه الفاشلة يحمّل جانب كبير من المختصين العامل البشري المتمثل في المسؤولين المحليين مسؤولية الفيضانات المتكررة في العاصمة، وفي السياق، يرى الخبير في علم الفلك والجيوفيزياء لوط بوناطيرو بأن حالة الفيضانات التي تشهدها عدة بلديات من العاصمة على غرار باب الوادي وحسين داي وغيرها خلال السنوات الأخيرة راجعة أساسا إلى الإهمال وعدم تنقية وتطهير البالوعات والمجاري المائية، الأمر الذي تسبب في شبه فيضانات، قائلا بأن إطلاق مصطلح فيضان يكون على ارتفاع منسوب مياه يصل إلى 5 أمتار فما فوق وهذا النوع من الحوادث لا تسجل أبدا في أوروبا والعديد من دول العالم نظرا لاهتمامهم بنظافة البالوعات. فساد المقاولين أكدت مصادر مطلعة ل(أخبار اليوم) أن الجزائر العاصمة لا تملك بنية تحتية مجهزة لاستيعاب الأمطار، ليس لأن الحكومة لم تصرف ميزانيةً هائلة لتنفيذ المشاريع، بل لأن: المقاولين الذين بنوا تلك المشاريع غشاشون ومستهترون، يستغلون ضعف آليات الرقابة لجني الأموال بغش الجزائريين. ويتابع محدثنا (رصدت الدولة الملايير لتنفيذ مشاريع صرف مياه الأمطار، ولكن لم ينتج منها سوى تزايد في أعداد المستنقعات والبرك التي عطّلت حركة المرور وأوقفت المدارس والأشغال، ودمّرت أملاكاً وخرّبت بيوتا، بل تسبّبت بإزهاق الأرواح في العاصمة) ويؤكد ذات المصدر أن عدم معاقبة المتسبّبين في مآسي الجزائريين، هو المؤشر الذي فرّخ المفسدين والمتلاعبين والمتقاعسين، وجعلنا نفزع لمجرّد إعلان الشيخ فرحات عن اضطراب جوّي قادم! ارتفاع منسوب مياه البحر رغم أن معظم الخبراء يحمّلون مسؤولية الفيضانات التي تشهدها الجزائر العاصمة إلى العامل البشري، إلا أن دراسات بيئية حديثة تصنف الجزائر العاصمة كإحدى أكثر المدن الساحلية في العالم عرضة لخطر الفيضانات والكوارث الطبيعية في غضون 2050، في حال بقي معدل ارتفاع مستوى سطح البحر في المستويات الحالية، كما يؤكد خبراء أن من بين أسباب تكرار حوادث الغرق التي تتعرض لها المدينة في كل عام ارتفاع منسوب مياه البحر الذي يسهم خفض قدرة تصريف المياه عبره. ووضعت الدراسة المنشورة في العدد الأخير من مجلة (طبيعة تغير المناخ) الأمريكية، العاصمة الجزائرية ضمن 20 مدينة ساحلية في العالم معرضة لخسائر مادية كبيرة قياسا إلى ناتجها المحلي الخام، بفعل الفيضانات المتوقعة في غضون سنة 2050. الأودية النائمة حذر البروفيسور عبد الكريم شلغوم، خبير ورئيس نادي المخاطر الكبرى من الفيضانات الموسمية التي ستعرفها بعض الولايات على غرار العاصمة، عنابة، قسنطينة وبعض ولايات الجنوب، في ظل عدم استعداد السلطات لمواجهة مثل هذه الكوارث وغياب استراتيجية عامة لمجابهة المخاطر التي قد تتعرض لها كالزلازل وانزلاق التربة والفيضانات، زيادة على أن أغلبية الولايات شيدت على 100 واد جاف، وهي تعود إلى النشاط دوما كما حدث في كارثة باب الوادي عندما تجدد الوادي بعد 50 سنة، محدثا كوارث وخسائر بشرية وعمرانية. تحذيرات الخبراء صيحة في واد.. الله يستر وتأتي دعوات الخبراء الجادة في وقت لم تتغير فيه ملامح المدن الكبرى والعاصمة تحديدا عن تلك الوضعية التي كانت تعيشها قبيل كارثة 2001، حيث بات مشهدا عاديا أن يرى المرء أحياء كاملة تغرق في قطرة ماء وطرقات في قلب العاصمة تتحول إلى مسابح عملاقة، بل وتكفي ساعة واحدة من المطر الشديد في أن تشكل سيولا تجر وراءها أرواحا، على غرار ما وقع في فيضانات غرداية سنة 2008، وهو ما يجعل الجزائريين يرفعون أيديهم إلى السماء تضرعا: (الله يجعل الخير)، لكي لا تتحول أمطار الخير المرتقبة إلى كوارث جراء إهمال ولا مبالاة مسؤولينا.