المرجعيات الدينية موضوع مهم تناولته وسائل الإعلام والدولة الجزائرية في العديد من الملتقيات والندوات والمحاضرات وأصبح الهاجس الحقيقي الذي بفقدانه تتلاطم أمواج الفتن وتأتي على الأخضر واليابس، لذا فهو يعد صمام الأمان والموجه الحقيقي لعديد الخلافات المترامية بين المذاهب والفرق الإسلامية. استضاف مسجد أبوالربيع بورفلة الجمعة الفارط في إطار منتدى أبو الربيع في عامه الرابع وبرعاية جمعية المعصومة للإعلام الأستاذ سليمان حكوم أحد الباحثين والدارسين في التاريخ المقارن الإسلامي في مداخلة حول المرجعيات الدينية في الجزائر والعلامة أبو يعقوب يوسف بن ابراهيم الوارجلاني - نموذجا- حيث استهل الأستاذ ندوته بحال المرجعيات الدينية في الجزائر وتراوحها بين المالكية وهي الكثرة والحنفية وكذا الإباضية التي تعد مرجعية مهمة ولها أصولها ومصادرها المشتركة مع جميع المذاهب الأخرى مهما اختلفت في الفروع فإن الكثير من المذاهب يختلف علماؤها في مجموعة من القواعد الفقهية فكيف بالمذاهب مع بعضها، والجزائر اليوم تعاني معاناة كبيرة بسبب الغموض في قضية الهوية الوطنية التي يتفرع عنها نقص الاهتمام بالمرجعيات الدينية وبالخصوص المالكية مما فتح الباب للتيارات الدخيلة على المجتمع الجزائري في ظل إهمال المنابع الصافية والنقية من أجل النهل منها كالمدارس القرآنية والزوايا الحقة. وقد أحسنت مديرية الشؤون الدينية في اختيار لشعار(المرجعية الدينية إلهام للثورة التحريرية) بمناسبة الذكرى الستين للثورة.. كما أن المداخلات التي ألقيت في الملتقى الدولي المنظم من طرف زاوية مسعود بلمسعود في الطيبات.. قد أحسنت، إذ توسعت في الموضوع وخاصة مداخلة الشيخ فقيه ادريس التي تطرقت لضرورة تناول المرجعيات الدينية في الجزائر دون استثناء- المالكية والإباضية - حتى نتجنب الشعور بالإقصاء لدى الأجيال نضمن التوازن في الانتماء لدى الشباب، فإن من الحكمة أن لا نهمل هذا الجانب في المنظومة التربوية ونترك فراغا يستغله دعاة الفتن ويحمل شبابنا إلى الالتجاء إلى علماء من الخارج في أبسط القضايا الفقهية والعقدية.. مما قد يشكل مدخلا للطائفية التي عافى الله منها شعبنا عبر التاريخ. ويرى أنه يجب تزويد الأجيال بالمعرفة العلمية الشاملة بكل علماء بلادنا وتاريخهم وبكل التنوع المعرفي الذي تركوه لنا في آثارهم من المكتوب والمحكي. وإذا كنا نهتم بالتقاليد والعادات التراثية فمن باب أولى أن نهتم بتعريف أبنائنا بأصولهم ورجال وطنهم من كل المذاهب والمدارس عوض أن يأتي من يغمز لهم بأن المجتمع يتجاهل موروثهم بقصد أو بدون قصد. من هنا أرى وجوب الاهتمام بفتح نقاش علمي رصين تحتضنه الجامعة والمؤسسات الثقافية المعرفية الرصينة من خلال تنظيم الفعاليات واللقاءات بين أهل الاختصاص للخروج بما يؤدي للتماسك الفكري والاتحاد النظري حول قضايا الثقافة عموما ويقطع الطريق على رياح التفرقة والدسائس التي تستهدف وطننا من بعيد وقريب. وأقترح بداية دراسة موضوع: (المرجعية عند أبي يعقوب الورجلاني) باعتباره بحرا من بحار العلوم في عصره، كما ذكره الكثير من المؤرخين وكذا المستشرقين ومن خلال مؤلفاته الزاخرة في شتى العلوم، وتكفيك شهادة أبي العباس فيه: (كان له في كل جو متنفسا، ومن كل نار مقتبسا، له يد في علم القرآن، وفي علم اللسان، وفي الحديث والأخبار، وفي رواية السير والآثار، وعلم النظر والكلام، والعلوم الشرعية عباداتها والأحكام، وعلم فرائض المواريث، ومعرفة رجال الأحاديث، ولم يخل من اطلاع في علوم الأقدمين، بل حصل مع ملازمة السنة قطعة من علم الحكماء المنجمين) وله العديد من المؤلفات التي بقيت ونذكر بعض منها: العدل والإنصاف في أصول الفقه، الدليل والبرهان، مرج البحرين في المنطق والفلسفة، مروج الذهب في الفلسفة، الجامع الصحيح في مسند الإمام الربيع بن حبيب، فتوح المغرب، القصيدة الحجازية، وغيرها كثير ومنها ما هو متواجد في خزائن أوروبا، كما أنه جاب جميع أصقاع الأرض باحثا ومتعلما ومدرسا وناشدا للحقيقة المطلقة مما يوحى كون العلامة من خلال رحلاته المتكررة إلى المشرق ومعظم أصقاع إفريقيا والأندلس جعلت منه موسوعة متعددة المشارب والمناهل التي تزيد لعلمه ومرجعيته تفتحا واتزانا في العديد من الأجوبة والآراء الفقهية التي أوردها في مجموعة من المسائل الفقهية معتقدا صوابية كل طرف ما لم يتناف مع جوهر النص. وإننا من خلال هذا المدخل البسيط والسطحي لمناقب هذه الموسوعة الفذة كان لزاما علينا أن نخصص له ملتقيات وندوات ومحاضرات حتى نتعمق في فكره وجواهر علمه من أجل إبرازها للعامة ونستلهم منها العبر والعظات ونثمن الرؤية الناصعة والنظرة الثاقبة في جمع لمّ شمل المرجعيات الدينية بين المسلمين وسلامة سندها من دون أن يحدث ذلك خللا وتصدعا في كيان الأمة الإسلامية. لذلك كان لزاما علينا حتى نحمي الجزائر من الفتن ونسد الطريق أمام المستثمرين في القضايا الخلافية في تأجيج الأوضاع وجر الأمة لما لا تحمد عقباه، على أي فرد قبل أن يحكم على صدقية وسلامة مرجعية أي مذهب كان لابد أن يقرأ في كتبه ومراجعه ومصادره التي استند إليها، والأبلغ من ذلك أن يتجسد ذلك في المعاملات والعلاقات بين أفراد المجتمع لأن الدين المعاملة، فالحذر كل الحذر من الفتاوى والسعرات التي تأتينا عبر الفضاء من القنوات التي يرى مشايخنا أنها دائما هي الأصل والمنبع وغيرها هو الضال والمبتدع. إعداد: سليمان أبو الربيع الجزائري