يستعيد سكان القصر العتيق ببني يزقن بسهل وادي ميزاب (غرداية) سنويا بعض التقاليد المتوارثة التي لا زالوا يتشبثون بها بمناسبة مولد خير البرية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. وتأخذ مظاهر إحياء هذه المناسبة الدينية العظيمة في هذه البلدة طابعا متميزا، حيث يتجلى أهم مشاهدها في تنظيم استعراض ليلي بهيج ليلة المولد النبوي الشريف بين صلاتي المغرب والعشاء تصنعه مصابيح تقليدية توقد بمادة الزيت والتي تعرف محليا ب(إينارن) فرحا بمولد الرسول الأعظم وخاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام. ففي أجواء روحانية مليئة بعبق النبوة وألوان متلألئة تزدان بها الأزقة الضيقة لقصر بني يزقن العتيق وعلى وقع الأناشيد والمدائح النبوية التي تصدح بها أصوات المبتهجين تحمل جموعا من المحتفلين وفي مقدمتهم الأطفال مصحوبين بأوليائهم، هذه المصابيح التقليدية التي هي على شكل أقداح صغيرة الشكل بها معلاق توقد من الزيت فتشع نورا وضياء. وينتهي المطاف بهؤلاء المحتفلين وفي هذه الأجواء المليئة بعبق التراث الأصيل بالمسجد العتيق لقصر بني يزقن، حيث تقتضي التقاليد والعادات المتعارف عليها أن يتم جمع ما تبقى من زيت هذه المصابيح التقليدية. ويقول في هذا الصدد أحد أعيان قصر بني يزقن الدكتور نوح (إن هذا الزيت المجمع الذي غالبا ما كان يستعمل في وقت سابق لإضاءة المسجد يتم إعادة بيعه وتصب عائدات البيع في حساب المسجد التي تصرف لتغطية تكاليف الكهرباء، فيما تستعمل هذه المصابيح التقليدية أغراضا للديكور في المنازل). وكانت الزيت وقبل ظهور طاقة الكهرباء تستعمل لإيقاد المصابيح التقليدية المستعملة لإنارة بيوت الله كما أوضح ذات المتحدث، مشيرا أن هذه العادة المتجذرة والمتوارثة عبر الأجيال يعاد إحيائها سنويا بمناسبة الاحتفال بمولد صاحب الرسالة وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ولم تثن برودة الطقس غير المسبوقة التي تجتاح هذه الأيام منطقة غرداية سكان بني يزقن من إقامة هذا الاستعراض التقليدي الليلي والذي استقطب اهتمام وفضول سياح أجانب الذين كانت لهم الفرصة لاكتشاف جانب من مشاهد التراث اللامادي الذي تزخر به عديد مناطق الوطن. كما تميزت أجواء إحياء هذا الحدث الديني العظيم بغرداية بتنظيم جلسات روحانية بمختلف المساجد ودور العبادة التي أقيمت بها صلوات ومجالس تلاوة القرآن العظيم وترديد أناشيد ومدائح دينية احتفاء بمولد خير البرية وكان محطة أيضا لاستعادة المعاني والقيم الإنسانية السامية التي حملتها الرسالة المحمدية إلى البشرية جمعاء. وعلى الرغم من انتشار بعض العادات المستحدثة في إحياء هذه المناسبة الدينية المقدسة على غرار استعمال المفرقعات والألعاب النارية، إلا أن تقاليد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وبكل ما تتضمنه من مشاهد تراثية وعادات مستلهمة من السلف الصالح لا زالت راسخة إلى اليوم في أوساط سكان هذه المنطقة وتبرز من بينها الزيارات العائلية التي تسمو إلى أرقى علاقات صلة الرحم والتسامح. وعادة ما ترافق هذه الجلسات العائلية الحميمية تقديم أطباق تقليدية التي تغازلها صينيات الشاي وموائد مرصعة بأنواع من الحلويات التقليدية والعصرية.