تمر، غدا، 4 سنوات على تطبيق اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، وللأسف الشديد، بقي هذا المشروع الذي تضمن العديد من الأبواب والبنود حبرا على ورق، ولم يطبق إلا الشق التجاري منه حيث تضاعفت الصادرات الأوروبية نحو الجزائر بقوة، وبالمقابل بقيت الجزائر ممونا مخلصا لأوروبا بالطاقة ومختلف المواد الأولية. تجاهلت أوروبا مطالب الجزائر الخاصة بتطبيق مختلف بنود اتفاق الشراكة الخاصة بالتنقل الحر للأشخاص ونقل الخبرات والاستثمارات المنتجة، وبقيت تختلق الذرائع والحجج للإبقاء على الجزائر سوقا لمختلف سلعها ومنتجاتها الأوروبية، وهو ما نجح فيه الاتحاد الأوروبي الذي تمكن من مضاعفة صادراته نحو الجزائر بأكثر من 100 في المائة حيث كانت الصادرات الأوروبية نحو الجزائر قد بلغت حوالي 13 مليار دولار سنة 2005 لتنتقل إلى أكثر من 23 مليار دولار سنة ,.2008 وتعكس هذه الأرقام رغبة الأوروبيين في إبقاء الجزائر سوقا وليس منطقة استثمارات منتجة لتحقيق توزان بين ضفتي المتوسط. وبالمقابل ركزت الدول الأوروبية، خاصة الجنوبية منها على غرار فرنسا، على قطاع التجارة والبنوك حيث دخلت العديد من البنوك الفرنسية السوق الجزائرية وجنت الملايير من الدولارات كأرباح عن القروض الاستهلاكية التي كانت تحتكرها بصفة كبيرة، وبقيت مركزة على الجانب التجاري والخدماتي وهو ما جعل الاقتصاد الوطني يتراجع بحدة كبيرة، بل غرق في موجات الاستيراد حيث انتقلت الواردات الجزائرية من 13 مليار دولار سنة 2004 إلى 40 مليار دولار في 2009 وازدادت تبعية بلادنا للمحروقات بدرجة كبيرة، ورغم الاحتجاجات المتكررة لبلادنا على اتفاق الشراكة وتنصل الجانب الأوروبي من التزاماته، لم يتغير الوضع، حيث نقل السيد عبد العزيز بلخادم وزير الدولة الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية في الاحتفالات المخلدة لمسار برشلونة العديد من التحفظات التي أبدتها الجزائر خاصة فيما يخص تنقل الأشخاص والشق الاقتصادي. يظهر أن أسعار النفط المرتفعة في الفترة التي سبقت توقيع اتفاق الشراكة ودخوله حيز التطبيق كانت تغطي على بلادنا فشل المبادرة حيث أدى بقاء أسعار النفط فوق 100 دولار إلى اعتماد الدولة على نفسها في مجال الاستثمارات وتغطية نفقات الاستيراد، لكن مع تدهور أسعار النفط بدأت الجزائر تحس بالأخطار التي يمكن أن تحدق بها وقد تعود بها إلى مآسي 1994 تاريخ توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي حيث أجبرت على إعادة جدولة ديونها بشروط قاسية كما تم إقراضنا قروضا بفوائد مرتفعة جدا ما زاد في تحطيم اقتصادنا الذي فقد 1500 مؤسسة اقتصادية وتجارية وتم تسريح 400 ألف عامل وكادت تلك الإجراءات إلى جانب الإرهاب أن تقضي على الجمهورية. وقد أبان انهيار أسعار النفط عن اختلالات الاقتصاد الجزائري الذي كان وراء إنقاذ العديد من الشركات الفرنسية التي كادت أن تفلس جراء الركود الاقتصادي الذي عانت منه فرنسا وحتى ايطاليا وألمانيا واسبانيا كان لها نصيب كبير من أموال الجزائر وسمحت لها واردات الجزائر من إنقاذ ما يمكن إنقاذه من اقتصادها. إجراءات قانون المالية التكميلي رد على تنصل الأوروبيين من اتفاق الشراكة أحسنت الجزائر من خلال قانون المالية التكميلي اتخاذ الإجراءات الحمائية لاقتصادها من جشع ونهب المؤسسات المالية الدولية، وخاصة الأوروبية والفرنسية على وجه الخصوص حيث نسي الاتحاد الأوروبي سوء نيته في تطبيق برنامج اتفاق الشراكة الذي كلف الجزائر الكثير من الخسائر المالية والوقت الذي سيصعب تداركه مستقبلا في ظل الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة والتي لم تظهر بوادر انفراجها بعد. ويكون اتخاذ الجزائر لهذه الإجراءات أحسن هدية للأوربيين في الذكرى الرابعة لدخول اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي حيز التطبيق، فالشركات الأوروبية العاملة في الاستيراد ستكون مطالبة بإدماج رأسمال جزائري بقيمة 30 بالمائة، كما سيمنع على الأجانب نيل أكثر من 49 بالمائة من أصول الشركات الوطنية في مجال الخوصصة والشراكة. ويبقى الإجراء الخاص بوقف القروض الاستهلاكية أحسن بند في قانون المالية التكميلي الذي صدر بأمر رئاسي حيث كانت الجزائر المنقذ لصناعة السيارات الأوروبية من خلال بقاء أسواقها ملجأ للمنتجات الأوروبية التي تدهورت أسعارها في جميع دول العالم عدا الجزائر، وبمرور السنوات لم تقم أية دولة بالاستثمار في صناعة وتركيب السيارات في الجزائر، وفضلت دولا كتونس ورومانيا والمغرب لإنتاجها لأن الجزائر في نظرهم بقرة حلوب وفقط . وعليه فالاتحاد الأوروبي الذي ينتقد دائما الإجراءات الحمائية للجزائر مطالب بتعويض الجزائر عن السنوات الماضية، ويصحح نواياه التي أدت به إلى التهلكة ويحاول الضغط على الجزائر التي تتعامل دائما من مبدأ حسن الجوار عكس روسيا التي أدبت الأوروبيين في العديد من المرات، وهو ما جعلهم يخضعون للعديد من المرات للشروط الروسية. وفي ظل معاودة أسعار النفط الارتفاع ستكون الجزائر في موقع قوة أمام الأوربيين مستقبلا.