اتفاق شراكة أم نفط مقابل الغذاء؟! خبراء: بنود تمييزية حولت الشراكة إلى رابح - خاسر 10 سنوات كاملة استغرقتها الحكومة الجزائرية في لفت أنظار مسؤولي الاتحاد الأوروبي إلى السوق الوطنية من خلال إقرار جملة من الإصلاحات الاقتصادية الهادفة إلى تنويع الاقتصاد الوطني وتجهيز المؤسسات الوطنية للمنافسة وووو...لكن على ما يبدو فإن هذه الجهود لم ولن تفلح بفعل طغيان النظرة الاستعلائية لذوي العيون الزرقاء الذين يكبحون كل توجه لإعادة تصنيع البلاد، وهو ما جعل بعض المحللين يشبهون اتفاق الشراكة هذا بعقوبات (النفط مقابل الغذاء). فعلا إنه جزاء سنمار ذلك الذي حصدته الجزائر من شراكتها مع الاتحاد الأوروبي، حيث لم يشفع لها إنقاذ (حاشري الأنوف) من مخالب الأزمة الاقتصادية العالمية في تغيير النظرة الاستعلائية التي تغلب على مسؤوليهم كلما طالب مسؤولونا بحقوقهم المضمونة من خلال بنود اتفاق الشراكة والمتعلقة أساسا بترقية الصادرات الجزائرية خارج المحروقات وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. ولو رجعنا قليلا إلى الوراء نُلاحظ أن تشنج العلاقات بين الجزائر والاتحاد الأوروبي مؤخرا راجع بالأساس إلى مطالبة مسؤولينا بحقوقهم من اتفاق الشراكة بعد 10 سنوات من دخوله حيّز التنفيذ، حيث ساهمت تصريحات وزير التجارة عمارة بن يونس والتي اعترف فيها بفشل الشراكة بفعل عوامل خارجية غير مشجعة تكبح صادراتنا، ساهمت في فضح الأوتوقراطيين كما أسماهم وزير الدبلوماسية الجزائرية، والذين وجهوا سهامهم صوب الحكومة الجزائرية وراحوا يتحدثون عن أمور داخلية خالصة لا تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد، في محاولة يائسة لطمس الحقائق وتغيير النقاش الاقتصادي الجاد، إلى كليشيهات أكل عليها الدهر وشرب. الحقيقة المؤلمة بالأرقام يؤكد عديد الملاحظين أن التدخل الأوروبي في الشؤون السياسية الداخلية للجزائر ما كان ليكون لولا أن انكشف القناع، وفضحت تلاعبات (حاشري الأنوف) الاقتصادية بالأرقام، حيث أورد وزير التجارة أرقاما تحض مؤشرات الاقتصاد الجزائري ويتحدث عن قيمة واردات جزائرية من الإتحاد الأوروبي بلغت في 2013 نحو 5ر28 مليار دولار مقابل ما قيمته 7ر42 مليار دولار من صادرات طغت عليها عائدات المحروقات، فيما لم تتعد قيمة الصادرات خارج المحروقات مبلغ 5ر1 مليار دولار العام 2013 مقابل 552 مليون دولار العام 2005. هذه الأرقام لم تترك للأوربيين من خيار سوى التحجج ببعض المغالطات البالية والتي تكرس نظرتها الاستعلائية على المنتوجات الجزائرية بحجة (عدم مطابقتها للمعايير) تارة و الحواجز التي تضعها الجزائر أمام تصدير بعض المواد تارة أخرى، كما راح مسؤولون أوروبيون يحشرون أنوفهم في مسائل سيادية بحتة في الاقتصاد الوطني على غرار قانون المالية 2015، وقاعدة 51/49 المنظمة للاستثمار دون وجه حق. بنود تمييزية حولت الشراكة إلى رابح - خاسر لكن ورغم الإقرار بانتهاكات الطرف الآخر، إلا أن الخبراء والمختصين الجزائريين يحمّلون السواد الأعظم من الذنب للحكومة الجزائرية والتي وافقت منذ الأول على بنود يعتبرونها مذلة و تمييزية و خاضعة لإملاءات الطرف الأقوى في المعادلة الاقتصادية. وفي السياق، يرى أستاذ الاقتصاد بالمدرسة العليا للمصرفة (موسى سخاري) أن اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي هي استنساخ للعقوبات المفروضة على العراق في التسعينات (النفط مقابل الغداء)، مستندا إلى أرقام تشير إلى أن الجزائر باتت مجرد سوق لتصريف السلع والبضائع الأوروبية التي تستفيد من التسهيلات الجمركية على الموانئ الجزائرية في انتظار إلغاء التعريفات نهائيا سنة 2020، في حين أن الصادرات الجزائرية طغت عليها عائدات المحروقات. وقال ذات المختص في تصريح ل([أخبار اليوم)، إن الاتفاقية كانت غير عادلة منذ البداية متسائلا في ذات الصدد عن الأسباب الكامنة وراء توقيع المفاوضين الجزائريين على بنود تمييزية في كثير من الأحيان، وتجسد ذلك -يضيف ذات المصدر- في أن الجانب الاقتصادي لم يأخذ نصيبه من الاهتمام الذي أخذته الجوانب الأمنية والثقافية، وبالتالي باء بالفشل وأثقلت الخسائر المالية كاهل الاقتصاد الوطني من وراء هذه الشراكة وسط تجميد مبدأ التعاون رابح -رابح على أرض الواقع. وفي سؤال عن الأسباب التي تمنع الجزائر من إلغاء الاتفاق، يقول محدثنا (شخصيا لا أتوقع هذا الأمر، ففي حال حدوثه ستعود الضرائب لتطبق على التصدير والاستيراد وهو الأمر الذي لا يخدم الجزائر كوننا لا نصدر سوى الطاقة ونستورد معظم السلع الأخرى). من جانبه يرى رئيس حركة الإصلاح الوطني جهيد يونسي الذي التقى مؤخرا بوفد من الاتحاد الأوروبي، أن سبب فشل الشراكة مع الاتحاد الأوروبي تعود أساسا لكون الطرف الجزائري دائما هو الأضعف في المعادلة الاقتصادية، نظرا لهشاشة الاقتصاد الوطني الذي يعتمد أساسا على الريع البترولي. وقال يونسي في تصريح سابق ل(أخبار اليوم) إن الحكومة لا يمكنها بأي حال من الأحوال الدخول في صفقة مربحة مع طرف قوي كالاتحاد الأوروبي، لأن اقتصادنا غير مهيأ ومؤسساتنا ليست في مستوى التنافسية مع المؤسسات الأخرى، وبالتالي سيكون مصير أي مجازفة من هذا النوع الفشل الذريع، الذي يغرق الاقتصاد الوطني أكثر مما هو عليه الآن. لأنها حينها ستخضع لكل الإملاءات، ونحن نعرف أن الذي يحكم الآن هو الاقتصاد وليس السياسة، وإذا تم التركيع الاقتصادي فإن السيادة السياسية لن يكون لها معنى -حسبه-.